كتاب الموقعنوافذ

الأضاحي

الأضاحي… “النفط مادة مضيئة، تخصصت في صنع الظلام”

المفاجأة هي بالهندسة التي جعلت موسم الحج آمناً على الورق. وفي لحظات الزحمة تصبح الهندسة بلهاء قليلاً أمام الشيء الوحيد الذي لا تحسب حسابه خرائط الممرات في طرقات الحج إلى مناسكه وطقوسه.

الهندسة المعمارية، ليست مسلمة، أقصد التي نفذت ممرات الوصول إلى الشيطان حيث ازدحم الراجمون استعجالاً لإصابة الشيطان من أقرب مسافة، وحيث الثواب ينتظر ممن يشجّه جيداً بالأحجار السبعة. ويحكى أن ياسر عرفات قد رمى ستة أحجار، وحين سألوه لماذا لم ترمِ الحجر السابع، أجاب احتياطاً… قد يكون الشيطان على حق.

وأحد مريدي الحلاج سمع صوت الناي لأول مرة، فسأله عن هذا الصوت الغريب، فقال الحلاج:

“إنه يا بني صوت الشيطان وهو ينوح على دمار العالم، الذي يتمنى لو يستطيع إنقاذه”.

إن موت هذا العدد، على هذا النحو المفجع، بسلاح الدوس بالأقدام وهرس الحياة بالتزاحم، والاستعجال للنجاة بأي شكل وأي ثمن… هو دليل على نقص البراعة في إدارة الموت. وعلى نقص في قدرة الحاج على التضحية خارج الطقوس، فمن الممكن لحاج بلغ السبعين ذنباً، غفرهم له الحج بيوم واحد…أن يصرخ للدنيا: تعالي مرة أخرى، أنا بلا ذنوب. وهذا موجب للتزاحم وليس للتراحم.

وثمة إنكليزي، مهندس إنكليزي، أو أمريكي، لم يشرح له أحد جيداً طقوس الجمرات والرجم والشيطان الإبليسي في كل لحظاته الشريرة، ومن الهرطقة أن يخطر على بال أحد أي دور للشيطان في إرباك خطى الحجاج، والمساهمة في دفعهم إلى الإسراع في ضربه. ولكن لا بد من أن يوجد هناك، بعيداً عن الموت، من يتفرج على هذه الكمية المفجعة من الموت، الممكن تفاديه بتغيير بسيط في إدارة المعركة السنوية بين الحجاج والشيطان. طبعاً من غير المؤكد أن تكون الطقوس من زمن ابراهيم الخليل، مؤسس الكعبة، إلى زمننا… هي هي، بما في ذلك المعركة ضد الشيطان وأسلوبها.

خارج الموضوع يمكن القول أن المملكة خلال هذه السنوات الأخيرة قد دخلت في تجارب يستبعد فيها المهارة في التخطيط، ولا تنطوي على أي نوع من الحظ في التحول إلى قوة إقليمية خارج سلطة النفط ونفوذه، الشرير غالباً، ومأساة النفط أنه مادة مضيئة، تخصصت في صنع الظلام.

إن الرافعة العملاقة التي قتلت المئات حول المسجد الحرام، وضحايا معركة الجمرات بالآلاف، وقتل اليمن بعناد من لديه مستودعات ذخيرة يجب استعمالها قبل نهاية صلاحيتها في المخازن…كل ذلك يربك قادةً صغاراً سعوديين، متشوقين إلى مجد، يشبه في مشهديته رقصة السيف، واحتفالات القبيلة، وكما يعتقدون هم أيضاً، “المصائب لا تأتي فرادى”.

يجب أن يعود الحج على الجمال، ذلك العناد المبدع والشجاع، وتلك الرحلة إلى وطن النبي، والخطرة والممتعة والمربحة. تلك مناسك امتحان فداحة الذنوب أمام محامل الغفران.

في المدن العربية تتوحد عشية الأضحى، أصوات فريدة هي أصوات الخراف، وقد دق جرس الإنذار بموتها الوشيك. فيمتلىء ليل المدينة ثغاء حزيناً فيه ما يشبه النشيد الوداعي الأخير.

وكذلك في المدن العربية تتطاير الأماني، فيما يقترح صديقنا الشاعر السوري شوقي بغدادي..إلغاء الأعياد حتى تنتهي مذابح البشر.

يا عزيزي شوقي…الخراف يجب أن تذبح منذ ألف وخمسمائة سنة.

والبشر يجب أن يذبحوا منذ ألف وخمسمائة سنة.

وكل ذلك اسمه: أضاحي، تضحيات، أو ضحايا !

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى