تحليلات سياسيةسلايد

العدوان على غزة.. لماذا يسعى العدو لوقف سريع لإطلاق النار؟!

يتأثّر موقف الاحتلال الإسرائيلي بعدد من المحدّدات الداخلية والخارجية والبيئة العامة والمعطيات التي يبني عليها قراراته وتوجهاته، وأهمها أن لديه حكومة انتقالية تستعدّ لانتخابات خامسة في غضون أقل من 5 أعوام.

اقترف العدو جريمة اغتيال جديدة لأحد قادة المقاومة في قطاع غزة، الشهيد المجاهد تيسير الجعبري، قائد المنطقة الشمالية في قطاع غزة، في سرايا القدس، الذراع العسكرية لحركة الجهاد  الإسلامي في فلسطين، الأمر الذي دفع سرايا القدس والمقاومة الفلسطينية إلى الرد على الجريمة بقصف المدن الفلسطينية المحتلة بالصورايخ وقذائف الهاون.

سبق جريمةَ الاغتيال ادعاءُ العدو أن حركة الجهاد الإسلامي تتّجه إلى تنفيذ عملية عسكرية ضد أحد أهدافه عند تخوم غزة. وأبلغ العدو الوسيطَ المصري أن لديه معلومات عن نيات الجهاد استهدافَ قواته العسكرية في غلاف غزة، إمّا باستخدام صواريخ الكورنيت المضادة للدروع، وإمّا بسلاح القنص، وذلك انتقاماً لقيام قواته باختطاف الشيخ بسام السعدي، القيادي البارز في الحركة، وسحله، في أثناء اقتحام مخيم جنين.

استنفرت قوات العدو قواتها في غلاف غزة، وفرضت ما يشبه منع التجوال للمستوطنين في عمق 10 كيلومترات عن قطاع غزة، تجنباً لاستهداف متوقع من الجهاد. وتحرّكت الوساطة المصرية، وقدمت قيادة الجهاد مطالبها، وهي الإفراج عن الأسير السعدي والأسير خليل عواودة، المضرب عن الطعام في سجون العدو. وبعد 3 أيام، يبدو أن العدو كان يرصد هدفاً نوعياً، وقام باستهداف الشهيد الجعبري، وعدد آخر من القيادات الميدانية لسرايا القدس، خلال غارات أدت إلى استشهاد نساء وطفلة ومسنّين. وردت سرايا القدس والمقاومة الفلسطينية بقصف “تل أبيب” المحتلة والمستوطنات المحاذية لقطاع غزة.

يتأثر موقف العدو بعدد من المحدِّدات الداخلية والخارجية والبيئة العامة والمعطيات التي يبني عليها قراراته وتوجهاته، فالعدو لديه حكومة انتقالية تستعدّ لانتخابات خامسة في غضون أقل من 5 أعوام، يترأّسها يائير لابيد، الخالي سجلّه من الخبرة العسكرية، ويتنافس مع شريكه في الحكومة بيني غانتس، وزير حرب العدو، على زعامة تيار يسار الوسط، وبالتالي التنافس على مقعد رئيس حكومة العدو القادم.

في المقابل، تتصيّد المعارضة، وعلى رأسها بيبي نتنياهو وبن غفير، وتُزايد على مواقف حكومة لابيد تجاه المقاومة في غزة، ولاسيما بعد نجاحها في فرض منع تجول على مستوطنات غلاف غزة، لمدة 3 أيام من دون إطلاق رصاصة واحدة، الأمر الذي أكد أن المقاومة هي التي تردع العدو وليس العكس. وعلى الرغم من أن حكومة العدو لم ترغب في تسخين جبهة غزة في ظل توتر الجبهة الشمالية مع حزب الله اللبناني، على خلفية تهديدات الحزب للعدو إذا ما أقدم على الاعتداء على الحدود البحرية اللبنانية، بالإضافة إلى انشغال العدوّ بالملف النووي الإيراني، ورغبة الإدارة الأميركية في خفض التصعيد في المنطقة، من أجل التفرغ للأزمة العالمية والحرب في أوكرانيا وتطورات الموقف مع الصين على خلفية أزمة تايوان، فإن جبهة غزة عادة ما تفرض نفسها على ساحة العدو، والذي يصنّفها بأنها إحدى الجبهات الأقل استقراراً، مقارنة بسائر الجبهات.

يسعى العدو لإنهاء الجولة الحالية بأقل الخسائر، وبحد أدنى من الوقت، وبمستوى منخفص من النيران، ويدفع، من خلال الوسيط المصري، للضغط على المقاومة في غزة، وتحديداً حركة الجهاد  الإسلامي، لقبول وقف إطلاق النار، لأنه لا يريد إطالة أمد المعركة، وذلك نتيجة عدد من الأسباب، أهمها، البيئة الداخلية غير المستقرة على المستويَين العمودي والأفقي داخل الكيان. فالجبهة الداخلية للعدو لا تحتمل حرباً طويلة، ولا تتقبّل الخسائر والتضحيات. فمجتمع العدو يبحث عن انتصار حاسم على المقاومة في غزة من دون فقدان جنود أو مستوطنين، بينما يدرك المستويان السياسي والعسكري للعدو، أن زمن الانتصار، عوضاً من حسم المعارك، مُحِيَ من قاموس الحروب الصهيونية مع المقاومتين الفلسطينية واللبنانية منذ حرب عام 2006 على لبنان، مروراً بمعارك الفرقان عام 2008، وحجارة السجيل عام 2012، والعصف المأكول عام 2014، وسيف القدس عام 2021، ووحدة الساحات عام 2022، والمندلعة الآن، الأمر الذي سيدفع لابيد ـ غانتس إلى استنفاد كل الوسائل من أجل تقصير أمد المواجهة الحالية.

كما أن المستوى القيادي للعدو، داخل الحكومة وخارجها، بات لا يتمتع بوحدة الموقف تجاه الأزمات الخارجية، ولم يقتصر خلافه على السياسة الداخلية فحسب، بل إن المزايدات الحزبية والشخصية لم تتوقف أيضاً على الرغم من وجود تهديدات خارجية، وهو ما لم يكن سائداً في مرات سابقة، إذ يتوحّد الموقف الداخلي حين التعرض لمهدّد خارجي.

يخشى العدو أن طُول المعركة سيرتدّ عليه، الأمر الذي سيضاعف فشله في استراتيجية الردع تجاه المقاومة، فهو يريد أن يحافظ على ما يعدّه صورة نصر باغتياله الجعبري، بينما، مع استمرار سقوط الصواريخ داخل مدن فلسطين المحتلة، وخصوصاً مدن الوسط والمركز، وهي ما يُعرَف بمنطقة غوش دان وضواحيها، والتي تضم منطقة “تل أبيب” الكبرى المحتلة، فإن إنجاز الاغتيال سيتلاشى، وما بدا صورة نصر سينقلب إلى فشل ذريع وفقدان الردع.

لجأ العدو إلى توجيه ضربته العسكرية الأولى المباغتة، عبر اغتيال الجعبري، لأنه لم يحتمل أن يبقى تحت تهديد الاستهداف، وبقاء مستوطنات الغلاف تحت حظر التجوال، الأمر الذي يدفعه إلى إنهاء المواجهة الحالية، حتى لا يدخل في معركة استنزاف طويلة مع المقاومة الفلسطينية في غزة. فأكثر ما يخشاه العدو أن تتحول المواجهة مع المقاومة إلى معركة استنزاف لن يقوى على تحمُّل تبعاتها.

يدرك العدو أن المقاومة تتّبع استراتيجية الاقتصاد في القوة في المواجهة الحالية، استعداداً لطُول أمدها، الأمر الذي تركه في حالة تردد. فبينما يسعى لتقصير مدة المواجهة، يخشى أن يقع في مصيدة الاستنزاف. وإذا ما سعى لضربات عسكرية كبيرة ورفع كثافة النيران، فإنه يخشى أن يؤدي ارتفاع عدد الشهداء والخسائر إلى مستوى نيران أكبر من المقاومة، وقد يجد العدو نفسه في أتون معركة طويلة وعنيفة لم يستعدّ لها.

إن إطالة أمد المواجهة العسكرية وعدوان الاحتلال على غزة، ستفتح أمام العدو عدداً من المهدّدات، الداخلية والخارجية. فعلى الصعيد الخارجي، يخشى أن تتطور المعركة، وترفع المقاومة مستوى النار، الأمر الذي قد يؤدي إلى حرب متعددة الجبهات، تشارك فيها كل مكونات محور المقاومة. ويخشى أن تتحرك ساحات فلسطين المحتلة كافةً، كما حدث في إبّان معركة “سيف القدس” في أيار/مايو 2021، ولاسيما فلسطينيو الداخل المحتل. وبعد أن كان العدو يهدف إلى إنجاز موضوعي، ويُزيل تهديداً محدَّداً، ينجرّ إلى حرب إقليمية طويلة وشاملة، في وقت يعاني مجتمعه انقسامات غير مسبوقة، وتشكو قيادةُ جيشه ضعفَ الإرادة القتالية لجنودها.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى