الفوهرر: عن رسائل هتلر وشخصيته

 

تقول فاطمة نعيمي، مترجمة ومحرّرة كتاب “الفوهرر: رسائل هتلر ومسودّاته”، الصادر أخيراً (2019) عن دار الرافدين للنشر والتوزيع، إنه لأمر مثير وممتع في الوقت ذاته البحث عن تفاصيل تتعلق بشخصية مثيرة للجدل كأدولف هتلر، ذلك أن غالب الكتب والمقالات التي تطرقت لهذه الشخصية كانت مقتصرة على تحليل خطبه السياسية والاكتفاء بالتكهنات التي يمكن استنتاجها من أقواله وردود فعله العامة في المواقف والمناسبات المختلفة؛ بينما يتطرق هذا الكتاب لنواحٍ أخرى من شخصية الزعيم النازي، وذلك من خلال ملاحظاته ومراسلاته الخاصة والرسمية في مواقع وأزمنة مختلفة، ومع شخصيات عديدة ربطته معها علاقات صداقة، عمل أو مصالح خاصة.

وفي تلك المراسلات تنكشف جوانب أخرى من شخصية الفوهرر النازي، الذي قام، بذريعة تفوّق العرق الآري الجرماني، بالكثير من التصفيات العرقية والتمييز ضد غير الألمان. كما ستتبيّن أن العديد من الحقائق التي أوردها هتلر في كتابه «كفاحي»، والذي كتبه في السجن بعد فشل انقلابه، لم تكن أكثر من دعايات تخدم مصالحه الشخصية التي لا تخرج عن نطاق حلمه بإخضاع العالم بالقوة العسكرية، والبطش، وجنون العظمة، وتحقيق أحلامه الخاصة مهما كان الثمن الضروري لتحقيقها.

حياة هتلر في وثيقة للـCIA

في الجزء الأول من الكتاب، تقول المترجمة إنها آثرت البدء بمعلومات مستخلصة من وثيقة صادرة من قِبل مكتب الخدمات الاستراتيجية في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سنة 1943؛ وهي تتناول مراسلات تشير إلى معلومات دقيقة عن شخصية هتلر وتعاملاته من خلال أحد المقرّبين منه، وهو الدكتور إرنست سيدفيك. وفي هذا الجزء معلومات عن أسرة هتلر، وطفولته، وصباه، وسماته الشخصية، بالإضافة إلى سلوكه، وآرائه، وردود فعله.

ومن أهم المعطيات أو المعلومات التي أوردتها مترجمة الكتاب نقتبس ما يأتي:

– احتقر هتلر التعليم، ونال هو نفسه القليل منه. كان يكره الشخصية المتأستذة، واعترض في عام 1932 على اقتراح من الحكومة بأن يُمنح شهادة من أجل أن يصبح مواطناً ألمانياً.

– كان هتلر يكتب عدداً قليلاً جداً من الرسائل بنفسه ولا يستخدم آلة كاتبة. وبالقراءة في كتاب «كفاحي» نجد أن هتلر كان يقرأ فقط ما يؤكد أفكاره، ولا يقرأ إلا ما له قيمة بالنسبة له؛ وكما قيل: يستمع الناس لأنفسهم حتى عندما يبدون أنهم يستمعون لمن يتحدث إليهم؛ ومن ثمّ فإن الغالبية يقرأون أنفسهم فقط في الكتب.

– كان هتلر خلال نقاشاته يحرص على الوضوح، ويطرح قضيته بقوّة وإيجاز، ويشكّل إيقاعات عباراته بشكل لا يقاوم.

– كان هتلر دقيقاً جداً حول مظهره الشخصي، ولا يخلع معطفه في العلن مهما كان الجو دافئاً. ولم يستخدم العطور أبداً؛ وكان صارماً حول نظافته الشخصية، كما كان قويّ البنية ولديه قدرة كبيرة على التحمّل، لكنه لم يهتم بأي أنشطة رياضية، سواء داخلية أو خارجية.

– شخصية هتلر خليط بين الثعلب والذئب؛ يمكنه أن يلعب دور الثعلب لفترة طويلة بل أحياناً يكون أقرب إلى الحمل؛ ولكن في كل الأحوال يكون الذئب جاهزاً للظهور. ومن المثير للاهتمام أنه في الأيام الأولى من عام 1920 حتى عام 1933 كان اسم هتلر السرّي في الرسائل الهاتفية وفي محادثات أصدقائه هو «وولف – أي الذئب».

– هتلر كان ممتنعاً، في غالب حياته تقريباً، عن اللحوم. وفي حالات نادرة أكل قطعاً صغيرة من الدجاج مع الأرز أو السملون المدخن كمقبلات.

– عندما كان جندياً، كان هتلر يدخّن بشراهة ويشرب الجعة. مع ذلك، وبحلول عام 1922، توقف عن التدخين، بدافع «زيادة قدرته وكفاءته كمتحدث»؛ ولم يكن يسمح بالتدخين أبداً خلال خطاباته.

– فيما يخص الحماية، قرّر هتلر أن أفضل طريقة هي أن تعيّن الشرطة فريقين: أحدهما لمراقبة موكبه، وآخر لمراقبة الحشود. كان نظام الحماية هذا هو نفسه الذي اقترحه الدكتور سيدفيك على هتلر، والذي استخدمته الشرطة السرية الأميركية لحماية الرئيس وودرو ويلسون.

وكان هتلر يقول إنه من غير الملائم عرض التدابير الاحترازية المتشددة لأن هذا يشير إلى انعدام الأمن ويوحي للشعب بنوع من الإذلال، الذي سيترك بدوره انطباعاً سيئاً.

– كان هتلر يحب ارتياد المسرحيات الهزلية والسيرك بشكل خاص؛ وكان الفنانون الذين يتقاضون أجوراً منخفضة، وهم يخاطرون بحياتهم، يمثّلون متعة حقيقية لهتلر.

– كان لدى هتلر شغف بمعرفة آخر الأخبار، لدرجة أنه إذا دخل شخص إلى الغرفة وبيده حفنة من الصحف يتوقف عن المحادث  ة مهما كانت مهمة وينتزع الأوراق لمعرفة آخر الأخبار.

– تقريباً كل ليلة كان هتلر يشاهد فيلماً في مسرحه الخاص؛ وغالباً ما تكون أفلاماً ممنوعة من العرض علناً في ألمانيا.

– كان هتلر يؤمن بأسلوب الكنيسة الكاثوليكية، التي وصفها بأنها كنيسة تعرف كيف تبني عالماً عقلياً من خلال التكرار الثابت والدوري لتحليل الأخطاء المذكورة في بعض مقاطع الكتاب المقدّس؛ وهذا يؤدّي إلى تركيزها في أدمغة المستمعين.

– طرأ تغيير غريب على هتلر بعد إطلاق سراحه من سجنه في لاندسبيرغ في عيد الميلاد عام 1924؛ فقد كان هناك زميل له في السجن أصبح حميماً جداً معه بحيث استحوذ على أفكاره طوال الوقت، واسمه رودولف هيس. وفي الواقع كان هيس هو الذي بدأ بتأسيس ثقافة تعادل ثقافة القائد المتفشية في إيطاليا؛ وظهر احتمال وجود علاقة جنسية شاذة بين هتلر وصديقه الحميم خلال فترة العزلة والحرمان الجنسي التي عانى منها هتلر خلال سجنه في لاندسبيرغ.

– بدأت إقامة هتلر في فيينا في عام 1909، وكانت هذه هي المرة الأولى في حياته التي تعرّف فيها على البغاء. وبالقراءة فيما بين سطور «كفاحي» يمكن الافتراض أن هتلر أصيب في تلك الفترة ببعض الأمراض التناسلية التي نقلتها إليه عاهرة يهودية.

ويعتقد الدكتور سيدفيك أن سكَن الشباب «ماينرهايم بريجيتناو» في فيينا كان يتمتع بسمعة سيئة كونه مكاناً يذهب إليه الرجال المسنّون بحثاً عن شبّان للحصول على المتعة المثلية؛ وعليه، من المحتمل أن هذا النوع من إشباع الغريزة أصبح مألوفاً لدى أدولف الشاب في ذلك الوقت.

– أعلن هتلر في وقت مبكر أنه عندما كان، في خريف 1918، في مستوصف بيسووك للعلاج من إصابة في عينيه، تلقّى أمراً من عالم علويّ لإنقاذ وطنه غير السعيد؛ وحينها قرّر أن يصبح سياسياً. وهو يشعر أن مهمته هي تحرير ألمانيا. وفي سبيل تحقيق هذه المهمة استخدم هتلر عدداً من التعريفات الذاتية، ومنها:

*قارع الطبل ويوحنّا المعمدان.

*المسيح.

*أوليفر كرومويل.

*فريدريش العظيم.

*نابليون.

– في الحقيقة، لم يكن هتلر في بداياته (1922 – 1923) يستشير أحداً عندما يعمل على خطابه. وكان الأمر يستغرق ما يقرب من أربع إلى ست ساعات لوضع خطته على حوالى عشرة إلى اثنتي عشرة ورقة من الحجم الكبير. وغالباً ما قال بعض الذين قرأوا خطابات هتلر: “لماذا هذه الأشياء القديمة؛ سمعنا ذلك من قبل؛ لكن عندما يسمعونه شخصياً تراهم يقولون: من اللافت للنظر أنه عندما يسمع المرء هتلر يشعر أنه يسمع هذه العبارات لأول مرة، مع يقينه أنه سمعها من قبل، لكنها تبدو وكأنها جديدة وتحمل معنى جديداً”.

خطابات ووصايا

 

في الجزء الثاني من الكتاب (خطابات ووصايا)، تناولت فصول عدة فيه جوانب غامضة وغريبة من شخصية هتلر، ومن أبرزها:

– عندما كان شاباً لم يكتب أبداً ما لم يكن لديه شيء «مهم» ليقوله. كما لم يكن يهتم بشأن مشاعر وأفعال من يراسلهم؛ فقد كان يكتب عن نفسه فقط، ويقوم بمراسلة من لا يشكّك بحكمته. [عرضت المترجمة لنماذج من مرسالات هتلر هذه].

– بالتصميم والبراعة ذاتهما التي قام بها هتلر بالتهرب من الخدمة العسكرية في النمسا من عام 1909 إلى عام 1913، سارع إلى «الألوان الألمانية» في 16 آب / أغسطس 1914 (بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى). وما يلفت في رسائل هتلر، الذي انخرط في الحرب «دفاعاً» عن ألمانيا، غضبه القهري والإثارة الهائلة؛ وهذا يعكس موقفاً عدوانياً للغاية، وانعداماً للشعور بالآخرين. لا بدّ أن وضع هتلر آنذاك كان يناسبه بشكل مثالي؛ ففي الحرب لديه الفرصة لإطلاق مشاعره المكبوتة، بل أكثر، في شكل يعتمده المجتمع.

– إن الرسائل التي كتبها هتلر خلال الحرب ذات أهمية تاريخية، لأنها كانت أقل تنميقاً من سيرته الذاتية. وعليه، فهي تلقي قدراً كبيراً من الضوء على شخصيته؛ مع الإشارة إلى أن هتلر أثبت خلال الحرب أنه الجندي الشجاع والحذر، وهو شارك في حوالى 50 مشاركة رئيسية وصغرى.

فلسفة هتلر السياسية

في الجزء الثالث من الكتاب (فلسفة هتلر السياسية من خلال رسائله)، فصول عدة كشفت فيها المترجمة عن «فلسفة» هتلر السياسية، وحقيقة مواقفه من الحرب ومن «صحوة ألمانيا» والتحولات السياسية والاقتصادية في العالم. ومن أهم ما تكشفه رسائل هتلر في تلك المرحلة:

– ظل هتلر معادياً للسامية طيلة الوقت، من خلال قناعة ذاتية وأفكار أوردها في رسالة رد كتبها إلى الضابط المسؤول عنه (الكابتن كارل ماير) في 16 سبتمبر 1919، حيث كان في صفوف الجيش الألماني المتمركز في ميونيخ. وف يا لرسالة يؤكد هتلر أن اليهود سلالة وليسوا جماعة دينية. وهم تمكنوا من الحفاظ على خصائصهم العرقية بنجاح أكبر بكثير من معظم الذين يعيشون بينهم.

ويضيف: «ونتيجة لذلك فإننا نضع في وسطنا جنساً غير ألماني، غريب وغير راغب – أو قادر – على التخلص من خصائصه العنصرية، مشاعره، أفكاره وطموحاته؛ ومع ذلك يتمتع بالحقوق السياسية ذاتها التي نتمتع بها».

ويتابع هتلر قائلاً: «إن السعي وراء المال والقوة لتأمين الحماية لأنفسهم هو ما يجعل اليهود عديمي الضمير حتى في اختيارهم للوسائل، بحيث لا يتحلّون بالرحمة عند استخدامها لتحقيق غاياتهم الخاصة».

– في كتابه «كفاحي» طوّر هتلر علامات جديدة من معاداة السامية، والتي أدّت به في نهاية المطاف إلى قتل الملايين من اليهود بالزيكلون ب، كما تقول المترجمة، وما كان حديثاً في «كفاحي» هو تعبيرات لوصف اليهود مثل «البكتيريا»، «ناقلي الجراثيم»، «مصّاصي الدماء».

– بقدر ما سبق له انتقاد اليهود لاستخدامهم الجوع كـ«حيلة سياسية» لتحقيق السيطرة العالمية، أصبح هتلر يرحّب بالجوع والبؤس كوسيلة لتحقيق غاياته الخاصة. وعلاوة على ذلك، لم يعد يخاف من الاكتظاظ السكاني بل يرحّب به كقوة دفع للتوسع الإقليمي.

– من بين الأفكار الجديدة التي تبنّاها هتلر خلال تعليمه الجامعي «على نفقة الدولة»، هو أن لا أحد من العامة يحق له أن يحكم عليه. وكما الكثير من الذين «غيّروا» العالم قبله وبعده، كان هتلر أيضاً، مقتنعاً بأنه اكتشف ما كان المؤرّخون والفلاسفة يسعون إليه منذ آلاف السنين «مسار التاريخ الأبدي». ومنذ بداياته، كان هتلر ينظر إلى نفسه على أنه عبقري سياسي، كشخص كان قد رفع حجاب التاريخ واكتشف الحقيقة النهائية؛ مسودّة «التاريخ الهائل للبشرية» الذي كتبه في بداية مسيرته السياسية هو ذو أهمية استثنائية [تعرض المترجمة النص كاملاً، إضافة إلى مسودّات برنامج صحوة ألمانيا].

– علم الرغم من أن هتلر كان قد انضمّ في البداية إلى الجوقة الوطنية، وصاغ شعارات مثل «فلنضع نهاية لإذلالنا ووصمة العبودية ونقوم بتغيير مشاعر العار التي يشعر بها كل فرد إلى الفخر بعد أن شارك في أعظم عصر للشعب الألماني، عصر صعود الرايخ الجرماني للأمة الألمانية»، إلا أنه غيّر هذا اللحن بعد إطلاق سراحه من سجن لاندسبيرغ؛ وهكذا لم تعد «الوصية السياسية» التي أملاها في عام 1925، عندما حضرته الحكومة البافارية من إلقاء الخطب العامة، تحتوي على مطالب غامضة مثل «إنشاء دولة اجتماعية»، أو «حلّ المسألة اليهودية»، أو «إلغاء معاهدة فرساي»، كعقبات أمام الحرية الاقتصادية والسياسية، بل كانت مليئة بالمطالب الإقليمية المحدّدة التي رأى الأصدقاء والأعداء على حد سواء أنها لم تعد واقعية.

يوميّات إيفا براون

في الجزء الرابع في الكتاب (يوميّات إيفا براون)، تعرض المترجمة لبعض ما أوردته عشيقة هتلر في دفتر يومياتها، والتي لم تكن تنوي أبداً أن تنقّحها، ناهيك عن نشرها (من 6 شباط / فبراير 1935 إلى 28 أيار / مايو 1935)، لإلقاء الضوء على المزيد من شخصية هتلر، وبشكل أفضل من معظم التفسيرات التي تناولتها كتب سيرته الذاتية. هذا مع العلم بأن إيفا، وقبل فترة وجيزة من انتحارها في برلين، كانت قد أرسلت إلى شقيقتيها تعليمات بشأن التخلص من هذه اليوميات؛ ومع ذلك قامتا بتسليمها إلى والدة ضابط في الحزب النازي للحفاظ عليها. ونظراً لعدم اهتمامه بها اكتشفها الأميركيون فيما بعد وأخذوها إلى الولايات المتحدة.

في الجزء الخامس (مراسلات هتلر – موسوليني بين شباط / فبراير – وأيار / مايو 1943)، والتي نُشرت في صحيفة The Advertiser الأسترالية في عام 1945؛ وهي تكشف جوانب من تفكير هذين الزعيمين إبان خوض بلديهما الحرب ضمن (دول المحور) ضد الحلفاء (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، الاتحاد السوفياتي، فرنسا، الصين…) حيث تبادل الزعيمان مشاعر الإحباط واليأس قبل انتهاء الحرب بهزيمة دول المحور.

وفي الجزء السادس والأخير من الكتاب نشرت مترجمة ومحرّرة الكتاب، فاطمة نعيمي، العديد من الصور والوثائق المهمة، والتي توثّق أبرز المحطات السياسية في حياة هتلر، والتي ارتبطت بشخصيته الغامضة والمثيرة بشكل غريب.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى