انتعاش مفاجئ في الصناعة الصينية لكن خطر كورونا لا يزال يترصد الاقتصاد

 

شهد النشاط التصنيعي الصيني نموا مفاجئا في آذار/مارس مع بدء عجلة الأعمال بالدوران في أعقاب فترة إغلاق مطولة، لكن المحللين يرون أن الاقتصاد يبقى محفوفا بالتحديات، إذ إن فيروس كورونا المستجد يسدد ضربة لحجم الطلب الخارجي تضاف إلى تحذير البنك الدولي من احتمالات توقف النمو.

وتعود الصين تدريجيا إلى الحياة بعد أشهر من القيود الصارمة التي فرضت بهدف احتواء تفشي وباء كوفيد-19 القاتل الذي أجبر السلطات على وضع ملايين الأشخاص في العزل المنزلي وتسبب في توقف شبه تام للنشاط الاقتصادي.

ونجم عن التدابير الصارمة تدهور النشاط الصناعي إلى أدنى نسبة له في شباط/فبراير، فيما تقلص الإنتاج الصناعي للمرة الأولى في 30 عاما بعد أن أغلقت السلطات المحلات والمتاجر.

وسجل مؤشر مديري المشتريات الثلاثاء مستوى فاق التوقعات ليبلغ 52 نقطة لشهر آذار/مارس، وفقا للمكتب الوطني للاحصاءات. ويفوق هذا المستوى الذي سجل في الشهر الذي سبقه والذي بلغ 35,7 ويتخطى توقعات دراسة نشرتها بلومبرغ وقدرتها ب44,8. وكل مؤشر يفوق عتبة ال50 يعتبر توسعا.

وقال مكتب الاحصاءات إن الرقم “يؤشر إلى أن أكثر من نصف الشركات المشمولة بالدراسة شهدت تحسنا في استئناف الأعمال والإنتاج مقارنة بالشهر السابق”. غير أنه أضاف أن ذلك “لا يعني أن العمليات الاقتصادية في بلدنا عادت إلى مستوياتها الطبيعية”.

وبلغ مؤشر مديري المشتريات في القطاع غير الصناعي حاليا 52,3، متخطيا توقعات المحللين.

وقال كبير الخبراء لدى المكتب الوطني للإحصاءات تجاو كينغهي إنه على الرغم من انتعاش مؤشر مديري المشتريات في القطاع الصناعي “لا تزال هناك نسبيا ضغوط كبيرة على إنتاج المؤسسات وعملياتها”.

ويتوقع الخبراء أن يتراجع المؤشر ليدخل منطقة الانكماش في الشهر المقبل.

وحذر البنك الدولي الثلاثاء من أن تداعيات الاقتصاد العالمي يمكن أن تتسبب في تراجع نمو الاقتصاد الصيني وصولا إلى 2,3 بالمئة هذا العام، مقارنة ب6,1 بالمئة في 2019.

وقال مسؤول في البنك المركزي الصيني لوسائل إعلام إنه يوصي بأن لا تحدد بكين هدفا للنمو هذا العام نظرا إلى الشكوك الهائلة التي تواجهها.

ونقلت صحيفة “إيكونوميك ديلي” الرسمية عن ما جون العضو في لجنة السياسة النقدية في بنك الشعب الصيني، إنه سيكون من الصعب الوصول إلى نمو بنسبة 6 بالمئة، مضيفا أن تحديد هدف يمكن أن يحد من التدابير الرسمية للتعامل مع تداعيات الفيروس.

– “صدمة لحجم الطلب” –

وحذر مدير مركز أبحاث الصين الكبرى لدى بنك او.سي.بي.سي تومي شي قائلا “لا ينبغي أن نتوقع الكثير من هذا الانتعاش القوي”.

وأضاف لوكالة فرانس برس “شباط/فبراير كان شهر سيئا للصين… (المصنعون) شهدوا عرقلة كبيرة في الإمدادات بسبب إغلاق المصانع والقيود على التنقل”، معتبرا أن “أي انتعاش بعد شباط/فبراير… أمر مفروغ منه”.

وكان لتفشي وباء كوفيد-19 عواقب خطيرة على الإنتاج وعلى عمل الشركات فتسبب بشلل شبه تام للصين في شباط/فبراير، حين لزم مئات ملايين الصينيين منازلهم وسط تدابير حجر صارمة لمكافحة الفيروس.

وأثارت الإجراءات المتخذة بلبلة شديدة في المواصلات وأعاقت إمدادات قطع الغيار والمكونات والمواد الأولية.

ويستأنف البلد منذ ذلك الحين النشاط الاقتصادي في ظل تباطؤ شديد في انتقال العدوى ورفع تدريجي للحجر المنزلي، لكن من المتوقع أن تستمر العواقب الاقتصادية لفترة مديدة.

ومن المرجح أن تشهد الصين “صدمة مفاجئة لحجم الطلب” في نيسان/أبريل قد تكون مؤشرا أكثر أهمية، وفق شي، في وقت يتضاءل الطلب العالمي وتقوم المصانع في الخارج بتعليق عملياتها.

وقالت كبيرة خبراء الاقتصاد لدى مجموعة آي.إن.جي المصرفية آيريس بانغ إن طلبات التصدير الجديدة لا تزال دون عتبة ال50 نقطة في آذار/مارس إضافة إلى الواردات، ما يشير إلى أن الطلب المحلي سجل تعافيا بسرعة أكبر من الطلب الخارجي.

وقالت “أعتقد أن الناس نسوا… أنه حتى وإن تراجع فيروس كورونا المستجد في الولايات المتحدة قد تكون هناك فرصة كبيرة لعودة الحرب التجارية والتكنولوجية”، في إشارة إلى التوتر التجاري المستمر بين الصين والولايات المتحدة.

وقال محللون لدى مركز نومورا، لو تينغ ووانغ ليشنغ ووانغ جينغ، في مذكرة قبيل صدور بيانات مؤشر مديري المشتريات إنهم يتوقعون “بشكل كبير نموا سلبيا في كافة بيانات الأنشطة تقريبا في آذار/مارس، بالنظر لبطء وتيرة تعافي الشركات والتراجع في حجم الطلب الخارجي”.

والمرة الأخيرة التي تجاوز فيها مؤشر مديري المشتريات في الصين عتبة 52,0 بالمئة كانت في أيلول/سبتمبر 2017 قبل بدء النزاع التجاري.

وطول فترة الضعف هذه المرة مرهون بالسرعة التي يمكن للدول فيها تخطي الوباء العالمي، وفق خبراء الاقتصاد.

وخلافا للاستجابة الرسمية للأزمة المالية في 2008-2009، يبدو أن القادة الصينيين يستبعدون هذه المرة تبني خطة إنعاش اقتصادي ضخمة تستهدف البنى التحتية.

فعند قيام الأزمة المالية العالمية، أطلقت الصين مشاريع ضخمة مكلفة غالبا ما كان مردودها ضئيلا، وكانت تبعاتها جسيمة على مالية الحكومات المحلية. غير أن السلطات الصينية باتت منذ ذلك الحين تعطي الأولويّة لتقليص الديون

وقال المستشار ما جون إن “العواقب على الاقتصاد الصيني تتوقف بشكل رئيسي على تطور الوباء العالمي في الولايات المتحدة وأوروبا”، الشريكين التجاريين الرئيسيين لبكين.

وفرضت جائحة كوفيد-19 عزلا منزليا على أكثر من ثلث عدد سكان العالم، ويتوقع خبراء الاقتصاد أن يلي ذلك ركود هو الأكبر في التاريخ الحديث.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى