“النِّاتو العَربيّ السنيّ” يَنطَلِق سِياسيًّا مِن “حِوار المَنامة”.. والتَّمهيد تَطبيعيًّا لانضمامِ إسرائيل لعُضويّته بَدَأ عَمليًّا

لم يَكُن مِن قبيل الصُّدفة أن يكون جيم ماتيس، وزير الدِّفاع الأمريكيّ، نجم اجتماعات مُؤتَمر “حِوار المَنامة” الذي انعَقد في العاصِمَة البحرينيّة طِوال الأيّام الثَّلاثة الماضِية بحُضورِ عَددٍ كَبيرٍ من وزراء خارجيّة دُوَل مجلس التعاون الخليجي (باستثناءِ دولة قطر)، لأنّ الهَدف الأوّل والأبرَز لهذا المُؤتَمر هو بَلوَرة الأرضيّة السياسيّة والفِكريّة لِما يُسمَّى بـ “تحالُف الشرق الأوسط الاستراتيجيّ”، أي “الناتو العربي”، الذي سيَنطلِق عَمليًّا أوائِل العام الجديد أثناء لِقاء قمّة في واشنطن يُشارِك فيه قادَة دُوَل مجلس التعاون الخليجيّ الستّة، إلى جانِب مِصر والأُردن ويتزعّمه الرئيس دونالد ترامب.

مُؤتمر “حِوار المَنامة” جاء استكمالًا للِقاءٍ عَسكريٍّ ضمّ رؤساء أركان دُوَل الخليج إلى جانِب مِصر والأُردن انعَقد في الكويت الشهر الماضي وشارَك فيه الجِنرال جوزيف فوتيل، قائِد القِيادة المركزيّة الأمريكيّة، وجَرى الحَديث بعُمُق عن التَّصوُّر اللازم لهذا “الناتو العربيّ” السنيّ الذي ستَكون مُهِمَّته الرئيسيّة مُواجَهة إيران عَسكريًّا وسِياسيًّا واقتِصاديًّا.

السيد عادل الجبير، وزير الخارجيّة السعوديّ، الذي عاد إلى الأضواء مُجدَّدًا بعد اختِفاءٍ استمَرَّ لأكثَر مِن شهرين تقريبًا خرَج علينا في كلمته أمام المُؤتَمر بمَقولةٍ جديدةٍ على غِرار مقولته السابقة والأشهر التي شدَّد فيها أنّ الرئيس بشار الأسد سيَخرُج من سورية سِلمًا أو حَربًا، عِندما أكّد أنّ هُناك رؤيَتين في المِنطَقة: الأُولى سعوديّة مُستنيرة، والثانية: إيرانيّة ظَلاميّة، واتَّهم الأخيرة بأنّها تسعَى لنَشرِ الطائفيّة في أنحاءِ المِنطَقة، وجَزَمَ بهَزيمَتِها، أي إيران، عِندما قال “التاريخ يُخبِرنا بأنّ النُّور يَنتصِر على الظَّلام.. والسُّؤال هو كيفَ يُمكِنُنا هَزيمَتهم”.

***

مُؤتمر حِوار المنامة هذا كَشَفَ عن تَطوّرين رئيسيّين يُمكِن أن يكونا بُوصَلة التَّحالُف الجَديد في المِنطَقة:

ـ الأوّل: وجود اتِّصالات خليجيّة سريّة برعايةٍ أمريكيّةٍ للبَحث عَن إيجاد حَلٍّ للأزمةِ القطريّة، يبدو أنّها حقَّقَت تَقدُّمًا كَبيرًا في هذا الإطار، فالسيد الجبير أكّد أنّ دولة قطر التي تحدَّث عنها بلُغةٍ أقرَب إلى “الحميميّة”، ستَكون ضِمن المُشاركين في التحالف الاستراتيجي الجديد لمُواجَهة إيران، مُشيرًا إلى اتِّفاقاتٍ أمنيّةٍ جرى التَّوصُّل إليها في اجتماعاتٍ بالرِّياض شاركَ فيها مسؤولون قطريّون، وجاء هذا الكَشف المُفاجِئ بعد تصريحاتٍ أُخرَى أطلَقها الأمير محمد بن سلمان قبل يومين في مُؤتمر مستقبل الاستثمار وصف فيها اقتصاد قطر “بأنّه واعِد ويُمكِن أن يكون لُبنة لاقتصاديّات قويّة بمِنطَقة الشرق الأوسط”، بمَعنى آخر لم تَعُد قطر دولة شرق سلوى، وغابَ الحديث، أو خف، عن “تنظيم الحَمدين”، والعِبارات الأُخرَى التي جَرى استخدامها بكثافةٍ مُنذ بِدايَة الأزَمَة، حتّى أنّ البعض تَوقَّع اختفاء “الجزيرة” في غُضونِ أشهُرٍ.

ـ الثاني: أنّ إسرائيل ستَكون الشَّريك التاسع في الناتو العربيّ السنيّ، وما تَسارُع أعمال التَّطبيع مَعَها التي تمثّلت في زيارة وفدين رياضيين إسرائيليين إلى كُلٍّ مِن الدوحة وأبو ظبي، وزيارة نتنياهو إلى مسقط، إلا التَّمهيد الأهَم لهَذهِ الشَّراكة، ولا نَستبعِد أن تُشارِك إسرائيل في قمّة واشنطن التي ستُدشِّن الحِلف الجديد مطلع شهر يناير المُقبل، فالسيد يوسف بن علوي، وزير خارجيّة سَلطنة عُمان، حرص على التَّأكيد أمام حُضور “حِوار المنامة” بأنّ “وجود إسرائيل في الشرق الأوسط أمْرٌ مُسلَّمٌ بِه، ونَحنُ والعالم نُدرِك هَذهِ الحَقيقة، ورُبّما حانَ الوقت لمُعامَلة إسرائيل بنَفسِ المُعامَلة كالدُّوَل الأُخرى، وتتحمّل الالتزامات نَفسِها”.

لا نَتَّفِق مع السيد خالد بن أحمد آل خليفة، وزير خارجيّة البحرين في قَولِه بأنّ هذا التحالف سيُسهِم في تعزيز الأمن والاستقرار في المِنطَقة، ومُساعَدة دولها في مُواجَهة التَّحدِّيات، مِثلَما قال في خِطابِه الذي ألقاهُ أمام المُؤتمر، ونَميل إلى الاعتقاد بأنّ حِلف الناتو العربيّ الذي سيَضُم دُوَلًا “صَديقةً” لواشنطن، ويَستثنِي دُوَلًا عَربيّةً عَديدةً، ويتجاوز القَضيّة الفِلسطينيّة كُلِّيًّا، ويَفُك الارتباط السِّياسيّ والأخلاقيّ والدينيّ معها، هذا الحِلف سَيكون إعلان حَرب طائفيّة في المِنطَقة، وتَنفيذًا لمَشروعٍ إسرائيليٍّ بتَدميرِ إيران على غِرار ما حَدَثَ للعِراق وسورية وليبيا واليَمن.

***

حِلف “الناتو العربيّ السنيّ” سَيلعَب الدَّور نفسه الذي لَعِبته دُوَل الخليج وبعض الدُّوَل العربيّة الأُخرى في الحُروب على العِراق وسورية وليبيا واليمن، أي توفير الغِطاء العربيّ الإسلاميّ للحَربِ الأمريكيّة الإسرائيليّة القادِمة ضِد إيران في المِنطَقة، وهُنا مَكمَن الخُطورة، مع فارِقٍ أساسيٍّ وهو أنّ الوِلايات المتحدة كانَت في حُروبِها السابقة تُعطِي وعودًا وتَعَهُّدات بإيجادِ حلٍّ للقَضيّة الفِلسطينيّة، وإقامَة الدَّولةِ المُستَقِلِّة، أمّا في الحَرب الجَديدة والوشيكة ضِد إيران فإنّ الأمر اختلَف كُلِّيًّا، وباتَ البَديل هو تَصفِيَة القضيّة الفلسطينيّة من أساسِها عَبر “صفقة القرن”.

بالأمس كانَ نِتنياهو في مَسقط، ولن نُفاجَأ إذا حَطَّ الرِّحال غَدًا أو بعد غَدٍ في أبو ظبي أو المنامة أو الدوحة أو الرياض، فنَحنُ نَشهَد ميلاد مَنظومةٍ إقليميّةٍ جَديدةٍ كبَديلٍ للمَنظومات السَّابِقة المُهمَّشةِ حاليًّا، والجامعة العربيّة على رأسِها تَكون الدَّولة العِبريّة عَمودها الفِقريّ، وتَنتَقِل مِن خانَة العدو إلى خانَةِ الحَليف والصَّديق القَويّ الذي يُدافِع عَن حُلفائِه الجُدُد.

الشُّهور الأربَعة المُقبِلة رُبّما تَكون عُنوانًا لفَكِّ ارتباط مِنطَقة الخليج بالقَضيّة الفِلسطينيّة، والدِّفاع العَربيّ المُشتَرك وكُل أدبيّات الوِحدة العربيّة والمَصير المُشتَرك.. ونحنُ نَتحدَّث هُنا عَن حُكوماتٍ وليسَ عَن شُعوبٍ.. والأيّام بَيْنَنَا.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى