الدروع البشرية من سريلانكا إلى فلسطين

 

من منّا لا يتذكر صورة المزارعة الفلسطينية وهي تحتضن شجرة زيتون بيديها العاريتين في حقلها لمنع قطعان الكيان الاستعماري-الاستيطاني الصهيوني من قطعها؟ أو صورة الفتى الفلسطيني الذي أجلسه جنود العدو الصهيوني على مقدمة سيارة جيب عسكري واستعملوه درعاً بشرية للتقدم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967؟ الأمثلة كثيرة، والكاتبان في «الدروع البشرية: تاريخ [حشر] المدنيين في خطوط النار الأولى» (منشورات جامعة كاليفورنيا ــ 2020)، يفتتحان مؤلفهما بطرح قضية قتل جنود العدو الصهيوني للناشطة الأميركية-الإشكنازية راشيل كوري. ذلك أن المسألة اتخذت بعداً في محاكم الكيان الصهيوني. يستعمل الكاتبان هذه الحادثة لتحليل مسألة الدروع البشرية فلسفياً وسياسياً وقانونياً.

يقول الكاتبان: «سافرت راشيل كوري البالغة 23 عاماً إلى الشرق الأوسط، عازمة على بدء مشروع توأمة مسقط رأسها أوليمبيا في واشنطن ومدينة رفح الفلسطينية في قطاع غزة» المحاصر مصرياً وصهيونياً. كان ذلك في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الثانية ولمنع العدو الصهيوني من عمليات الهدم الهائلة للمنازل على الحدود المصرية. بعد أقل من شهرين من وصولها، في 16 آذار (مارس) 2003، سحقت جسدها الشاب جرافة «إسرائيلية» كتربلر عسكرية أميركية الصنع، استخدمته المغدورة لمنع تدمير منزل الصيدلي الفلسطيني سمير نصرالله. خلال المحاكمة اللاحقة، دافعت المتحدثة باسم جيش العدو الصهيوني عن سائق الجرافة واتهمت حركة المغدورة بارتكاب أنشطة «غير قانونية وعنيفة» من خلال «العمل دروعاً بشرية للمطلوبين أو لمنازل الفلسطينيين». كان استخدام كوري لجسدها درعاً لمحاولة ردع الجرافات عن هدم المنازل «دليلاً» على أنها شاركت في عمل قتالي. وبالتالي، فإن الشخص الذي قتلها لم ينتهك أي قانون. تطرح وفاة راشيل كوري المروعة وتبرئة الجندي الذي قتلها عمداً، عدداً من الأسئلة حول الحماية البشرية. لماذا تم اعتبار قتل درع بشري طوعي، شخصاً أعزل يستخدم أشكال حماية غير عنيفة، قانونياً؟ ولماذا يعتبر بعضهم الدروع البشرية التطوعية مجرمين وبعضهم الآخر أبطالاً؟ وماذا يمكن أن يعلّمنا تاريخ أناس على خط النار الأول، عن قوانين الحرب والقوى السياسية والاجتماعية المتغيرة التي شكّلت النظام العالمي؟

يرى الكاتبان أن الحماية البشرية هي في الأساس سياسة ضعف، حيث يتم تسليح الضعف البشري، ثم استخدامه لتحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والعسكرية والقانونية. مع ذلك، فإن الردع لا ينجح إلا عندما يقدّر الطرف المهاجم إنسانية الدرع ويشعر بأنه مضطر أخلاقياً لوقف الهجوم حتى لا يؤذي الشخص الذي يعمل درعاً (طبعاً، هذا لا ينطبق على قطعان جيوش العدو الصهيوني – ز م). لذلك، فإن الدروع البشرية هي أيضاً قصة أولئك الذين تم تضمينهم في المجال البشري، وكذلك الذين تم استبعادهم منه، ما يكشف أن الإنسانية مفهوم متغير سياسياً وليس عالمياً ومحايداً.

يتنقل الكتاب من المدنيين السوريين الذين حبستهم الميليشيات المسلحة في أقفاص حديدية، ووضعتهم على أسطح مبانيها العسكرية في منطقة دوما إبان سيطرتها عليها، إلى قدامى المحاربين الذين ينضمون إلى حماة المياه الأصليين المسالمين في محمية Standing Rock Sioux؛ ومن سريلانكا إلى العراق، ومن اليمن إلى الولايات المتحدة. تضاعفت الاتهامات باستخدام الدروع البشرية وسيلة للحماية أو الإكراه أو الردع على مستوى العالم خلال العقد الماضي. وظهرت الدروع البشرية أيضاً بتواتر متزايد في السياقات غير القتالية مثل النضالات ضد الأسلحة النووية والاحتجاجات المدنية والبيئية، وأخيراً في ألعاب الكمبيوتر.

مع ذلك، يقول الكاتبان نيف غُردُن وهو بروفسور محاضر في حقوق الإنسان وسياسات القانون الإنساني في «جامعة كوين ماري» في لندن ونيكولا بيروجيني وهو أستاذ محاضر في مادة العلاقات الدولية في «جامعة إدنبره»، إن هذه الظاهرة ليست جديدة بأي حال من الأحوال. فالكتاب يمنح مسألة الدروع البشرية جذور المصطلح ويعيد سرد تمظهرها في اللحظات التاريخية والمواقع المعاصرة الرئيسة. فممارسة الدروع البشرية تتوافق مع تاريخ الفهم المتغير لما يمكن اعتباره «إنسانياً»، مثل الحرب الأهلية الأميركية أو الحرب الفرنسية الألمانية، حيث تم استخدام النخبة فقط دروعاً. لكن في وقت لاحق، وُضعت مئات الآلاف من النساء والأطفال والسكان الأصليين الملوّنين في خط تبادل إطلاق النار. يوضح الكتاب كيف أدى تسليح الضعف البشري المتزايد، إلى جعل وضع المدنيين المحاصرين في مسارح العنف أكثر خطورة وجعل حياتهم أكثر قابلية للإطفاء.

ننهي عرضنا هذا بذكر عناوين فصول المؤلف: الحرب الأهلية: الحرب الإنسانية في الولايات المتحدة. غير النظاميين: الحرب الفرنسية الألمانية والاستخدام القانوني للبشر دروعاً. المستوطنون: حرب البوير الثانية وحدود الليبرالية الإنسانية. التقارير: الحرب العالمية الأولى والاستخدام الألماني للدروع البشرية. جيش السلام: السلم الدولي والدرع الطوعي في أثناء الحرب الصينية اليابانية. الشعار: الحرب الإيطالية الإثيوبية وتسهيلات الصليب الأحمر الطبية. نورمبرغ: الحماية البشرية النازية وغياب حماية المدنيين. القوننة: اتفاقيات جنيف والمدنيين السلبيين. حرب الشعب: تصوير المقاومة الفيتنامية على أنها درع بشري. البيئة: الدرع البشري الأخضر. المقاومة: النشاط المناهض للعسكرية في العراق وفلسطين. الجرائم الإنسانية: المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا. الدليل: الكتيبات العسكرية أدوات لسن القوانين. مقياس: الحماية البشرية في سريلانكا ومبدأ التناسب. المستشفيات: استخدام المرافق الطبية دروعاً. القرب: مدنيون محاصرون في خضم الحرب على داعش. 17: حرب المعلومات: حروب غزة ووسائل التواصل الاجتماعي. حماية ما بعد البشر: حرب الطائرات المسيّرة وتقنيات المراقبة الجديدة. النساء والأطفال: الجنس والسلبية والدروع البشرية. مشهد: صور افتراضية تؤنسن الدروع أو تجردها من إنسانيتها. ألعاب الكمبيوتر: الدروع البشرية في حروب الفضاء الافتراضي. الاحتجاج: العصيان المدني عمل من أعمال الحرب.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى