تحليلات سياسيةسلايد

الأسد في طهران.. هل هي زيارة الاستِعداد لمُواجهة العُدوان الإسرائيلي القادم على العُمُق السوري؟

زيارات الرئيس السوري بشار الأسد الخارجيّة نادرة، وغالبًا ما تكون محسوبةً بعنايةٍ، ولبحث مواضيع استراتيجيّة على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة، سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، ولهذا اقتصرت جميع زِياراته طِوال السّنوات العشر الماضية على عاصِمتين فقط، الأولى موسكو، والثانية طِهران، والاستثناء الوحيد كان لأبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربيّة المتحدة في شهر آذار (مارس) الماضي.

في هذا الإطار يُمكن النّظر إلى زيارته الخاطفة التي قام بها إلى طِهران أمس الأحد، والتَقى خِلالها السيد علي خامنئي المُرشد الأعلى للثورة الإيرانيّة، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ولم يتم الإعلان عنها إلا بعد انتهائها، وعودته إلى دِمشق لأسبابٍ أمنيّة، وهذا أمْرٌ لا يحتاج إلى شرح، فالرّجل مُستَهدفٌ من أكثر من جهة، والولايات المتحدة الأمريكيّة ودولة الاحتِلال الإسرائيلي على وجه الخُصوص.

***

المعلومات عن هذه الزّيارة كانت وما زالت شحيحةً، واقتصرت على صُور اللّقائين، مع السيّد خامنئي، والرئيس رئيسي، ولكن توقيتها يشي بالكثير بالنّسبة إلينا نحن الذين نُحاول أن نقرأ ما بين السّطور، ويُمكن أن نُلَخِّص الأسباب المُحتملة في النّقاط الخمس التالية:

أوّلًا: تتزامن هذه الزّيارة مع المُناورات العسكريّة الإسرائيليّة الأضخم من نوعها، وتُشارك فيها جميع القِطاعات العسكريّة الجويّة والبحريّة والأرضيّة قُرب الحُدود السوريّة واللبنانيّة، وسط أنباء تتحدّث عن التّحضير لحَربٍ كُبرى ضدّ محور المُقاومة، وسورية وإيران و”حزب الله” على وجه الخُصوص انطلاقًا من حالة الرّعب التي تعيشها تل أبيب في ظِل تصاعد قوّة هذا المحور، وفشل مُفاوضات فيينا النوويّة، وقُرب توصّل إيران إلى أسلحةٍ نوويّة.

ثانيًا: السيّد حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني أكّد في خِطابه قبل الأخير الذي ألقاه بمُناسبة يوم القدس العالمي أن إيران، وحِلف المُقاومة، سيَرُدّ على أيّ عُدوانٍ إسرائيليٍّ قادم في العُمُق السوري، وقال إن نظريّة الرّد في الزّمان والمَكان المُناسبين قد سقطت إلى غير رجعة، الأمر الذي يتطلّب تنسيقًا سوريًّا إيرانيًّا على أعلى المُستويات، استِعدادًا لمُواجهة قادمة على الأرض السوريّة قد تتحوّل إلى حربٍ شاملة.

ثالثًا: لبنان مُقدِمٌ على مرحلةٍ حَرِجَةٍ وحسّاسة، تتمثّل في الانتِخابات النيابيّة بعد بضعة أيّام التي تشهد تدخّلات خارجيّة أمريكيّة وإقليميّة مُتَعَدِّدة، وخاصَّةً من قبل كُل من أمريكا وفرنسا والسعوديّة وإيران، وربّما تُؤدّي نتائج هذه الانتِخابات إلى مُواجهاتٍ سياسيّة وعسكريّة، إذا جاءت نتائجها مُفاجئة ومُتعارضة مع حِسابات وتطلّعات بعض القِوى والأحزاب المُشاركة فيها، وداعميهم في الدّاخل والخارج.

رابعًا: المِنطقة العربيّة تشهد قواعد اشتِباك سياسيّة وعسكريّة جديدة على أرضيّة الحُروب الأوكرانيّة، ربّما تُؤدّي إلى تغييرٍ جذريّ في خريطة التّحالفات الإقليميّة والدوليّة، ولاحظنا تقاربًا ثُلاثيًّا مِصريًّا سعوديًّا إماراتيًّا مع روسيا، وتَصاعُدًا للتوتّر في عُلاقات هذا المُثلّث مع الحليف الأمريكي التّاريخي، حيث رفضت دوله طلبًا أمريكيًّا بزيادة إنتاج الغاز والنفط لتخفيض الأسعار، وتعويض أيّ غِياب لمصادر الطّاقة الروسيّة.

خامسًا: تُواجه سورية أزمة طاقة حادّة، تعود جُذورها إلى أمرين: الأوّل: الاحتِلال الأمريكي لآبار الغاز والنفط السوريّة شرق الفرات، والثاني: الحِصار الأمريكي الخانِق، وتعتبر إيران هي طَوق الإنقاذ الأبرز، فالكهرباء مقطوعة في سورية مُعظم ساعات اليوم بسبب النّقص في النفط والغاز، خاصَّةً مع بدء شُهور الصّيف القائظة.

***

لا نُريد أن نستبق الأحداث ونتسرّع بالوصول إلى تكهّنات قد لا تكون دقيقة، ولكن ما يُمكن أن نقوله، وبحَذرٍ شديد، أن شهر حزيران (يونيو) قد يكون مُلتَهِبًا، أُسوَةً بالكثير من “الحُزيرانات” السّابقة التي كانت حاضنةً لمُعظم الحُروب والمعارك التي تفجّرت في المِنطقة العربيّة على مدى 75 عامًا.

من الواضح أن روسيا التي وجدت في كُل من سورية وإيران حليفين موثوقين، ومن “إسرائيل” صديقة “عاقّة” ناكرة للجميل تلعب على كُلّ الحِبال، وتدعم الصّهيوني زيلينسكي، وتقف في الخندق الأمريكي علانيّةً مثلما جاء على لسان وزير خارجيّتها يائير لابيد، و”إدانته للغزو الروسي باعتِباره جريمة حرب”، من الواضح أن روسيا قد تكون أعطت الضّوء الأخضر لإيران وسورية للرّد على أيّ عُدوان إسرائيلي، ورفعت الحظر بالتّالي عن استِخدام الجيش العربي السوري لصواريخ “إس 300” الروسيّة لضرب الطّائرات الإسرائيليّة المُغيرة.

الغارة الإسرائيليّة القادمة على أهدافٍ إيرانيّة في العُمُق السوري، هذا إذا حدثت، قد تكون الاختِبار الحقيقي.. ونحن في الانتظار على أحرّ من الجمر.. والأيّام بيننا.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى