نوافذ

الماضي… الذي يمضي

الماضي الذي يمضي… يقول ألبير كامو في “الموت السعيد”:

“ليس للشعوب السعيدة تاريخ”، و”ليس هناك وقت إلا لنكون سعداء” و “كان يود أن يلمس حياته كقطعة الحلوى”.

فعلاً التاريخ الوثائقي الموثق هو الشقاء، وليس ضرورياً أبداً المزيد من التباهي بوصف قطعة الحلوى (الحياة)…

لقد ترك التاريخ مقعد الكتابة لعدادي النكبات، تلك الأزهار والأشجار مصادر وحي لمدفعية الميدان. وحيث يتباهى الإنسان بالبشاعة، تلك الآتية من التفنن في قطع رؤوس الأطفال قبل أن تصبح رؤوس جنرالات.

كاد ألبير كامو صاحب الرواية الشهيرة “الغريب” أن يفسد علي متعة مؤلمة، وأنا أتفرج على حفل في بيروت باسم “الزمن الجميل” وهو يكرم الفنانين القدامى الأحياء أبطال “الزمن الجميل”.

الماضي الذي يمضي

“الزمن الجميل” عنوان ملتبس قليلاً…فثمة من يتساءل بشرف: “أحقاً كان هناك زمن جميل؟”

إن البيئة الحاضنة للزمن الجميل لم تكن سوى شعوب فقيرة ومستعبدة ومنهكة، وهي في عز الإنهاك والجوع والمذلة يطلب إليها الصبر على هزائم لا يد لها فيها.

البيئة الحاضنة للزمن الجميل هي الأوهام التي سميت أحلاماً، الحرية والاشتراكية والوحدة العربية، وكل ذلك في خطاب مكرر، لم تزد هزيمة العام 1967 واحتلال إسرائيل لثلاثة أضعاف فلسطين من الأراضي العربية…إلا إمعاناً في وهم الواقع، وضلال صورة.

التخلف في كل مستويات الأداء القطري والقومي في وطن الأغاني:

أصبح عندي الآن بندقية.

أصبحت من الثوار (نزار قباني) والسؤال: هل هزمنا لأننا لم يكن عندنا بندقية؟

الزمن الجميل… له عدة مقاييس للتعرف على مرتفعات وعلامات كونه جميلاً، لا شك أن من بينها وجود قامات في الفن: عبد الوهاب. أم كلثوم. فريد الأطرش. أسمهان. ليلى مراد…إلخ القائمة الذهبية.

الزمن الجميل... عدد القتلى أقل. المجاعات أقل فتكاً بأجساد جنوب البلادات. تمزق الوحدات، الجغرافيا، والاحتلالات كانت أقل من هذه الأيام. وحتى السجون كانت أفضل من هذه الأيام…

النذالة أقل!

وإذا كانت المسألة كذلك… فثمة زمن جميل جدير بالتحية.

كنا أطفال ذلك الزمن… أطفال منتصف الحلم، الذاهبين إلى محو الأمية اللغوية، مطلقين حناجرنا في الرد على العدوانات الأجنبية على بلادنا، ونحن اليوم الكهول المتفرجون على الماضي، على تجاعيد وجوه المكرّمين في رقصة هذا الماضي الجميل.

وفي الحقيقة ثمة من يصوغ حسداً حزيناً للأعمار الشابة التي تجري الآن في نهر الحياة، وهي لا تؤمن بأزمتها، وليس هناك ضلال إضافي يمكن أن يخدع أحدٌ احداً. فأصوات استغاثات الأمة العربية تكاد تؤلم العدو، لفرط ابتذال حالتها الإسعافية.

الزمن الجميل… يا لهول ما يحتمل هذا الاسم من الذكريات!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى