المراهقون والمواقع الإباحية … مسألة «فضول» وتعويض «عاطفي» ؟

تتمثّل إحصاءات متابعة العرب للمواقع الإباحية بالإحصاءات الرسمية التي تصدرها المواقع المتخصصة للوائح الدول الأكثر تصفّحاً. وقد احتلت بلدان عربية مواقع متقدّمة على هذه اللائحة أكثر من مرة، أما دراسات خصائص العرب الذين يقومون بذلك، أو دوافعهم، فتكاد تكون شبه معدومة.

تفيد دراسات عالمية بأن معدّل العمر الذي يبدأ فيه الأشخاص دخول هذه المواقع، يبلغ 11 سنة، وأنّ 97 في المئة من المراهقين الذين يستخدمون الإنترنت، تعرّضوا لهذه المواد، وأنّ 80 في المئة منهم شاهدوا هذه المواقع مراتٍ عدة.

قبل عصر الإنترنت، كان المراهقون يقلّبون صفحات المجلات، أو يرتادون صالات سينما معروف عنها عرضها أفلاماً إباحية، أو يتبادلون فيما بينهم أشرطة فيديو، أو أقراصاً إلكترونية تتضمن هذه المواد. أما بعد انتشار الإنترنت، فأصبح في إمكان زر واحد فتح آلاف المواقع، من بين أكثر من 450 مليون موقع إباحي، تشكّل نحو 15 في المئة من إجمالي المواقع على الشبكة العنكبوتية.

لماذا يتابع المراهقون المواد الجنسية؟ يعتبر الاستكشاف والفضول الجنسي من الخصائص الطبيعية لمرحلة المراهقة، حيث تبدأ الهوية الجنسية الجسدية بالظهور في شكل أوضح، وتبدأ المشاعر والرغبات الجنسية بفرض نفسها، مثل بقية الحاجات والمشاعر الأخرى، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة اتجاه المراهقين إلى متابعة المواد الجنسية أو المواقع الإباحية بكثرة، أو الإدمان عليها، فهناك مجموعة عوامل أخرى تؤثر في اتجاه المراهقين لهذه المواد، منها:

– خجل الوالدين، وعدم قيام المدارس، بتوفير الثقافة الجنسية الصحية، وعدم تعليم الأطفال والمراهقين خصائص أجسادهم، فيلجأون للبحث عنها بطرق غير آمنة، كأصدقائهم، أو الإنترنت.

– الاستجابة للاستعراض الجنسي الذي يقوم به المراهقون الآخرون، ورغبة المراهق في استكشاف قدراته واختبار رجولته، من خلال تقليده لما يراه في المواقع.

– الجفاف العاطفي، وعدم تعبير الوالدين عن مشاعر الحب والتقدير تجاه بعضهما بعضاً، أو أطفالهما، فينشأ الأطفال في بيئة ينعدم فيها التعبير اللفظي والجسدي عن الحب، ما يتسبب في بحثهم عن الإشباع العاطفي من خلال الإشباع الجنسي بمشاهدة هذه المواد.

– الإهمال وعدم قضاء الوقت الكافي معهم، وعدم الاستماع إلى أحاديثهم، وعدم مشاركتهم الأنشطة أو الفاعليات التي يحبون القيام بها.

– إقحام المراهقين في مشكلات الزوجين، وإطلاعهم على تفاصيلها، أو وقوع الخلافات أمامهم، ما يجعل المراهق يشعر بالذنب لعدم استطاعته حلّ هذه المشكلات أو مساعدة الوالدين، أو بالغضب من الوالدين أو أحدهما، فيجد في اللذة الجنسية التي يحققها بمشاهدة هذه المواد طريقة للهروب.

– التربية القائمة على الانتقاد وإصدار الأوامر، والعقاب والحرمان، حيث تؤدي إلى تدمير مفهوم الذات لدى المراهق، وتدفعه للبحث عن أساليب غير صحيحة لإثبات نفسه وقدراته.

– الهروب من المشكلات التي يواجهها المراهق سواء في البيت أو المدرسة، خصوصاً إذا كان يتعرّض للتنمّر (البلطجة) خارج البيت، ويعجز عن مواجهتها، فيجد في هذه المواقع مهرباً يشعره بالراحة.

– الفراغ، وعدم وجود أنشطة تعليمية وترفيهية كافية تساعد المراهق على استغلال طاقته الجسدية في شكل صحي، كمزاولة الرياضة، أو الموسيقى.

تأثير متابعة المواد الجنسية والمواقع الإباحية على المراهقين: يعتقد بعضهم أن مشاهدة المواقع الإباحية تتسبب بالضرورة في حدوث انحرافات جنسية لدى المراهقين، تدفعهم للتحرّش الجنسي أو الاغتصاب، أو أنها تسبب أمراضاً نفسية وجسدية، وواقع الأمر أن هذه افتراضات غير مثبّتة علمياً، ولا يؤتي تخويف المراهقين منها بنتائج جيدة لثنيهم عنها.

يتمثّل خطر متابعة المراهقين لهذه المواد في احتمال تحوّلها إلى إدمان، يتسبب في انهماكهم بمشاهدتها بما يؤثّر على حياتهم وأنشطتهم الاعتيادية، وقيامهم بواجباتهم، أو مبالغتهم في ممارسة العادة السرية، ما يضعف أجسادهم ويقلب أنظمة نومهم، ويتسبب في مشكلات جنسية عند البلوغ.

ومن أهم الآثار كذلك بناء المراهقين أفكاراً غير واقعية عن الحياة الجنسية، حيث تُظهر هذه المواقع صوراً غير حقيقية وغير دقيقة لأجساد النساء والرجال، وممارسات جنسية غير صحية أحياناً، فتنشأ لدى المراهقين توقعات لا يمكن إرضاؤها، ما يؤثر في قدرتهم على بناء علاقات جنسية صحية عند الزواج، وقد تصبح الممارسة الجنسية بالنسبة لهم فعلاً جسدياً لا يرتبط بالحب أو العلاقة العاطفية مع الشريك.

كيف نتعامل مع متابعة أبنائنا لهذه المواد والمواقع؟

تعتبر الوقاية أهم وأول طريقة للحماية، وتتمثّل بأمرين هما الحضور والتواصل.

يُقصد بالحضور، الحضور العاطفي وليس الجسدي، وهو أن يكون الوالدان حاضرين ذهنياً وجسدياً مع أبنائهما المراهقين، ولا يقاس الأمر بكم الوقت الذي تقضيه، بل بكيف تقضي الوقت معهم، فجلستا عشاء أسبوعياً مع المراهقين، وتبادل الأحاديث معهم، ومعرفة أخبارهم وإطلاعهم على أخبارك، أفضل من الجلوس اليومي معهم وأنت تشاهد التلفاز، أو تصدر الأوامر أو تنتقد تصرفاتهم، أو تتشاجر معهم أو مع الشريك. أما التواصل فيقصد به أن تكون خطوط الاتصال مع أبنائك منفتحة، وفهم خصائصهم النفسية والجسدية وتقبّلها، وتقديم ثقافة جنسية آمنة وصحية لأبنائك، فيطمئن المراهق لوالديه ويخبرهما بما يتعرّض له على الإنترنت من مواد أو إعلانات، أو ما يتلقاه من معلومات جنسية مغلوطة من محيطه.

وفي حال معرفة الوالدين بمتابعة المراهق للمواقع الإباحية، فينبغي مصارحته بذلك من دون تعنيف، لأن التعنيف المتعلّق بهذا الأمر ينشئ لديه شعوراً بالذنب تجاه حاجاته الجنسية، وسيتسبب له بمشكلات نفسية وجنسية أكبر. وعلى الوالدين من خلال الحوار الهادئ معرفة المصادر التي يحصل منها أبناؤهم على ثقافتهم الجنسية، وكيف وصلوا إلى هذه المواقع، وتوضيح أنّ ما تقدمه عن الجنس معلومات غير دقيقة وغير واقعية، قد تؤثر في حياتهم الجنسية مستقبلياً، إضافة إلى عدم توفير أجهزة إلكترونية خاصة بالأبناء، ووضع الحاسوب المنزلي في منطقة مفتوحة أمام العائلة وليس في الغرف المغلقة، وتسجيل المراهقين في أنشطة بدنية وذهنية تستثمر أوقاتهم جيداً وتشجيعهم على الانخراط فيها.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى