الإخوان المسلمون: طبيعة السلطة وتداولها (محمد حلمي عبد الوهاب)

 

محمد حلمي عبد الوهاب

 
بالعودة إلى الهدف الأساس لتنظيم الإخواني المسلمين، ألا وهو: الوصول إلى السلطة من أجل إقامة دولة عالمية وخلافة إخوانية، يمكننا الرجوع إلى أدبيات الجماعة لتأكيد هذا المنزع الذي تكرر ضمن تضاعيف أدبيات الجماعة، منذ حياة المؤسس الأول وحتى آخر مرشد عام للجماعة، يقول المؤسس الأول: "وهذا الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمون يجعل الحكومة ركناً من أركانه، ويعتمد على التنفيذ كما يعتمد على الإرشاد…".
وتحت عنوان: "الإخوان المسلمون والخلافة" ضمن رسالة التعاليم، يقول البنا: "والإخوان المسلمون يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس منهاجهم، وهم مع هذا يعتقدون أن ذلك يحتاج إلى كثير من التمهيدات التي لا بد منها".
أما عمر التلمساني، المرشد الثالث لجماعة الإخوان، فيقول في الصدد نفسه: "إن إقامة الحكومة الإسلامية هي مناط الرجاء في دعوة الإخوان المسلمين، وهي أمنية أمانيهم"، والمعنى نفسه يقول به مصطفى مشهور، المرشد الخامس للجماعة: "إن الهدف الذي أقام الإمام الشهيد جماعة الإخوان من أجل تحقيقه هو إقامة دولة الإسلام العالمية، وعلى رأسها الخلافة الإسلامية".ويؤكد أيضا: "هدف الإخوان إقامة دولة الإسلام العالمية، وإعادة الخلافة".
ووفقا لما سبق، فإن الهدف الكلي الجامع الذي قامت من أجله الجماعة هو استهداف السلطة والحكم، وليس أدل على ذلك مما قاله مصطفى مشهور ذات مرة: من الأمور الأساسية التي يلزم توفرها في الجماعة الإسلامية القدوة أن يكون الهدف الذي قامت من أجله هو ذلك الهدف الكلي الجامع، وهو التمكين لدين الله في الأرض بإقامة دولة الإسلام العالمية، وأن يكون في منهاجها القيام بسائر ما يحتاج إليه ذلك الهدف من خطوات وإعداد. ويتابع المؤسس الأول في رفض كل جماعة لا تتبنى هذا الهدف، فيقول: أي جماعة تحصر نفسها في بعض جوانب الإسلام، أو حتى كل متطلبات الإسلام، متجنبة هذا الهدف، وهو: إقامة الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية؛ مثل هذه الجماعة لا تكون جديرة بالعمل معها، إذ يظل التقصير في أداء الواجب قائماً، وإثم التقصير قائماً أيضاً!
ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف، لابد من الوصول إلى السلطة والانخراط في التنظيمات كافة. يقول مصطفى مشهور: لما كان هذا الواجب الأساسي والمهم هو: إقامة الدولة الإسلامية لا يتم بشكل فردي، بل بالعمل الجماعي المنظم والمخطط له؛ علمنا أن الجماعة والعمل الجماعي واجب على كل مسلم ومسلمة تحقيقه، ولا يجزئ العمل الفردي المبعثر غير المنظم عن ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب!
المسؤولية مشتركة إذن، ولذلك تعين على كل مسلم ومسلمة أن يكون جزءاً مشاركا في تحقيق هذا الهدف، وإلا اعتُبر آثما. يقول مشهور أيضا: يجب توضيح أن مسؤولية إقامة الدولة الإسلامية ليست قاصرة على الحكام أو العلماء، ولكنها مسؤولية كل مسلم ومسلمة موجودين فى هذه الفترة من عمر الدعوة الإسلامية، وأن المسلمين جميعا آثمون إن لم يعملوا على إقامة الدولة الاسلامية… والذين يُقْصِرُون عملهم على العلم والعبادة والذكر وعمل الخير دون العمل على أداء هذا الواجب آثمون مُقَصِّرُون!
الصراع على السلطة
حاولنا في الفقرات السابقة تسليط الضوء على "مركزية السلطة في فكر الجماعة"، وسنعمل في الفقرات التالية على قراءة السجالات والمبارزات التاريخية التي دخلت فيها الجماعة طرفاً بسبب صراعها المستميت من أجل الوصول إلى السلطة. فالجماعة التي عاصرت ملكين وأربعة رؤساء حتى اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير لم تتعلم من دروس التاريخ، ولم تفد من عبر الماضي؛ بل على العكس من ذلك عاودت الوقوع في الأخطاء التاريخية نفسها بسبب استماتتها في التمسك بحلم السلطة من جهة، واستبدادها بالأمور كافة بعد وصولها إليها بالفعل من جهة أخرى.
من الملاحظ على علاقة الجماعة بالسلطة، أن الأخيرة كانت تستغلها دوماً في إخماد كل حراك ثوري يحدث في الشارع مطالباً بالكرامة والاستقلال الوطني، وفي كل مرة كانت تلبي الجماعة نداء السلطة غير مكترثة بأن الثمن الذي يدفعه الوطن لقاء الفتات الذي يُلقَى لها أكبر بكثير، وأنها أُكِلَتْ بالفعل يومَ أُكل الثور الأبيض.
في كل مرة كانت الجماعة تنفصل عن الحركة الوطنية، إلى أن يتم الإجهاز على الجماعة دون أن يأبه لها أحد. ففي أيام الملك فاروق تم تعيين إسماعيل صدقي باشا، الملقب بـ"عدو الشعب"، والذي كان في حالة خصومة شديدة مع القوي السياسية كافة، وعلى الفور قرب إسماعيل صدقي جماعة الإخوان فهرولت الجماعة، مما أثار استياء جميع القوي السياسية، ولم يمر أكثر من عام حتي تم البطش الشديد بهم أيضاً. ثم تكرر المشهد بفصوله المثيرة بعد ثورة يوليو، حيث قام عبدالناصر بحل الأحزاب السياسية ففرح الإخوان بذلك ظنا منهم أن الساحة السياسية قد خلت لهم، لكن سرعان ما حدث الصدام بينهم وبين الدولة وتم الزج بهم في السجون دون أن يبكيهم أحد.
كانت الجماعة تتلون في علاقتها بالسلطة بشكل عجائبي. ففي عام 1933 وصف المرشد العام للجماعة الملك فؤاد، في خطاب يناشده فيه منع البعثات التبشيرية، بـ"الملك الرشيد"، خاتماً خطابه بالدعاء: "لا زلتم للإسلام ذخراً وللمسلمين حصناً". كما وصفه في مقال لاحق بأنه كان مثلاً يحتذى في التمسك بعقيدته الإسلامية. وفي عام 1937، وبينما كان المصريون يهتفون ضد الملك فاروق تنديداً بالسلوك المستهتر للأسرة المالكة ممثلة في نازلي وولدها، كان البنا يكتب مقالاً عنه مشبهاً إياه بالفاروق عمر، وأنه "ضم القرآن إلى قلبه ومزج به روحه، وأن صلاح المسلمين في كل الأرض سيكون على يديه. وأكبر الظن أن الأمنية الفاضلة ستصير حقيقة ماثلة، وأن الله قد اختار لهذه الهداية العامة الفاروق، فعلى بركة الله يا جلالة الملك ومن ورائك أخلص جنودك.
وإذا تجاوزنا سنوات العسل مع السادات، نجد الجماعة تتابع المسيرة ذاتها مع المخلوع مبارك، فها هو مأمون الهضيبي يبايع مبارك عام 1978، وسجلت المبايعة في مضبطة الجلسة. وفي عام 2004 أرسل مهدي عاكف برقية لمبارك خلال رحلة علاجه الأولى بألمانيا، جاء فيها: في هذا الوقت الذي تواجه فيه مصرُ وأمتُنا العربيةُ والإسلاميةُ تحدياتٍ كبيرةً تستهدف أمنَها واستقرارها وسلامتها، والتي تحتاج إلى يقظةِ وانتباهِ وتضافرِ جميع القوى وتكاتفِ كلِّ الجهودِ، نسألُ اللهَ تعالى أن يمنَّ على سيادتِكم بالشفاءِ العاجلِ، وأن يُتمَّ عليكم نعمةَ الصحةِ والعافيةِ، وأن تعودوا إلى مصر وأنتم في خيرِ حالٍ، وأن يهيِّئ اللَّهُ لكُم ولمصرَ وللأمةِ العربيةِ والإسلاميةِ السلامةَ من كل سوءٍ.. مع قبول وافرِ التحيةِ وفائقِ الاحترام.
وفيما تميزت علاقتها بنوع من الجمود إبان حكم المخلوع مبارك، عاودت الجماعة سيرتها الأولى في عقد صفقات مع النظام الحاكم وصولاً للمشاركة في الانتخابات البرلمانية عام 2005 وتحقيق شبه أغلبية برلمانية. وعلى الرغم من جو الانفتاح الذي كاد أن يوصف بالتناغم بين رجالات الجماعة ونظام مبارك، حيث أتيح لمكتب إرشادها عقد ندوات ومؤتمرات وظهور فريق من رجال أعمال الجماعة، فإن العرض العسكري الذي أقامته داخل حرم جامعة الأزهر أعاد التوتر بينهما مرة أخرى.
وما بين وصف مرشد الجماعة للمخلوع بأنه "أب لكل المصريين"، وعدم معارضة الجماعة ترشيح نجله جمال في انتخابات الرئاسة "بشروط"، بقيت الجماعة على حالها تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، فلا هي محسوبة على النظام بالكلية، ولا هي جزء من المعارضة وحالة الحراك الصاخبة في الشارع. وعلى الرغم من أنها كانت "تحشر أنفها" في كل كيان تؤسسه المعارضة، بدءاً من حركة كفاية وليس انتهاء بالجمعية الوطنية للتغيير برئاسة الدكتور البرادعي، فإنها كانت مدفوعة من قبل النظام والمؤسسات الأمنية بالدرجة الأولى.
وعندما قامت ثورة يناير، أعلنت الجماعة عدم صلتها بالتظاهرات وقامت بفصل الشباب والفتيات ممن شاركوا فيها، ثم ركبت موجة الثورة وجلست إلى جوار عمر سليمان للتفاوض.
ارتكبت الجماعة الحماقات ذاتها التي لطالما كانت تتذرع بها للوقوف في مواجهة السلطة، كل سلطة عاصرتها منذ تأسيسها، فما بين الإقصاء السياسي، والمتاجرة بدماء الشهداء، مروراً بفض اعتصام الاتحادية، ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا، وإقالة النائب العام، والهجوم على الإعلام… إلخ، لم يكن من الممكن أن يستمر نظام الجماعة في حكم مصر، وهم الذين كانوا يخططون للبقاء حتى الأبد.

خلاصة بحث محمد حلمي عبد الوهاب'إلى الهاوية … تداول السلطة في فكر جماعة الإخوان' (مارس 2014) 'الجهاديون في مصر: المراجعات' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث.

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى