تحليلات سياسيةسلايد

برغم عودة حمدوك.. هل يتجه السودان إلى ديكتاتورية أخرى؟

قمعت السلطات في السودان الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية بوحشية وسط دعوات لمزيد من انخراط المجتمع الدولي لحل الأزمة، حسب ما يخلُص إليه تقرير للكاتبة أشا أسوكان، نشره موقع مجلة «ريسبونسبل ستيتكرافت» التابعة لمعهد كوينسي الأمريكي لفن الإدارة الرشيدة.

تستهل الخبيرة في مجال السلام والأمن الدوليين تقريرها بالإشارة إلى أن قوات الأمن في السودان قتلت ما لا يقل عن 14 متظاهرًا وأصابت العشرات يوم الأربعاء الماضي، مع استمرار الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد ضد الانقلاب العسكري الأخير هناك، وبرغم عودة رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك لمنصبة بحسب ما أعلن في وسائل الإعلام مؤخرًا؛ إلا أن التساؤل بشأن مصير السودان لايزال مطروحًا.

الاستخدام المفرط للقوة

وأوضحت الكاتبة أن الجيش السوداني قتل سبعة متظاهرين وثلاثة أطفال، وأصاب مئات آخرين بالرصاص الحي خلال الاحتجاجات في 13 نوفمبر (تشرين الثاني).

وتشير التقارير الواردة من جميع أنحاء البلاد إلى استخدام الجيش المفرط للقوة، بما في ذلك الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع، كذلك تعرض عديد من المتظاهرين للاعتقال التعسفي بل الاعتداء عليهم أيضًا في المستشفيات، حيث تعرض الأطباء والطواقم الطبية للضرب والاحتجاز.

بالإضافة إلى ذلك، أغلق الجيش الطرق وجميع الجسور الرئيسة المؤدية إلى الخرطوم قبل الاحتجاج، الأمر الذي شكل تحديًا في نقل المتظاهرين المصابين، وقُطع الاتصال بالإنترنت في جميع أنحاء السودان منذ الانقلاب على الرغم من أمر المحكمة باستعادته، وفي هذه الأثناء، ورغم الخسائر والشدائد، فإن العصيان المدني في جميع أنحاء السودان لدعم الديمقراطية يزداد قوة.

تاريخ طويل من الانقلابات

وتطرَّقت الكاتبة إلى تاريخ السودان الطويل من الانقلابات وطريقه الوعر نحو الديمقراطية، مشيرة إلى أن السودان شهد 35 محاولة انقلاب منذ عام 1956 حتى 2021 (بما في ذلك المؤامرات)، ونجح ستة منها.

وفي عام 1989، قاد عمر البشير الإطاحة العسكرية بحكومة الصادق المهدي المنتخبة ديمقراطيًّا وخلال 30 عامًا من ديكتاتورية البشير من 1989 إلى 2019، أصبح السودان سريعًا مركزًا لما أسماه التقرير (الراديكالية الإسلامية) عندما استضاف أسامة بن لادن، وهو ما أدَّى إلى عقوبات أمريكية ودولية ضد السودان دامت عقدًا تقريبًا.

ووفقًا للتقرير، أدَّى فرض الشريعة الإسلامية في مختلف أنحاء البلاد في ذلك الوقت إلى تعزيز الحركة القومية في الجنوب، ذلك أن الحركة، التي روَّجت في البداية لتطلعات سكان الجنوب في سودان موحد، غيَّرت مسارها بعد وفاة النائب الأول للرئيس جون قرنق في حادث تحطم طائرة هليكوبتر في عام 2005.

وأدَّى ذلك إلى استقلال جنوب السودان في عام 2011، وفقدان المصدر الرئيس للإيرادات في السودان – النفط- الذي تقلص بنحو 75%، وعلاوةً على ذلك، أدَّت الاضطرابات والفظائع في دارفور وجنوب كردفان وولايات النيل الأزرق، والفساد في جميع أنحاء السودان، بما في ذلك البطالة والفقر، إلى تدهور الاقتصاد السوداني باستمرار، وهو الأمر الذي أدَّى بدوره إلى ارتفاع نسبة التضخم لتصل إلى 70% تقريبًا في عام 2018.

ولتجنب الانهيار الاقتصادي الكامل، فرض الرئيس البشير ورئيس الوزراء حسن صالح في عام 2018 تدابير تقشف طارئة، وخفَّضوا دعم الوقود والخبز؛ وهو ما أدَّى إلى احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء السودان، مما دفع الجيش إلى اعتقال الرئيس البشير وإطاحة الحكومة، ثم علَّق الجيش الدستور في أبريل (نيسان) 2019، وفرض حالة الطوارئ وشكَّل حكومة انتقالية بقيادة الجيش تحت اسم المجلس العسكري الانتقالي.

وأدَّت الاحتجاجات الواسعة للمطالبة بحكومة مدنية بعد ذلك إلى إنشاء مجلس السيادة الانتقالي المؤلف من المجلس العسكري الانتقالي بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقوى إعلان الحرية والتغيير التي يقودها المدنيون، ووفقًا للاتفاق، وافق كل من المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير على تقاسم السلطة لمدة 39 شهرًا، مع إجراء انتخابات في نهاية تلك الفترة، وبموجب الاتفاق يتولى جنرال قيادة مجلس السيادة أول 21 شهرًا، ويتولى المدنيون المسؤولية خلال الأشهر الثماني عشر المتبقية.

السودان: نهاية التحالف العسكري المدني

وأضافت الكاتبة أن شهر العسل المتوتر هذا لم يدم طويلًا؛ فمنذ إنشاء مجلس السيادة في 2019، وقعت عدة محاولات انقلاب فاشلة وانتهى التحالف العسكري-المدني الهش في نهاية المطاف في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، عندما حلَّ الجنرال البرهان مجلس السيادة وعلَّق العمل بعديد من المواد الدستورية، واعتقل زعيمًا مدنيًّا، رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وأعضاء قوى الحرية والتغيير، وقد وقع الانقلاب قبل أسابيع من الموعد النهائي لتسليم قيادة مجلس السيادة لزعيم مدني في 17 نوفمبر.

وفي 11 نوفمبر، أعلن البرهان عن مجلس السيادة الجديد المكون من 14 عضوًا، وعيَّن نفسه رئيسًا للمجلس، وأعاد تعيين محمد حمدان دقلو نائبًا له، ودقلو أو حميدتي هو قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية التي يرهبها كثيرون، وهي القوات المتهمة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق في السودان، بما في ذلك الجرائم ضد الإنسانية في دارفور وغيرها من الفظائع، بينها الاغتصاب، ضد المتظاهرين.

المجلس الجديد

ونوَّهت الكاتبة إلى أن المجلس المعين حديثًا يتألف من ممثلين مدنيين، لكنه أثار قلق دعاة الديمقراطية لأنه يستبعد أعضاء المجلس من التحالف السابق الذي يتقاسم السلطة مع الجيش خلال الفترة الانتقالية بعد عام 2019، ويتألف المجلس المعين حديثًا أيضًا من منتسبين من حزب المؤتمر الوطني الذي يُفترض أن يكون محظورًا، وهو الحزب الذي هيمن على السياسة السودانية في عهد البشير قبل ثورة 2019.

وعلاوةً على التوترات السياسية، يمر الاقتصاد السوداني بأزمة عميقة؛ إذ ارتفع معدل التضخم من 70% في 2018 إلى 422.7% في يوليو (تموز) 2019، و365.8% في سبتمبر (أيلول) 2021 وأدَّت الأزمة إلى نقص الغذاء والوقود والأدوية الأساسية.

ولإخراج السودان من الأزمة الاقتصادية، خصَّص صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في سبتمبر نحو ملياري دولار في شكل مِنح لدعم جهود السودان الرامية إلى الحد من الفقر وتعزيز النمو، كما وعدت واشنطن بتقديم 700 مليون دولار من المساعدات، ولكنها، إلى جانب البنك الدولي، أوقفت كل الدعم المالي بعد الانقلاب العسكري كذلك علَّق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان على خلفية الانقلاب العسكري.

التأثير ورد الفعل الإقليمي والدولي

ولفت التقرير إلى أن عدم الاستقرار يؤثر أيضًا في اللاجئين وطالبي اللجوء، ذلك أن السودان يستضيف أحد أكبر تجمعات اللاجئين في أفريقيا بأكثر من 1.1 مليون لاجئ من جنوب السودان، وإريتريا، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وإثيوبيا، وتشاد، وسوريا، واليمن.

وترى الكاتبة أن القوى الإقليمية مثل مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، لديها جميعًا مصلحة في السودان وتربطها علاقات جيدة مع الجنرال البرهان بسبب الجغرافيا السياسية في المنطقة، بما في ذلك الخلاف مع إثيوبيا حول سد النهضة والسيطرة على البحر الأحمر، والمرتزقة من السودان الذين يدعمون الحرب الإماراتية والسعودية في اليمن؛ ومع ذلك، وبسبب النفوذ الأمريكي، أدانت دول الخليج الانقلاب علانيةً ودَعَت إلى إعادة الحكومة الانتقالية.

وفي الأسبوع الماضي، استفادت واشنطن من علاقاتها مع القادة الإقليميين مثل مصر والإمارات والسعودية للتأثير في الجنرال البرهان والقيادة العسكرية لاستعادة الحكم المدني والطريق إلى الديمقراطية، ويتعين على إدارة بايدن الاستمرار في الانخراط على جميع المستويات لحمل البرهان على إطلاق سراح المعتقلين وتسليم قيادة مجلس السيادة إلى المُكوِّن المدني.

وكذلك ينبغي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يوجه رسالة قوية وموحدة ضد الانقلاب العسكري، خاصة وأن روسيا رفضت تسميته بانقلاب عسكري، ويُعد السودان أحد أكبر أسواق الأسلحة الروسية في أفريقيا، وتعيد الخرطوم وموسكو التفاوض بشأن اتفاق وُقِع في ديسمبر (كانون الأول) 2020 لإنشاء قاعدة لوجستية بحرية روسية في بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.

وبدورها، يجب أن تعمل البعثة السياسية الجديدة للأمم المتحدة في السودان ووكالات الأمم المتحدة أيضًا، على ضمان استمرار رصد والحديث عن حالة حقوق الإنسان وحماية المدنيين من الوحشية العسكرية والعنف.

وتختم الكاتبة تقريرها بالقول إن الشعب السوداني يواصل جهوده الشجاعة لإرساء الديمقراطية، رغم التحديات والفظائع العسكرية، والتي تشمل العنف الجنسي. ومع ذلك، يتعين على الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي تقديم دعمهم للشعب السوداني وذلك بُغية النجاح في إيجاد حل للأزمة.

ساسة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى