تحليلات سياسيةسلايد

الكيان والنظام العالميّ الجديد…

لا تُخفي دولة الاحتلال قلقها العارم توجسّها الشديد من مُشاركة المُشيّرات الإيرانيّة في الحرب على أوكرانيا إلى جانب روسيا، ويعتقِد صُنّاع القرار في تل أبيب أنّ الحلف القديم-الجديد بين موسكو وطهران، الآخذ بالتوسّع بوتيرةٍ عاليةٍ، ستكون لها تبعات إستراتيجيّة خطيرة على قواعد اللعبة بالشرق الأوسط لصالح الجمهوريّة الإسلاميّة.

المسؤول السابق في جهاز الأمن العام (الشاباك) ليئور أكرمان يرى أّنه “في خضم الأنباء والتحليلات، قلل الكيان من تقدير العلاقة بين ما يجري في الحرب الأوكرانيّة-الروسيّة ومصالح إسرائيل الأمنية، والشكل الذي تقف عليه الحرب عمليًا بمفاهيم عديدةٍ ووصولها لعتبة إسرائيل وارتباطها ارتباطًا وثيقًا بأمنها”.

وتابع: “الحلف الروسيّ-الإيرانيّ يُنحِّي العقوبات التي يُزعم أنّها ستُفرض على إيران عند خرق الاتفاق النوويّ، وعمليًا، لا يعود أهمية لتوقيعها أوْ عدم توقيعها على الاتفاق، ففي أيّ حالٍ، فتحت للإيرانيين إمكانية تسلح وتقدم تكنولوجي لتعاظم قوة نووية في القناة الروسية، مع وبدون اتفاق أوْ عقوبات من الغرب، ولهذا الموضوع معنى حرج مباشر على الأمن القوميّ الإسرائيليّ”.

ورأى أنّه “من ناحية الروس، تُشكّل الحرب في أوكرانيا خطوة استراتيجية غايتها ليس فقط انْ تضم اليها مناطق تعدها جزءًا من الأم روسيا، فثمة هدف مركزي آخر وهو إعادة تموضع روسيا كإمبراطورية واستعادة المجد الذي أضاعته مع سقوط الاتحاد السوفيتي، ولذا تنتج روسيا في أثناء القتال تحالفات استراتيجية مع إيران والصين وروسيا البيضاء ودول أخرى، بنية العودة لتشكل محور قوة عالمي جديد يقف في وجه الغرب من جهة، وفي وجه الشرق الأوسط من جهة أخرى”.

ولفت المسؤول الأمنيّ الإسرائيليّ إلى أنّه “في إطار ذلك، عزز الروس التعاون مع إيران، والتعاون بين الدولتين موجود منذ سنوات عديدة، لكنه مؤخرًا يتحقق مع ارتفاع درجة، وهو مهم وذو أثرين مباشرين على إسرائيل: الأول هو منظومة الصواريخ أرض أرض الإيرانية، مثلما هي أيضًا منظومة المسيرات الانتحارية. وهي التي يقوم الإيرانيون بتزويدها للروس بكميات كبيرة، تجتاز تطويرات تكنولوجية وتشارك في أعمال حربية عملياتية على أراضي أوكرانيا. عمليًا، يدور الحديث عن حجم كبير من الخبراء والعسكريين الإيرانيين الذين يتواجدون في روسيا والمناطق المحتلة في أوكرانيا، ويشغلون منظومات الصواريخ والطائرات الانتحارية”.

ومضى قائلاً: “فضلاً عن الضرر الهائل الذي لحق بالبنى التحتية المدنية الأوكرانية، تشكل هذه المعركة حقل تجارب واسعًا للإيرانيين، حقلاً يسمح لهم باختبار قدرات عملياتية للأسلحة التي بحوزتهم، ويجرون تطويرات لها في إطار القتال، وهذه الصواريخ والطائرات مخطط لها أنْ تُوجّه نحو إسرائيل في المستقبل، ونجاعة منظومات الدفاع القائمة في إسرائيل ضد هذه الأسلحة لم تختبر بعد في واقع حربي، وتعد هذه مسألة أمنية – استراتيجية، وعلى حُكّام إسرائيل أنْ يكرسوا لها كامل الاهتمام”.

أكرمان قال إنّ الأثر الثاني هو “الحلف الآخذ بالتعزز بين روسيا وإيران، بينما السيطرة الأمريكية في الشرق الأوسط تضعف حتى التآكل شبه التام على مدى السنين”، لافتًا إلى أنّ “روسيا تُسيطِر على طرق سوريّة وتسمح للإيرانيين، مع غضّ النظر، بتصعيد أعمالهم داخل سوريّة وبناء قواعد عمل وسلاح”.

وأشار في مقالٍ نشره بصحيفة (معاريف) العبريّة إلى أنّ “ثمن الصواريخ والأسلحة للروس ستجبيه طهران من موسكو من خلال سلسلة طويلة من الامتيازات، سواء من خلال الحصول على طائرات قتالية حديثة أم إعطاء تكنولوجيات ومواد لتحقيق استراتيجية النووي الإيرانية، وفي مثل هذا الوضع، ستتعزز إيران من ناحية عسكرية في ظلّ تفاهم التهديد الأمني المباشر على إسرائيل بفضل تسلحها بالتكنولوجيات والوسائل القتالية المتطورة وبطائرات حديثة أكثر”.

ورأى المسؤول الأمنيّ الإسرائيليّ أنّ “الجانب الإضافي لهذا الحلف هو التنحية شبه التامة للاتفاق النووي الذي تحاول الولايات المتحدة وأوروبا توقيعه مع الإيرانيين”.

وأوضح أنّ “التعاون مع الصين يعطي الروس التعزيز الاقتصادي الذي يحتاجونه حيال العقوبات التي يفرضها عليهم الغرب، ومنذ الآن نشر أنّ الانكماش الاقتصادي لروسيا الذي كان متوقعًا أنْ يكون نحو 10 في المائة، سيتقلص هذه السنة، حسب توقع الإيكونومست، بـ 6.2 في المائة، وفي السنة القادمة بـ 4.1 في المائة فقط”.

وتابع أنّه “بغياب استراتيجيةٍ إسرائيليةٍ واضحةٍ، وفي الوقت الذي لا تتخذ فيه إسرائيل أي سياسة أو استراتيجية وطنية في الموضوع، تواصل روسيا وإيران التقدم بوتيرة سريعة لتحقيق أهدافهما السياسية والأمنية”.

وأكّد أنّه “واضح أنّ على إسرائيل أنْ تبلور وتعرض استراتيجية واضحة وبعيدة المدى للتصدي للتهديد الإيراني، مع التشديد على تعزز الحلف مع الروس، وتعزيز وبناء قدرات الإحباط المباشرة للبرنامج النووي الإيراني، واستراتيجية العمل الإسرائيلية تجاه (حزب الله)، فمن هناك يحدق التهديد الأكثر مغزى للصواريخ نحو إسرائيل اليوم”.

وخلُص إلى القول إنّه “من المهم للقيادة في إسرائيل، كائنة من كانت، أنْ تفهم بأنّ لحرب روسيا في أوكرانيا يوم تالٍ ستصل فيه المعركة إلى عتبتنا”، على حدّ تعبيره.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى