الموقف الإسرائيلي من ضربة عسكرية لإيران

 

لا بدّ لنا أن نستذكر بأن القيادة السياسية الإسرائيلية كانت على وشك اتخاذ قرارٍ بضرب المنشآت النووية الإيرانية قبل ثماني سنوات بصورةٍ منفردة، إلا أن القيادات العسكرية والأمنية رفضت هذا التوجّه.

أثارت العديد من الأوساط السياسية والإعلامية نيّة الولايات المتحدة توجيه ضربةٍ عسكريةٍ لإيران، قبل أن يسلّم الرئيس الخاسر في الإنتخابات دونالد ترامب الحكم للرئيس الجديد جو بايدن، وقد تعزّزت هذه الرواية بعد تغيير وزير الدفاع الأميركي، كما تلتها زيارات مكوكية لوزير الخارجية في إدارة ترامب، إضافةً إلى تحريك بعض القوات العسكرية الأميركية وتعزيزها في المنطقة.

توجّه الإدارة الأميركية الحالية نابعٌ من اعتقادها بأن سياستها خلال السنوات الماضية قد حقّقت نتائج جيدة في التضييق على طهران، وخنقها عبر تشديد الحصار عليها، مما أثّر على اقتصادها، وأن هذه الاستراتيجية كانت ستؤتي ثمارها – حسب اعتقاد ترامب- إذا استمرّ في رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، إلاّ أنّ خلفه القادم إلى البيت الأبيض، والذي يبدو أنه يتجه إلى إحياء الاتفاق النووي السابق مع إيران، يجعل ترامب يرغب في طمأنة حلفائه في المنطقة العربية بتوجيه ضربةٍ عسكريةٍ لإيران، قد تكون حلاً استباقياً لسلوك بايدن.

على صعيد العدو الصهيوني، فقد نُقِل عن كبار المسؤولين بأن الجيش الإسرائيلي تلقى تعليماتٍ في الأسابيع الأخيرة بالاستعداد لاحتمال قيام الولايات المتحدة بضربةٍ عسكريةٍ ضد إيران قبل مغادرة ترامب منصبه، التعليمات لم تصدر – حسب المسؤولين- بناءً على معلوماتٍ استخباريةٍ أو إشارةٍ مسبقةٍ من الإدارة الحالية، بل هي ناتجةٌ عن توقّعٍ بأنّ الفترة الحالية وحتى موعد التنصيب يوم 20 من يناير/كانون الثاني العام القادم، حساسةٌ للغاية، فالعدوّ الصهيوني يخشى من أيّ ردّ فعلٍ على توجيه ضربة عسكرية لطهران.

يدرك العدو الصهوني بأنه في حال قرّرت الولايات المتحدة شنّ عملٍ عسكريٍّ باستهداف المنشآت النووية الإيرانية، فإنها ستتلقّى إشعاراً مسبقاً قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة، لكن السؤل المطروح: هل يؤيد العدوّ الصهيوني توجيه ضربةٍ عسكريةٍ لإيران في هذا التوقيت؟ عند الحديث عن الموقف الإسرائيلي، لا بدّ لنا أن نستذكر بأن القيادة السياسية الإسرائيلية كانت على وشك اتخاذ قرارٍ بضرب المنشآت النووية الإيرانية قبل ثماني سنوات بصورةٍ منفردة، خشيةً من سلوك الإدارة الأميركية بقيادة أوباما، إلا أن القيادات العسكرية والأمنية – سواء كان الموساد أو الشاباك- قد رفضت هذا التوجّه ونجحت في كبحه.

قد لا يختلف، بتقديري، موقف نتنياهو عن الموقف السابق في المرحلة الراهنة، غير أنه يخشى من ردّ فعل إيران وحلفائها وخاصةً من حزب الله في لبنان، فالأوضاع الداخلية الإسرائيلية لا تسمح له بالدخول في مغامرةٍ من هذا النوع، كما أن الحلبة السياسية غير مستقرّة نتيجة الخلافات الحادّة بين الائتلاف الحاكم، وأنّ إمكانية حلّ الكنسيت والتوجّه نحو انتخاباتٍ جديدة هو خيارٌ أصبح الأكثر حضوراً في المشهد، يُضاف إليه الأزمة الداخلية نتيجة جائحة كورونا وآثارها الإقتصادية.

أما الأوساط الإستخبارية والعسكرية، فإنها تُسرب وفق سردية تتصل بأهداف محددة، بأن إيران تحتاج إلى عامٍ تقريباً حتى تنجحَ في إنتاج القنبلة النووية، وهي تفضّل الخيارات العملياتيّة الإستخباريّة على خيار الضربات العسكرية المباشرة، فهي أقلّ كلفة وأبعد عن الدخول في مواجهةٍ مباشرةٍ مع إيران، ولديها تجارب نجاحٍ في هذا المضمار عبر اغتيال عدد من العلماء الإيرانيين العاملين في الحقل النووي سابقاً، كما نجحت في تعطيل البرامج عبر استهدافها بالسّايبر.

لذلك، لن يكون الموقف الإسرائيلي مشجّعاً لتوجيه ضربةٍ عسكريةٍ لإيران خلال الأيام القادمة، إلاّ في حال ضمَنَ العدوّ الصهيوني عدم الردّ من الجبهات المتعدّدة عليه، وتفضّل الأوساط المؤسساتية في الموساد وقيادة الجيش تعطيل البرنامج النووي الإيراني عبر العمل الاستخباري الذي لا يُظهر البصمة الإسرائيلية بصورةٍ واضحة، وترى هذه المؤسسات بأنه من المبكر العمل على توجيه ضربةٍ عسكريةٍ طالما أن الحلول الأخرى قادرةٌ على تحقيق الهدف.

بالنسبة لـ”إسرائيل”، فإنها ستكون مع أيّ عملٍ لا يُلحق بها الضرر على غرار اغتيال القائد الإيراني الكبير قاسم سليماني، مع تمسّكها بالخيارات الأخرى الأفضل لها، وبتقديري، ورغم كل ما تشهده الأوساط السياسية والإعلامية، فإنّني أستبعد إقدام الولايات المتحدة على تنفيذ عمليةٍ عسكريةٍ واسعة ضد إيران.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى