تحليلات سياسيةسلايد

بداية النهاية: تنامي رفض الخدمة العسكريّة وقلقٌ عارِمٌ لارتفاع نسبة الطيّارين..

حتى قبل فترةٍ وجيزةٍ كانت قضية هجرة الصهاينة من فلسطين إلى أوروبا، والتي تُسّمى بالمعجم الإسرائيليّ (الهجرة المُعاكسة) تُقابَل بالاستياء والاشمئزاز من قبل الأغلبية العظمى من الإسرائيليين، الذين كانوا أسرى النظرية بأنّ (أرض إسرائيل)، هي أرض الآباء والأجداد، أرض الميعاد، وأنّها هي الأرض التي وهبها الله للشعب اليهوديّ.

ولكن مع انتخاب حكومة بنيامين نتنياهو السادسة في الفاتح من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، تغيّرت الموازين والمعادلات وتمزّق النسيج المصطنع للمجتمع الصهيونيّ، كمجتمع مهاجرين، وطفت على السطح وبقوّةٍ كبيرةٍ الخلافات والنزاعات بين “أبناء الشعب الواحد”، وعلى نحوٍ خاصٍّ على خلفية الانقلاب الحكوميّ على المنظومة القضائيّة في الكيان، بهدف تمهيد الطريق لإقامة دولةٍ ديكتاتوريّةٍ قائمةٍ على الفوقيّة اليهوديّة.

اليوم باتت قضية مغادرة الكيان والتوجّه نحو الغرب، وبشكلٍ خاصٍّ للدول الأوروبيّة، تتصدّر الأجندة السياسيّة والإعلاميّة في الدولة اليهوديّة، ولم تَعُدْ هذه المسألة بقرةً مُقدسّةً يُحظَرْ على الإسرائيليين تناولها والتطرّق لها، تمامًا كما حدث للخدمة في جيش الاحتلال، وفي هذه العُجالة وَجَبَ التذكير بأنّ آلاف الجنود والضُبّاط في الجيش الإسرائيليّ الاحتياطيّ أعلنوا عن رفضهم الخدمة في جيشٍ يخدِمْ دولةً ديكتاتوريّةٍ، وغدتْ هذه المعضلة تقُضّ مضاجع كبار صُنّاع القرار في تل أبيب لأنّها طالت سلاح الجوّ، الذي يُعتبر دُرّة التاج، علمًا أنّ السواد الأعظم من الطيّارين هم الذين يتبرّعون بالخدمة، وليسوا مُلزمين بها.

وبناءً على ما ذُكِر أعلاه، ليس يكُنْ مفاجئًا البتة أنْ تظهر علامات وإشارات ودلائل تؤكِّد ما حاول قادة الصهيونيّة التستّر عليه وهو انحلال المجتمع وفشل توحيد اليهود-الصهاينة في بوتقةٍ واحدةٍ هي “الأمّة الإسرائيليّة”، والتي كان قد وضع أسسها مَنْ يُزعَم أنّه مؤسس إسرائيل وأوّل رئيس وزراء دافيد بن غوريون.

وفي هذا السياق، وعلى وقع تنامي الهجرة المُعاكِسة من إسرائيل إلى الغرب، قال المُحلِّل شموئيل روزنر في مقالٍ نشره بصحيفة) معاريف( العبريّة إنّ “تنامي أفكار الهجرة العكسيّة بين اليهود مردّها إلى التظاهرات الضخمة، والتحركات لشلّ اقتصاد الدولة، وبدأت كلّ عائلةٍ يهوديّةٍ تُفكِّر بنفسها، مع احتمالات الانتقال والهجرة، معًا أوْ بشكلٍ منفصلٍ، والأرقام محبطة، لأنّ كثيرًا منهم غير مقتنعين بأنّ مستقبلهم هنا، وقد تكون الذكرى الـ 75 لتأسيس الدولة المقبل في أيّار (مايو) حفل وداع لهم، مع تزايد أحاديثهم عن حزم الأمتعة، والمغادرة، طالما أنّ الوضع سيصبح أكثر خطورةً ممّا هو عليه الآن“، على حدّ قوله.

وأضاف أنّ “معظم الإسرائيليين الذين يتحدّثون يفكرون بالمغادرة لأنّهم لا يعرفون مخرجًا آخر، والوضع يضطهدهم، ولاحظوا عمليات ديموغرافية وأيديولوجية تخيفهم، ما يجعل من البيانات التي سنُقدمها هنا مثيرةً، لأنّ أكثر من ربع اليهود في إسرائيل ردّوا بالإيجاب حين سُئلوا عمّا إذا فكروا بمغادرة الدولة، أوْ حثوا أطفالهم عليها، أوْ ما إذا بدأوا بخطوات نحوها، ومن الواضح أنّ الحكومة لا تستطيع اتباع سياسة قائمة على الخوف من مغادرة الإسرائيليين الساخطين“، طبقًا لأقواله.

وأشار إلى أنّ “الأغنياء اليهود يتركون الدولة أكثر من سواهم، وفقًا لاستطلاع أشرف عليه البروفيسور كميل فوكس لعينةٍ تمثيليّةٍ من ألفيْ شخص، ويرى أكثر من ربعهم أنّ المغادرة خيار معقول، وتقول نسبة أصغر بكثير، لكنها كبيرة بـ6 بالمائة، إنّهم بدأوا بالتحرّك بهذا الاتجاه، وبلغة الأرقام فإنْ مليونيْ إسرائيليّ يفكرون بالهجرة، وكلّما زاد دخلهم زاد احتمال تفكيرهم بالمغادرة، لأنّ مَنْ لديهم المال يمكنهم تحمل نفقات الهجرة، ونضيف هنا رقمًا مخيفا آخر، وهو أنّ نفس نسبة الإسرائيليين الذين يُفكّرون بالهجرة، يفكرون بسحب الأموال من إسرائيل“.

وأوضح المُحلِّل أيضًا أنّ  “سبعة بالمائة أكّدوا أنّهم أنفقوا أموالاً بالفعل لشؤون الهجرة، مع أنّ الميل للتفكير بالهجرة يظهر في صفوف أحزاب يسار الوسط ملحوظ للغاية، مقارنة بالوضع في الأحزاب اليمينيّة والدينيّة، حتى إنّ 53 بالمائة من مؤيدي حزب (يوجد مستقبل) برئاسة رئيس الوزراء السابق يائير لابيد، ثاني أكبر حزب، فكّروا بالهجرة، أوْ اتخذوا خطواتٍ نحوها، أمّا حزب المعسكر الوطنيّ، بقيادة الجنرال بالاحتياط بيني غانتس، فإنّ نسبة المفكّرين بالهجرة يزيد قليلاً على الربع“، على ما نقله المُحلِّل عن مُعِّد الاستطلاع البروفيسور فوكس.

يُشار إلى أنّه وفق آخر استطلاعٍ رسميٍّ صدر في الكيان فإنّ عدد سُكّان الدولة العبريّة وصل إلى 9.3 مليون شخصٍ، وذلك يشمل القدس العربيّة المُحتلّة والجولان العربيّ السوريّ المُحتّل، بالإضافة إلى أنّ أكثر من مليونيْ شخصٍ من مواطني إسرائيل هم من العرب الفلسطينيين، الذين بقوا داخل ما يُسّمى بالخّط الأخضر عقب النكبة التي حلّت بالشعب العربيّ الفلسطينيّ في العام 1948.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى