نوافذ

المسرحة والمشرحة !

المسرحة والمشرحة !

ـ 1 ـ

كل عام، في 27 آذار، يوم المسرح العالمي، أتذكر هذه الجملة: “يقضي الإنسان معظم سنوات حياته في تعلّم اللغة…ثم يأتي الاستبداد فيعلّمه، في لحظة، الصمت ”

وفي أفريقيا كان الضباط الاستعماريون يستخدمون كل انواع العذاب والتعذيب ضد المشاغبين العاديين ، ولكن “قفل” الشفتين كان من نصيب المتعلمين…قفل حقيقي صدىء وبمفتاح. وفي زمن ما، كانوا يقطعون اللسان ويرمونه ، امام عيني المعذّب الثرثار، إلى الكلاب الجائعة.

طبعاً من العيب الإدعاء أنني أتذكر كل هذه المجزرة، على الريق، في كل يوم للمسرح العالمي. ولكن العيب الاكبر ألا يعتبر المحبطون ، من رجال المسرح العربي ، أن “أزمة ” المسرح هي الحرية. والحرية ليست أن تقول في مسرحية، نصاً أو على الخشبة، ما تريد، بل أن يكون المناخ العام…الفضاء العام ممتلئاً بحرية أن تقول وتفعل ما تريد…وعلى مسؤوليتك الشخصية وتحت طائلة القانون. الحرية بإحدى صياغات المتأملين: أنت حرٌ في أن تكون على خطأ لا أن ترتكب الخطأ. ولقد طورد “برتولد بريخت”، المسرحي الألماني العظيم، لأنه كان يريد تغيير العالم عبر المسرح ، فيما كان معاصره الضئيل  “أدولف هتلر” يريد تغيير العالم بالدبابات.

المسرح، كما يقولون، أبو الفنون لأن بوسعه أن يكون ريفياً بحذاء مرقّع، وكل عتاده محمول على عربة يجرها حصان، كالغَجر. كما يمكنه أن يكون مدينياً بجزمة إمبراطور… وديكوره يكلف الملايين.

كل ما يحتاجه المسرح هو أكثر الأشياء توفراً: فضاء                         وممثل وجمهور، وبضعة أوراق مليئة بهذيان مبدع.

ـ 2 ـ

ليس المسرح وحده من تعرض للأذى المصنوع من أجهزة الرقابة، وليس الدين والرقابة الدينية وحدها من اضطهد المسرحي السوري الأول أبو خليل القباني (جد نزار قباني) وحرق مسرحه، واضطره إلى اللجوء إلى مصر. على الرغم من أن الرقابة وجهاز الأخلاق منع تمثيل المرأة،  فقام بدورها على المسرح ، كما في الحياة ، رجل…

وليس نحن وحسب من يمنع نمو العباقرة، ومحاسبتهم على جنون ابتكاراتهم.

فكما نحن في القمع والمنع، كذلك يفعل أباطرة العالم مثلنا. وإليكم هذه المعلومات الطريفة.

ـ على مدى اثنين وعشرين عاماً ظل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي “ف. ب. آي” يراقب هاتف العالم العبقري “ألبرت إنشتاين ” (مبدع نظرية النسبية) ويقرأ رسائله، ويفحص دلو قمامته لأنهم كانوا يعتقدون أن إينشتاين جاسوس لموسكو، وعلى هذا الأساس امتلأ الملف الخاص به لدى الشرطة الأمريكية بمجموعة من المعلومات الإتهامية : إنه مخترع شعاع مهلك، وروبوت لقراءة محتويات الذهن البشري.

إنه عضو في 34 جمعية شيوعية ما بين أعوام 1937-1955 (حتى وفاته). وقاد السيد إنشتاين أربع منظمات شيوعية. ومن المستحيل لرجل ، بهذه السوابق ، أن يكون مواطناً أمريكياً مخلصاً.

لقد مات إينشتاين في العام 1955 وبقيت الملاحقة ، والتجسس عليه، ولكن،هذه المره، ليس من جانب مكتب التحقيقات، وإنما من (الزملاء) رجال العلم. لقد قطعوا دماغه وشرّحوه ودرسوه بحثاً عن تفسير لعبقريته. وبالطبع لم يجدوا شيئاً….

كان على أحد من هؤلاء العلماء الزملاء أن يتذكر أن إينشتاين قد قال ، في إحدى أجوبته على متسائلين عن تكوينه غير العادي:

“الشيء الوحيد غير العادي فيّ هو فضولي “.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى