كتب

الوجه الإنساني لأغاثا كريستي او ماري وستماكوت

في احدى ايام طفولتها نصحتها والدتها بكتابة قصة قصيرة للقضاء على الملل والضعف وهي طريحة الفراش، ربما لم يفكر أحد بهذه الطريقة سوى والدة اغاثا كريستي الكاتبة العبقرية التي اشتهرت بقصصها البوليسية وقد صنفتها موسوعة غينس للأرقام القياسية الروائية الأفضل بيعًا على الإطلاق.

باعت رواياتها نحو ملياري نسخة، ويشار الى أن أعمالها تحل في المرتبة الثالثة في تصنيف الكتب الأكثر انتشارًا في العالم، بعد أعمال شكسبير والإنجيل فقط.

أن أغاثا ظاهرة عالمية تستحق أن يقف المرء عندها طويلاً، لم تكن مجرد روائية بريطانية وإن كانت تنتمي إلى عائلة أميركية بل روائية كونية تجاوزت الحدود التقليدية لتصل إلى كل بيت في المعمورة ومئات الملايين من الناس قرأوا لها وأعجبوا بها وأدركوا أن مسرح الحوادث ليس انكلترا وحدها بل العالم بأسره.

ولكن ما لم ينتبه إليه كثيرون هو أن إنتاج أغاثا لم يقتصر على الروايات البوليسية والمسرحيات فقد كتبت روايات رومانسية إيضاً وإن كانت بإسم مستعار هو ماري وستماكوت.

يقول نيلسون مانديلا : (العظمة في هذه الحياة ليست في التعثر ولكن في القيام بعد كل مرة نتعثر فيها).

هذه الكاتبة العظيمة والمسحورة بحب الشرق لم تخلو حياتها من عثرات مؤلمة كادت ان تنهي مسيرتها الأدبية لولا مقدرتها على النهوض من جديد.

تناولت مقالات عديدة أغاثا الكاتبة والمولعة بحب الشرق وآثار الشرق لكني اليوم أكتب عن اغاثا الإنسانة المولودة عام 1890 في إنكلترا لأب أميركي وأم إنكليزية.

والتي كانت تصر على إنها إنكليزية مع إنها قضت معظم طفولتها في البرازيل! ولا غرابة، فالبيئة التي أحتضنت أغاثا، وهي ماتزال غضة العود، هي إنكليزية بامتياز.

لم تلحقها والدتها بالمدرسة وفضلت الأم أن تأتي لها بالمعلمين إلى المنزل لإنها تنتمي إلى الطبقات الاجتماعية العليا التي تعيش في عزلة اختيارية وتمنع اختلاط اولادها بالعامة.

هذا الهاجس تحاشته أغاثا في ما بعد، عندما اقتربت كثيراً من صغار العمال، الذين كانوا يشاركونها العمل في النمرود وقلعة آشور.

وأسفت لإنها لم تتعلم لغتهم، مثلما فعل زوجها ماكس مالوان ..

ولأن الزواج هو قدر الفتيات الراقيات في إنكلترا فقد تزوجت أغاثا بشاب إنكليزي اسمه ارشيبالد كريستي، وكان يعمل كولونيلاً في الجيش، وهي في الرابعة والعشرين من العمر بعد قصة حب جمعتهما.

وحينما أرسل أرشيبالد إلى جبهات القتال في فرنسا، عبرت أغاثا المانش لتكون بالقرب منه. وفضلت أن تتحول ممرضة في إحدى المستشفيات لمداواة الجرحى .

وعندما عادا من جبهات القتال لم يبق أرشيبالد إلى جانبها طويلاً. كان دائم الترحال والسفر، وفضل العمل في أماكن أخرى خارج بلاده تاركاً أغاثا مع ابنتهما الوحيدة روزلند.

وشيئاً فشيئاً ضاقت أغاثا بهذه الحياة ، وعبثاً حاولت إقناع زوجها بتغيير نمط حياته، حتى علمت بعد حين أنه أغرم بامرأة أخرى، فطلبت منه الطلاق .

لم تحتمل أغاثا غدر أرشيبالد بعد زواج دام 12 عاماً فشعرت بالحزن الشديد إلى درجة أنها تعرضت لحادثة غريبة عام 1926.

فقد اختفت عن الأنظار لمدة 11 يوماً كاملة، دون أن يعلم بوجهتها أحد، فخرجت إنكلترا كلها للبحث عنها، حتى عثر عليها بعد عناء طويل في إحدى المنتجعات.

كانت قد اتخذت اسم صديقة زوجها أسماً لها ولم تتذكر أسمها الحقيقي، حتى أنبأها أقاربها به.

وقيل إنها تركت سيارتها في احدى الشوارع وذهبت سيراً على الأقدام إلى الفندق الذي أقامت فيه.

ومازال الغموض يكتنف هذه الحادثة حتى اليوم، فلم تنجح هي بالكشف عنها، وكانت تشعر بالألم كلما تذكرتها.

ومن الواضح أن أغاثا لم تحتمل صدمة إهمال زوجها لها وتفريطه بها وهي ماعليه من الجمال والشهرة والأدب، يظهر ذلك واضحاً من تقمصها لشخصية منافستها، بعد أن صارحها زوجها بالموضوع .

سحر الشرق

بعد إكمال إجراءات الطلاق قررت أغاثا السفر الى الشرق وتحديداً العراق موطن السحر والإلهام والليالي العربية.

ولزيارة الـتّنقيـبات الأثريّة في أور والّتي كان يـشرف عـليهـا ليونارد وويـلي ورغـم أنّ وويـلي كان يرفـض دخول الـسّواح إلى الـمـوقـع، فـقـد قـبل أن يـستقـبل أجاثا كريستي لأنّ زوجته كاثـريـن كانت مـن المعجبات برواياتها.

وفي العام الـتّالي 1930 بعثت لهـا كاثرين بدعـوة ثانية لتزور الموقع. وطلبت من عالم الآثار، الّذي كان في وقتهـا مبتدءاً، ماكـس مالوان أن يكون دليلاً للكاتبة في زيارتها للموقع.

وعنـدمـا قطعـت أجاثا كريستي زيارتها لتعود إلى إنكلترا بعد أن جاءهـا خبر مرض ابنتهـا، صاحبها مالوان ثـم عاد إلى أور.

وذهـب مالـوان مـن جـديـد بـعـد عـدّة أشهـر إلى إنكلتـرا ليطلب مـن أجاثا أن تتزوّجه، وقبلـت.

وكانـت أجاثـا في الأربعـيـن مـن عمرهـا، وكان هذا الزواج يمثل نقطة تحول رئيسية في حياة أغاثا الشخصية والأدبية.

فقد حاول ماكس تعويضها عما أصابها من ضرر نتيجة عبث أرشيبالد وابتعاده عنها.

وكثيراً ماتحدثت أغاثا عن هذه النقطة في كتاباتها، فهي لم تشعر يوماً بالدفء العائلي معه ولم تأنس يوماً برفقته. لكن هذا الأمر تغير مع ماكس الذي حرص على أن ترافقه إينما ذهب.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى