كلمة في الزحام

الزميل زيلينسكي

الزميل زيلينسكي..عزيزي فلوديمير.. اعذرني.. إني أكتب إليك الآن باسمك الصغير، لا لأنك رئيس دولة تغرق  بل لأنك زميل  في “محنة المسرح”.

قمت يا زيلنسكي  الوسيم المخدوع بدور “خادم الشعب” في مسلسل كوميدي عام 2015 ثم ما لبث الحلم أن أصبح واقعا في حزب حمل نفس الاسم.. ووصلت إلى منصّة الحكم، تماما  مثل “أبو عزّة المغفّل” في مسرحية سعد الله ونوس ” الملك هو الملك” المستوحاة من ألف ليلة وليلة.

ولأن عمر المسرح قصير كحلم ليلة صيف، صحوت يا زميل على أضواء منطفئة، ستائر مسدلة، وجمهور من مقاعد فارغة وكواليس موحشة لا ملقّنين فيها ولا مزينين ولا من يحزنون.

حاصر حصارك لا مفرّ يا فلوديمير.  لا مجال اليوم في أن تكون “خادم سيدين” كما في مسرحية الإيطالي  كارلو أوزفالدو جولدوني، ولا منظّرا ل “الحكمة الأبدية” التي كتبها مواطنك فولوديمير إيفانوفيتش ريزانوف (1867–1936)، ولكن هناك من مشى على خطى الروسي مكسيم غوركي الذي ساعد نظيره الأوكراني كوتسيوبنسكي، في نشر أعماله المترجمة إلى الروسية:

إنها ” لبوة الفن الرابع”، الروسية إلينا كوفالسكايا، مديرة مسرح مايرخولد، الذي حمل اسم أحد أشهر ضحايا ستالين، في العاصمة موسكو، حين أعلنت تنحيها عن منصبها احتجاجا على الغزو الروسي لأوكرانيا.

يكاد كل مسرحيي العالم يا زميلنا زيلينسكي ذا الحظ العاثر، أن يكونوا معك عبر إطلالاتك الارتجالية على الشاشات في سماء كييف المعفرة برصاص القياصرة، ما عدا المنتفعين من مدمني التصفيق لغير المبدعين، لكن خروجك عن نص “خادم الشعب” هو الذي أوقعك في الجب.

ما الذي جعلك تضل وتضلل جمهورا من المسرح كان يمشي خلفك ثم تحيد به نحو شعاب السياسة ودهاليزها؟

هل تراك خنت تعاليم ديونوسوس الإغريقي التائقة للبهجة والحرية والإخصاب، وعرّجت بها نحو المطامع الفردية أم أن شخصية “يسوع المخلّص” قد لبستك وتقمصتك كما في رواية اليوناني نيكوس كازنتاكيس، “المسيح يُصلب من جديد”، والتي تتحدث عن قروي لعب دور المسيح في احتفال شعبي ثم ما لبثت أن  سكنته تلك الشخصية ولم تفارقه أبدا، حتى استحالت عليه مفارقتها، وحلت المأساة.

عزيزي فولوديمير، هل بتّ تحارب طواحين الهواء بسيوف من خشب وخوذات من قصدير على صهوات البغال المتعبة أم أن المسرح قد فعل فعله فيك وبلغت من الجنون عتيّا؟.

انظر إلى خصمك وقد تمثل فن المسرح إلى أن صدقه الناس فأمسى قيصرا في عيون جمهوره وفي مرايا “الأرميتاج” المحدودبة والمقعّرة.. وانظر إلى نفسك مختبئا في أقبية كييف الموحشة مثل سياسي وقد استبد به المسرح.

عزيزي زيلينسكي، اقرأ ما أوصى كازانتازاكي بكتابته على قبره “لا أطمع في شيء لا أخاف  من شيء.. أنا حر”.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى