نوافذ

الأمل حفيد الوهم

الأمل حفيد الوهم …صعوبة هذه المهنة “مهنة الهواية” أي: الكتابة، آتية من تعدد الخيارات والاحتمالات: خيارات اللغة، والطريقة والنهايات…

هي أكثر ما يقلق. فثمة سؤال بسيط عاميّ: نهاية محزنة أو مفرحة؟ مفجعة أم مسالمة؟ منتصر أو مهزوم؟

المشكلة هي في المجموع العام للياقة البطل/ الأبطال، أو الاستعدادات لتأمين لياقة الكاتب، فالنهاية، كيفما كانت هي صناعته وبضاعته.

مطلوب مني نهاية فيلم سينمائي، لا مفرحة ولا محزنة. قلت: بسيطة، نستطيع الاستعانة بأقدم حيلة بشرية لتجنب الأسوأ: وهو صناعة الوهم.

بطل الفيلم عجوز يريد أن يلقي خطاباً في حفل تخرج وتفوق حفيده، أمام غرفة في مدرسة ابتدائية.

العجوز لا يؤمن بالعلم والتقدم العلمي إلا إذا كان هناك نفس المستوى في المنظومة الأخلاقية: نفس الدقة، والوظيفة، وتخفيف عبء العمل الجسدي، وتحقيق نمو مضطرد في هذه المنظومة، مع النمو المضطرد في المنظومات العلمية.

العجوز فرح جداً بأن حفيده حفر أرض المعرفة سنوات طويلة، هنا وفي أوروبا. ليعثر على ذهبه الخاص، ونجح في ذلك… فهو الآن عالم من العلماء والمخترعين، والأهم أنه يعتنق نفس الأفكار التي يعتنقها الجد حول هذه المسألة صعبة التحقق: فالعصر الحديث كله يقف على اثنين من “اللوكشينات” أحدهما: هذه الحضارة الحديثة والثاني: قنبلة قتل وإبادة الحضارة الحديثة.

الجد العجوز يتنحنح طويلاً أمام حشد قروي مترقب.

الكاميرا الآن تسلط تركيزها على الجد الذي حفرت فيه السنوات أخاديد طولاً وعرضاً، والذي يبدو، معها، فتياً أيضاً:

“ترحيبي بكم، شخصاً شخصاً، هو الفرح الذي يجمعنا حول فكرة بسيطة، وحدث بسيط… هو فكرة النجاح. النجاح الذي يحدث عندما يتوقع، كل الآخرين، عدم حدوثه، أو أنه غير ممكن الحدوث.

أحد أسرار النجاح، ودعونا نسميه الإنجاز، الإنجاز الملموس الذي يغيرنا، ويجعلنا أفضل حالاً، هو التدرب على الاستخدام الفذ للوهم وتمييزه، وهو يشرب من نبع مجاور للأمل… وجعله يعمل لصالحنا، كأنه رفيق حياتنا.

يصمت العجوز، وتبدو على وجهه علامات انفعال حزين، ثم يتابع، سأروي لك هذه الحادثة التي بطلها الوهم.

امرأة بسيطة طيبة… هاجر زوجها في أحد زوارق الموت السوري، في محاولة الوصول إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض/ الأسود المتوسط (يبتسم) ولكن الأيام مضت والشهور مضت والسنوات… ولم يعد.

في اليوم التالي لرحيله، تركت سترته معلقة في الخزانة، وكانت تضع في إحدى جيوبها مبلغاً من المال، وعندما يطلب ابنها “خرجية” (مصروف) وهو ذاهب إلى المدرسة تقول له: روح خذ من جيبة أبوك بالسترة المعلقة في الخزانة”.

يبتسم الجد… يبتسم ابتسامته الخليط بين لمعة العين ودمعة الأسنان.

يطول فاصل الصمت… فيندفع الجمهور إلى التصفيق. (نهاية القصة).

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى