الشرق الأوسط على فوهة بركان (عامر راشد)

عامر راشد

 

تزدحم منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام بالمناورات العسكرية على اختلاف أنواعها، ومؤشرات التصعيد في أكثر من اتجاه وعلى مستويات متعددة من حيث رقعتها وشدتها، واختبارات القوة والردع تحسباً لمغامرات عسكرية محتملة، على نطاق محدود في الجبهات التقليدية لإسرائيل مع لبنان أو قطاع غزة، أو مغامرات أوسع نطاقاً تشمل سوريا وإيران والأردن وتركيا والولايات المتحدة والعديد من الدول الأخرى، قد يفجرها أو يشارك فيها أكثر من طرف.

في الحادي والعشرين من الشهر الجاري أعلنت الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل عن بدء مناورات عسكرية للدفاع الجوي، هي الأكبر في تاريخ المناورات المشتركة بينهما، ورغم حرص الناطقين الرسميين العسكريين الأميركيين والإسرائيليين على نفي أن المناورات تنقل رسائل إلى جهات إقليمية، إلا أن من السذاجة عزل المناورات عن التطورات الإقليمية المرتبطة بالملف النووي الإيراني والأزمة السورية، والتوتر المتصاعد على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة ولبنان.
وتزامناً مع المناورات الأميركية- الإسرائيلية أعلنت إيران عن بدء "مناورات بیت المقدس الدفاعیة الأمنیة" في محافظة كرمانشاه غربي البلاد، ووفقاً لما صرح به العقید مرتضی مرادي "ترمي هذه الفعالية التی تستمر یومین إلی عرض قدرات القوات المسلحة الإيرانية والنهوض بمستوی استعدادها، ورفع مستوى التنسیق لتنفیذ المهام التي تناط بالقوات المسلحة الإيرانية في المستقبل". كما أعلن رئيس الدفاع المدني الإيراني اللواء غلام رضا جلالي، القيام بمناورات كبيرة في كل محافظات البلاد، من 26 تشرين الأول/أكتوبر الجاري إلى الأول من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، لـ"التأكد من الجهوزية لمواجهة أي أخطار"، وتعزيز قدرات "الدفاع المدني في إيران لـ"مواجهة أي هجمات إلكترونية وحماية منظومة الاتصالات خلال الأزمات والكوارث والحروب وضمان استمرار عملها". وكانت إيران قد أجرت خلال الشهور الماضية العديد من المناورات شاركت فيها مختلف صنوف الوحدات العسكرية الإيرانية، واختبرت فيها أسلحة حديثة ومتطورة من صنع محلي.
وبمناسبة الذكرى التاسعة والثلاثين لحرب السادس من أكتوبر 1973، أجرت وحدات من الجيش الثالث المصري تدريبات على عبور قناة السويس. وأجرى سلاح الجو المصري تمرينا تحت اسم "المجد 2012" في وادي النطرون، شاركت فيه نحو 200 قطعة جوية من مختلف الطائرات والمقاتلات الجوية بالذخيرة الحية. فضلاً عن مناورة "انتصار البحر 45" التي قام سلاح البحرية المصري بحضور الرئيس المصري محمد مرسي. ونُقل عن وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي قوله بمناسبة المناورات: "الجيش المصري يجري تدريبات بالذخيرة الحية من أجل الحفاظ على أقصى درجات الجاهزية القتالية.. فالحرب قد تندلع في أي لحظة".
وخلال الفترة الممتدة بين التاسع إلى الخامس عشر من الشهر الحالي نفذت القوات البحرية المصرية مناورة مشتركة في شرق المتوسط مع نظيرتها التركية، من بين مناورات سنوية بين الجانبين أطلق عليها "بحر الصداقة".
وكشفت صحيفة "تايمز" البريطانية في 12 تشرين الأول/أكتوبر أن الولايات المتحدة أرسلت قوات خاصة تمركزت في الجانب التركي قرب الحدود التركية مع سوريا، ناقلة عن مصادر أمنية قولها: "إن قوات أميركية وفرنسية خاصة موجودة منذ أسابيع في قاعدة "انجرليك" التركية، وقد أصبحت هذه القاعدة الأطلسية منذ أوائل الصيف مركز العمليات للدول الغربية والدول الإقليمية الحليفة، لدعم مجموعات المعارضة المسلحة في سوريا".
ويُذكر في السياق ذاته، أن الأزمة التي تعيشها سوريا لم تمنع الجيش السوري من إجراء مناورات عسكرية بحرية وجوية وبرية بالذخيرة الحية، في العاشر من تموز/يوليو الماضي، جربت فيها أسلحة إستراتيجية حديثة. كما حضر "حزب الله" على طريقته في مشهد المناورات الإقليمية، بإرسال طائرة دون طيار من طراز "أيوب"، اخترقت المجال الجوي الإسرائيلي مدة 35 دقيقة قبل أن تكتشفها الدفاعات الإسرائيلية وتسقطها.
ومنذ أسابيع تتوالى الأخبار عن تعاون عسكري أردني – أميركي وبريطاني وكندي بدعوى مواجهة أي تداعيات محتملة للأزمة السورية، وتحديداً فيما يتعلق بالإدعاءات الغربية حول ملف الأسلحة الكيماوية السورية، واحتمالات اللجوء إلى استخدامها، أو نقلها لطرف ثالث. وكان وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا أكد مطلع الشهر الجاري، إرسال بلاده مجموعة من القوات الخاصة الأميركية إلى الحدود السورية الأردنية، بطلب من الحكومة الأردنية، بهدف ما وصفه "دعم القدرات العسكرية الأردنية، لتكون المملكة قادرة على التحرك إزاء تصعيد العنف المحتمل على الحدود مع سوريا". واتخذت بريطانيا خطوة مماثلة للخطوة الأميركية بإرسال قوات خاصة إلى الأردن، برَّرها الناطق الإعلامي باسم السفارة البريطانية في عمان بالقول: "نحن نعمل مع شركاء دوليين، ومع الدول الحدودية مع سوريا، لتحسين مراقبة الحدود، للتقليل من مخاطر انتقال الأسلحة إلى طرف ثالث". وتستعد كندا لإرسال خبراء عسكريين في الحرب الكيماوية والبيولوجية إلى الأردن، وأعلن عن ذلك في شكل غير مباشر وزير الخارجية الكندي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية أيلول/سبتمبر الماضي، حيث أكد أن بلاده "على أهبة الاستعداد لمساعدة الدول المجاورة لسوريا، في أخذ تدابير للحد من تهديد انتشار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية".
كل ذلك في ظل المواجهة الإعلامية المفتوحة، والتي تقرع فيها طبول الحرب كاحتمال وارد، بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، والدعوات لتدخل عسكري خارجي في سوريا في القنوات الخلفية الغربية والإقليمية، والتهديدات الإسرائيلية ضد لبنان، وتواصل المواجهات المتقطعة بين الجيش الإسرائيلي والأجنحة العسكرية المسلحة للقوى والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، وسط تحذيرات من عملية عسكرية إسرائيلية واسعة ضد القطاع وضعت على طاولة بحث حكومة نتنياهو، التي لا يستبعد أن تكرر ما بات بمثابة تقليد لكل الحكومات الإسرائيلية على مشارف الانتخابات التشريعية، يقضي بشن عمليات عسكرية واسعة ضد الجوار، لرفع شعبيتها وصرف أنظار الناخبين عن إخفاقاتها في الملفات الاقتصادية والاجتماعية.
ووسع وزير الثقافة والإعلام السوداني أحمد بلال عثمان دائرة التوتر الإقليمي، بتوجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل بأنها قامت بقصف مجمع الصناعات العسكرية في منطقة اليرموك جنوب الخرطوم ليل الثلاثاء الماضي، متوعداً بالرد "في المكان والوقت" اللذين تختارهما القيادة السودانية.
على أي جبهة ستندلع المواجهة ومتى؟ وما هي التحولات الإقليمية والدولية التي ستلحق بها؟ أم ستتمكن الأطراف الإقليمية والدولية من ضبط إيقاع التوترات كي لا تنفجر؟ أسئلة شتاء منطقة الشرق الأوسط 2012 على فوهة بركان.

موقع أنباء موسكو الإلكتروني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى