الثورات في «لعبة الأمم» (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

ـــ1 ـــ

طبول الحرب تدق.

القاهرة تسمعها جيداً. «حرب كونية ثالثة» كما أسمتها صحافة مصرية بشرت بأن الدور القادم على مصر. وانها خطة قديمة كان محمد مرسي شريكاً فيها كما ظهر في ايامه الاخيرة مدافعاً عن كرسيه بالهجوم على سوريا (قطع العلاقات وبث خطاب مذهبي بين السنة والشيعة). مرسي اختفى. والطبول تدق. تحمل تهديدها إلى تركيبة «30 حزيران» التي اختارت ان يكون احد اعمدتها (خطاب عدائي للتدخل الاميركي على الطريقة الناصرية). «الاخوان» طرف غير معلن في الحرب. الدفاع عن عودتهم / شرعيتهم قرين القرار الاميركي بالحرب على الرئيس السوري بشار الأسد.
وبرغم ان المسافة بين دمشق والقاهرة بعيدة سياسياً، وان السعودية «حليف» التركيبة الجديدة في قلب الحرب، الا ان اجواء «العدوان الثلاثي» توحي بأن تدخل الناتو طرفاً في فرض مسار سياسي بالقوة ليس مستبعداً في مصر، كما تسرب خطابات سياسية تعارض التدخل وتعتبره عملية تسليم سوريا لتركيا كما سلمت العراق من قبل لايران.
الناتو طرف الآن في عمليات تغيير انظمة التصقت بالدول الى درجة ان بقاءها سر الاستقرار. لتأكل الحرب الاهلية الثورة، وتتماهى الحدود بين الديموقراطية وغزوات الاممية الاسلامية إلى درجة تختلط فيها ملامح القاتل على القتيل. ويتشكك الجميع في مذبحة برغم الضحايا. إلى هذا القدر حولت الديكتاتوريات دولا كاملة إلى اجساد من العفن لا حدود له يسهل معه تبرير الحرب والترويج لها كحل سياسي.

ــ 2 ــ

اية ديموقراطية تنبعث في الشرق الاوسط، بينما تبتلع «لعبة امم جديدة» الثورات / او الربيع العربي؟

خريف الاستبداد لم يأت بعد. بينما يتوه الربيع العربي في مسارات بقوة السلاح. الشعوب تضعف لتتحدث عبر الفضائيات عن انتظار «الناتو» المنقذ. برغم ان الانقاذ في طبعتيه العراقية والليبية قاد إلى جحيم اكبر، تنبعث فيه الديموقراطية ومعها الفوضى ايضا. الحرب تدق طبولها ومعها مجدداً «كراهية الديموقراطية» تعبير المفكر الفرنسي جاك رانسيير عن رد الفعل على ديموقراطية ينشرها «الناتو» بقوة السلاح.
والاهم ان الحرب لا تنتظر رعاية دولية / ولا بندا سابعا / قرارا من اوباما الذي ينظر الآن في سيناريوهات الحرب، سيختار منها «العملية المحدودة» او «الحرب الكونية»، ايهما اقرب إلى مزاجه المتردد. الخارج من ازمته مع مصر اشد ارتباكا / او عنفا.
ماذا ستفعل الحرب بعدما جعلت الديكتاتورية بشار الأسد هو ورقة التوازن لبقاء سوريا. وضع ماسأوي يندفع الى الحافة عبر تحالفات ربما يكون افسدها تغيير «30 يونيو» في مصر / ومعها ضاعت فرص للغطاء المذهبي الكامل، هكذا فإن صدى الطبول في القاهرة هو انتظار «الدور» في المؤامرة / وليعلو خطاب الامن القومي بديلا عن الديموقراطية، ولتبدو المعركة الكلامية مع اردوغان بروفة لحرب مؤجلة حول سوريا.

ــ 3 ــ

الاحلاف تتفكك بعد «30 يونيو»

القاهرة مركز التفكك. كان مفترضا ان تكون «ملعبا للامم» حيث تتصالح التيارات الاسلامية مع الغرب، او «ممرات» العبور الدولية (تدخل عسكري في سوريا او حرب سنية شيعية). ومصر بطبيعتها التاريخية / السياسية / السكانية لا تصلح لدور «الملعب» او «الممر». يمكنها ان تلعب دور «القيادة» (كما ارادت مصر الناصرية) او تعطله (على الطريقة المباركية الطويلة العمر). مرسي في حكمه القصير لم يفهم ماذا تقول له طبيعة البلد لانه اراد تحويل «مسار الدولة» لتكون قاعدة «استاذية» الاخوان او «خلافة» ترى المستقبل في القرن الخامس الميلادي.
مرسي / او جماعته لم يتح لهما حتى هامش المناورة الذي فتحه مبارك لنفسه كموظف عتيق في الادارة المصرية (يعرف متى ينفذ حرفيا / ومتى يمانع) في اطار الحفاظ على «الموقع» ولو شاغرا.
الرغبة في تأسيس قاعدة للاستاذية الاخوانية اربك معطيات «الدولة الوطنية» بمعايير المؤسسات العسكرية والوعي الشعبي المصاحب لها.
هذه «الوطنية» ارادت استعادة «هامش المناورة» لا اكثر فأربكت التصورات الجاهزة / كيف يخرج الجيش المصري عن تحالفاته أو تبعيته لاميركا؟
وهذه لم تكن الازاحة الوحيدة.

ــ 4 ــ

الازاحات أثارت الدهشة.

على اوراق التوجيه المعنوي في معسكر «رابعة» شطب المحاضر / الموجه كلمة «تطابق»، ووضع بدلاً منها كلمة «تقارب» ليصف العلاقة مع تركيا وقطر.
هذه العلاقة كانت احد عناصر القوة في موقف الاخوان، كما كانوا يوجهون جمهورهم في «رابعة». لكنها لم تكن كذلك تماما خاصة بعد تطرف اردوغان في الهجوم على «30 يونيو» الى حد استنفر «النعرة المصرية» في التصدي لنعرة «عثمانلي» فتحت جروحا في الذاكرة الشعبية.
والغريب ليس موقف اردوغان ولكن حدته وانزلاقه إلى خطابات التناطح الايديولوجي. وبدا ان الامر تعبير عن انهيار ما في «النموذج التركي» الذي كان صاعدا وفق عمليات تسويق (نظام يجمع بين الديموقراطية والاسلام الحداثة والاصولية).
وبقانون ازاحات ما بعد «30 يونيو»، فان اردوغان انتقل من اللعب على هامش اميركا إلى الالتصاق بها، مصحوبا بطنين ايديولوجي (رعاية للتنظيم الدولي للاخوان / احتضان ربما) واستخدام لخطاب الديماغوجيا عن مشاركة اسرائيل في الاطاحة بالاخوان (وهو وحده من بين حكام دول مسلمة يقيم علاقات فعالة مع اسرائيل ولا يعتبرها العدو التاريخي).
ازاحات اردوغان / تركيا توازنها وفي المقابل مواقف السعودية التي تثير الدهشة بابتعادها عن التطابق مع الموقف الاميركي بل بدت احيانا انها تواجهه (بالاعلان الواضح عن تعويض المعونات الاميركية في حين توقيفها لمصر+ جولات سعود الفيصل للضغط على حلفاء اوروبيين)
وكما ان ازاحة اردوغان اثارت ذاكرة التنافس التركي / المصري، فإن ازاحة الرياض اثارت ذاكرة قطع البترول عن اوروبا واميركا في حرب تشرين 1973. الماضي يعود اذاً ليكون شاهدا على ما ستفعله الازاحات الجديدة.

ــ 5 ــ

ألواح القوة ما زالت في مرحلة التصادم.

و«لعبة الامم» ربما تدار بنفس العقلية القديمة، لكنها في واقع جديد يقاوم ايضا بعقل قديم. هذه هي المفارقة. اللعبة تتم في قلب الثورة على الاستبداد / والتخلف. وهذه ضراوة اللحظة الراهنة.
هل ستعادي اميركا مصر وتعود القاهرة إلى حنينها الناصري؟ وكيف يكون العالم معك وضدك في آن واحد؟ وكيف يكون للقوى الديموقراطية مكان في صراع «الاحلاف» وايقاعات السقوط المدوي لتنظيمات توقظ احلاما امبراطورية لتواجه به الغرب الذي تطلب مساعدته.
مفارقات تجعل من حركة ألواح القوة وتفكك الاحلاف نذير رعب كبير ربما يدق الابواب، او ربما يتم التهديد به لتدخل او تدمج ثورات التغيير في «لعبة الامم». للسيطرة على موجات التغيير او لتفادي تأثيرها / او للسيطرة على ماقد تفاجئ به اعادة تأسيس الدول / الوطنية / هذه المرة ليس على التسلط، ولكن على الديموقراطية والحداثة.
لا يمكن التنبؤ بالمدى الذي ستحدثه الازاحات. هل يمكن تخيل حلف بين القاهرة والرياض محوره التحرر من التدخل الاميركي؟
غالبا اميركا لن تضيع مساحتها في القاهرة. ستحاول بالبحث عن وسيط / سيكون السعودية بالتأكيد او بالضغط في متابعة الانتهاكات المحتملة او بالبحث عن اخوان جدد او بأكثر من ذلك.
لكن كيف سيؤثر تغيير موقع مصر في الخطة الجاهزة او المرتبكة تجاه سوريا؟

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى