الكتاب المرتزقة

 

حين يدافع كاتب عن الطغاة و الطغيان ، فيُسمي الطاغية بطلاً وطنياً ، والطغيان نظاما ضروريا لتأمين الإستقرار والأمن ، وحين يكرس الكاتب مواهبه لتبرير التقصير والعجز مثلاً في الأداء الإداري لنظام حاكم واصفاً ذلك بأنه منتهي الحكمة في تجنب القرارات الحمقاء و الحرص على عدم الإستجابة لردود الفعل الإنفعالية والإنجراف نحو معركة لم يكن له رأي في إختيار زمانها ومكانها . حين نقرأ كتابات من هذا النوع فماذا نسميها ؟

هل نصنع مثل ذلك الكاتب فندين أصحابها جازمين بالتبعية و النفاق والعمالة و ما يرادفها من أوصاف، أم أن هناك كتاباً يقصدون فيما يكتبون الدفاع عن الإستبداد والتقصير والفساد عامة من خلال قناعات صادقة خاصة بهم ؟ أم أنهم جميعا وبلا إستثناء كتاب منافقون مصلحيون مرتزقة ؟

أقول هذا بسبب كثرة ما قرأت من كتابات سجالية بين أطراف متنازعة من الكتاب حول ما ينزل بالوطن العربي من أهوال وكان بينهم أسماء لكتاب لا شبهة تطال سمعتهم الفكرية أو الأخلاقية ، فكيف نميز إذن بين الكاتب النفعي المرتزق والكاتب المبدئي المخلص ؟

كلمة ” المرتزقة ” في الأصل مصطلح إخترعه الفرنسيون – على ما أذكر- حين شكلوا فرقة عسكرية من المحترفين الأجانب لاستخدامهم في بعض حروبهم فأطلقوا على هذا الفربق  إسم ” Merce maire الفرقة الأجنبية ” ثم أطلق على المقاتل المنخرط في صفوفها كلمة : ”

التي ترجمت إلى العربية بكلمة ” مرتزق ” وتجمع إلى ” مرتزقة ” كجمع تكسير وهم الجنود الذين يحاربون عادة لقاء أجر مادي مجزٍ بصرف النظر عن المعارك التي يخوضونها عادلة كانت أم غير عادلة .  وليس صعباُ في هذا المجال فرز المقاتلين إلى مرتزقة أو إلى مناضلين وطنين ، ولكن الصعوبة هي في مجال الكتابة إذ يبدو من الصعب التمييز بين الكتابة المبدئية و الكتابة المرتزقة وعندئذ لا بد من الإستعانة ببعض المعايير والإختبارات وصولا إلى فرز سليم.

ما هي هذه المعايير ؟

أولا : إفتراض حسن النية لدى الكاتب حتى يثبت عكس ذلك من خلال إخضاعه إلى الإختبار على جهاز إكتشاف الكذب المعمول به في معظم بلدان العالم المتقدم بعد التأكد من أنه كاتب غير مدعوم بمساندة تساعده على إجتياز الإختبار دونما قلق .

ثانيا : فحص حالة الكاتب المادية والتأكد من أن ودائعه المالية في المصارف المحلية والأجنبية ناتجة عن إرث عائلي أو جائزة كبرى في اليانصيب أو الإستثمارات القانونية رابحة بالحلال أو بإختصار أنها أموال نظيفة  لاتحتاج إلى غسيل.

ثالثا : إختبارقدرات الكاتب اللغوية والفكرية في إمتحان خاص بمستوى البكالوريا لدى بعضهم أو الشهادة الجامعية لدى بعضهم الآخر.

رابعا : مطالبته بتقديم وثائق قانونية تثبت صحة كلامه بالوقائع و الأرقام المختومة بأختام جمعية معترف بها عالميا من جمعيات حقوق الإنسان …

وغيرها من الإختبارات والمعايير، إلا أننا نكتفي بما ذكرنا آنفا فإذا لم يتح لنا تطبيقها على الكاتب المذكور فمن الممكن الإكتفاء بإجراء مختصر آخر وهو مطالبة الكاتب بأن يقسم أنه صادق على الكتاب المقدس الذي يؤمن به فإذا لم يكن مؤمنا بأي كتاب مقدس فليقسم بشرفه ، وإذا لم يكن له شرف يعتد به فلا حل للمشكلة إلا بالإمتناع عن قراءة الصحف و سماع نشرات الأخبار والبرامج المرئية والمسموعة لأمد يجب ألا يقل عن إسبوعين حتى يرتاح دماغنا من كوابيس الأكاذيب و لكي يسترد الواحد منا صفاء ذهنة كي يستطيع الحكم على الكتاب المرتزقة بأنهم مرتزقة بالفعل ، و إن لا فإن مصيرنا آيل إلى أن نرضى بالواقع المشوش قدرا لا مفر منه ، و ننتقل بالتالي درجة نحو الإقتناع به و الدفاع عنه كي نغدو بدورنا من المرتزقة من دون أن ندري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى