بعد فخّ عفرين لا خلاص الا بإتفاق دمشق والكرد

 

ثلاث سنوات على مأساة عفرين  ،ثلاث سنوات على بكاء الأطفال و دموع الأمهات و قهر الرجال ، يوم عبثت أيادٍ آثمة بأمان منطقة عفرين و اقتلعت أهلها لتلقي بهم في مهاوي التهجير .

الألم كبير لا يوصف ، و لا يحسّ به إلّا من عاش تلك الأيام واقعاً و شاهد بعينه التغريبة العفرينية و أحلام العفرينيين تتبعثر على طريق جبل الأحلام ( جبل الأحلام يقع في ناحية شيراوا و هو الطريق الذي سلكه العفرينيون أثناء تهجيرهم من عفرين ) .

فقبل ثلاث سنوات و تحديداً في 18 آذار 2018 تمكن الجيش التركي من احتلال منطقة عفرين السورية ( 65 كم شمال غرب حلب ) بعد معركة استمرت 58 يوماً ، و لأن معركة عفرين لم تكن مجرد جولة من الحرب السورية ( و التي أكملت عامها العاشر قبيل أيام ) ،إنما كانت باكورة المعارك و الأحداث المولودة من رحم مسار أو منصة الأستانة ( انطلق مسار الأستانة  في كانون الثاني 2017 و ضمت روسيا و تركيا و إيران ) ، و الذي من المفترض أنه أُنشِأ بهدف تثبيت وقف إطلاق النار و مراقبة و توسيع مناطق خفض التصعيد و الدفع باتجاه تحقيق تقدم في العملية السياسية !!

فسنحاول تقديم قراءة عن واقع الربح و الخسارة إثر معركة عفرين مع التركيز على دول مسار الأستانة الثلاث :

أولاً إيران :

قبل احتلال عفرين كانت إيران صاحبة الكلمة العليا في حلب و ريفها ( و تحديداً الشمالي ) حتى في أصعب المراحل التي مرت بها حلب ( قبيل أيلول 2015 ) وقتئذ كانت فصائل المعارضة المدعومة تركياً تسيطر على حوالي ثلثي أحياء حلب المدينة ، و تقريبا كامل ريفها ،وحدها عفرين كانت الاستثناء و بقيت خارج السيطرة التركية و تحولت لواحة آمنة احتضنت المدنيين السوريين على مختلف طوائفهم و أعراقهم ، إضافة إلى أنها كانت بمثابة الرئة الوحيدة لبلدتي نبل و الزهراء وأمدّت أهالي البلدتين بالمواد الغذائية و المشتقات النفطية رافضة المشاركة في حصارهما أو المشاركة في محاولات فصائل المعارضة اقتحام البلدتين ، الأمر الذي سهّل مهمة ترك مئات الشباب من أهالي نبل و الزهراء أهلهم و ديارهم و الانتقال جواً إلى مدينة حلب لمنع فصائل المعارضة من السيطرة عليها بشكل كامل وكانوا مطمئنين على أهلهم و منازلهم .

من المفيد التذكير بدور أبناء عفرين المرابطين في مدينة حلب  و تحديدا حيي الأشرفية و الشيخ مقصود اللذين يتمتعان بموقع استراتيجي مشرف على كامل أحياء حلب ) في منع سقوط حلب المدينة بشكل كامل و المساهمة لاحقاً بمعارك تحرير أحياء حلب في شباط 2016 ،  كما من المهم التذكير بأن  عدداً من أبناء نبل و الزهراء ممن يجيدون استخدام أسلحة مضاد الدبابات شاركوا في دعم جبهات حيي الشيخ المقصود و الأشرفية .

من نافل القول إنه طالما طريق عفرين – نبل و الزهراء بقي مفتوحاً طيلة ثلاث سنوات ( فترة حصار البلدتين ) فهذا يعني بالضرورة حضوراً إيرانياً في عفرين ، و على الرغم من أنّ هذا الحضور لم يتوقف بعد الاحتلال حيث كانت إيران تقدّم المساعدات الإنسانية للمدنيين العفرينيين المهجرين القاطنين في مخيمات على تخوم عفرين ( الزيارة – فافين – تل رفعت – كفرنايا ) ، و لكن شتان ما بين تواصل و حضور في جبال راسخة كجبال عفرين و ما بين تواصل و حضور في خيمة يسْهُلُ اقتلاعها و الانتقال بها من مكان إلى آخر . فلا ننسى أنه بعد احتلال عفرين بأربعة أشهر تم تهجير أهالي كفريا و الفوعة ( ريف ادلب ) لتنضم البلدتان السوريتان إلى شقيقتهما عفرين وتصبحا تحت الاحتلال التركي .

ثانياً روسيا :

إن قيام روسيا بسحب قواتها من عفرين كان بمنظور المدنيين العفرينيين بمثابة الطلقة الأولى التي أطلقت في معركة احتلال بلدتهم ، بغض النظر عن المبررات الروسية التي أرجعت ذلك الانسحاب والصمت الروسي على العدوان التركي تارةً لفشل المفاوضات التي أجرتها القيادة الروسية مع الادارة الذاتية و تارةً لضرورات تكتيكية هدفها تأمين محيط العاصمة السورية و تحديداً الغوطة و تارةً لضرورات استراتيجية هدفها استمالة تركيا و زعزعة حلف الناتو . ثمة من راح يقول إن  مسار الأستانة  تحوّل إلى مكان ترسم فيه خرائط لتحديد الأراضي السورية المسموح لتركيا باحتلالها.

كل ذلك أدّى إلى نكسة وجدانية كبيرة لم تشهدها سابقاً العلاقات بين الكرد و روسيا ، و لم يتوقف الأمر عند الكرد بل تعداه ليشمل قسماً من الجمهور المؤيد للدولة السورية و باتت أسئلة كثيرة تُطرح في الشارع السوري عن تكرار السيناريو القبرصي و إنشاء دولة في الشمال السوري بإشراف تركي على غرار دولة شمال قبرص  ( قبرص التركية ) بعد التمدد التركي و قضم أراض سورية الواحدة تلو الأخرى بدءاً من جرابلس 2016 وعفرين 2018 ( بضوء أخضر روسي ) وصولاً إلى تل أبيض و رأس العين 2019  ( بضوء أخضر أمريكي ) .

هذا على الصعيد الشعبي أما على الصعيد الرسمي فبعد احتلال تركيا لعفرين توترت العلاقة بين قيادة وحدات حماية الشعب و بين روسيا ، و أصبح غياب الثقة هو الناظم الوحيد لهذه العلاقة ، أي أن ضرراً كبيراً أصاب الرؤية الروسية للحل السياسي للأزمة السورية و التي كانت تلحظ دوراً مهماً لوحدات الحماية باعتبارها قوة عسكرية منضبطة غير متطرفة و لم تتبن خيار رفع السلاح في وجه الجيش السوري .

في قراءة للخارطة السورية بعد احتلال تركية “العضو في حلف الناتو” لمنطقة عفرين يتبين أن الشمال السوري من ديريك ( المالكية ) في أقصى الشمال الشرقي لسورية مروراً بجرابلس و اعزاز و عفرين وصولاً إلى ادلب و ريف اللاذقية الشمالي بات تحت سيطرة حلف الناتو .

ثالثاً تركيا :

” إنه أحد الأيام المجيدة ليس فقط في تاريخ الجمهورية التركية، بل يتعداها إلى تاريخ السلطنة العثمانية ” بهذا الوضوح وصف الساسة و الاعلام التركي ( المؤيد لحزب العدالة و التنمية ) الإعلان عن نجاح الجيش التركي في احتلال عفرين يوم 18 آذار 2018 ( بالتزامن مع الذكرى الثالثة بعد المئة لتمكّن العثمانيين من التصدي للهجوم الفرنسي البريطاني على مضيق «جاليبولي/ جناق قلعة».

استناداً إلى هذا الوصف يتضح لنا أن تركيا هي الرابح الأكبر من معركة عفرين فكما اعتبرت معركة جناق قلعة إحدى أهم العوامل التي ساهمت في خروج تركيا بأقل الخسائر من الحرب العالمية الأولى و تبعات انهيار السلطنة العثمانية ، فمسار الأستانة و باكورة نتائجه معركة عفرين أعطت الموقف التركي دفعةً قوية و أنقذته ( أقلّه حتى الآن ) من دفع أثمان تحويل مدن و بلدات سورية إلى مستنقعات إرهابية إجرامية و بالتالي الغوص في المستنقع الذي صنعته أياد تركية بأموال قطرية .

بل على العكس فبعد تمكّن تركية من احتلال عفرين و شعورها بفائض قوة   ، بدأت المؤسسة العسكرية التركية بفتح عدة جبهات ، فمن احتلال تركية لمدينتي رأس العين و تل أبيض في شمال شرق سورية إلى جبهة طرابلس الغرب في ليبية إلى جبهة ناغورني كراباخ بين أرمينية و أذربيجان و أخيراً و ليس آخراً إلى جبهة اليمن .

ماذا عن الأطراف الرئيسة الثلاثة : الدولة السورية – الكرد السوريين – الائتلاف السوري المعارض ؟

1-  الدولة السورية، وعلى الرغم من مرور عقد على الحرب، مازالت مؤسساتها متماسكة ( أهمها المؤسسة العسكرية و الأمنية ) و ماتزال تحظى بحاضنة شعبية داعمة  : في المنطقة لكن:

– خسارة عفرين تعني خسارة ثقل جغرافي شعبي كان يمنع استكمال الطوق التركي على شمال غرب سورية عبر منع اتصال المناطق المحتلة في ادلب و ريف اللاذقية الشمالي بالمناطق المحتلة في ريف حلب الشمالي ( اعزاز – مارع – الراعي – الباب – جرابلس ) .

-خسارة عفرين تعني خسارة الدولة السورية لقوة عسكرية تؤمن بوحدة سوريا ، و بأهمية الحفاظ على المؤسسة العسكرية السورية و هذا تجلّى بوضوح إثر قيام وحدات حماية الشعب بفتح ثغرة لتأمين عناصر حامية لمطار منّغ إلى عفرين قبل تمكن الفصائل المعارضة المسلحة (والتي كانت داعش وقتئذ إحدى أهم تلك الفصائل) من السيطرة على كامل مطار منغ 2013 . وبعد علاج عناصر الحامية في عفرين قامت وحدات الحماية بتأمين نقلهم إلى نبل و الزهراء .

– عفرين خزّان زراعي و صناعي هام للاقتصاد السوري ، (و المعنيون بالاقتصاد لاحظوا حجم الضرر الذي أصاب الاقتصاد السوري عموماً و الاقتصاد الحلبي بعد احتلال عفرين .

إذاً فالدولة السورية خسرت إثر احتلال عفرين : الجغرافية و الاقتصاد و الأمن الاستراتيجي .

2- الكرد : ( عندما نتحدث عن الحالة الكردية فنقصد بها المدنيين كحالة شعبية ،  أمّا سياسياً و عسكرياً فنقصد وحدات حماية الشعب في عفرين و قادتها لأنهم يمثلون التيار الوطني الكردي الشعبي الأوسع )

احتلال تركيا لعفرين و ما نتج عنه من عملية تغيير ديمغرافي ممنهج عبر قتل و اختطاف و تهجير مئات الآلاف من المدنيين الكرد و الاستيلاء على المنازل و العقارات و الأراضي و قطع آلاف أشجار الزيتون و حرق المحاصيل و فرض أتاوات ، يعتبر أكبر خسارة للكرد السوريين ، حيث لم يعرف تاريخ سوريا خسارة الكرد للجغرافية كالتي جرت في عفرين ، و لأول مرة بات الكرد السوريين أمام خطر وجودي حقيقي .

3-  الائتلاف الوطني المعارض : مواقف قادة و أعضاء الائتلاف  أدت الى فداحة الخسارة في تلك المنطقة الحيوية من سورية لصالح تركيا. فمنذ تشكيل الإئتلاف  عام 2012 تحوّل ابرز رموز المعارضة الى موالين للرئيس التركي ونصّبوه سلطانا عليهم وعلى قراراتهم.  يكفي كدليل على كلامنا أن نذكّر بالاحتفالات التي شهدتها المناطق السورية الخاضعة للاحتلال التركي إثر فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية 2018 و التي لم تشهد مثلها المدن و المناطق التركية ، و صور أردوغان التي ملأت المدن و البلدات السورية أكثر مما كانت في المدن و البدات التركية إضافة طبعا الى الاقبال على تعلم اللغة التركية  أي لغة الاحتلال  .

خلاصة القول

اولا: إن   تركيا أكبر المستفيدين ، و إيران أكبر الخاسرين والدولة السورية والكرد خسروا ومالعارضة اندثرت ، ولذلك السؤال المفصلي هو التالي  : هل كانت معركة عفرين فخاً خطط له حلف الأطلسي الناتو   و نفذته تركية ؟و هل سقطت روسيا  وإيران والدولة السورية فعلاً في الفخ الأمريكي ؟أم أن الفخ كان روسياً أمريكياً ضد محور المقاومة ؟

ثانيا: بما أن الدولة السورية والكرد خاسرون، فهل نشهد احتضانا من الدولة للكرد واعادة قراءة كردية عميقة للأخطاء، والبدء بحوار سياسي  يرتقي للدماء المشتركة التي ريقت في معارك الخندق الواحد للتصدي للاحتلال التركي و أدواته ، و يرتقي لآلام و آمال السوريين ، و إسكات بعض الأصوات التي تتبنى خطاباً تحريضياً عنصرياً يستهدف عموم الكرد السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم و مواقفهم .

لا سبيل للخلاص الا بهذا، وربما على الكرد حزم أمرهم والتوجه الى دمشق، فغير ذلك يعني خسارة الكرد وخسارة جزء من الأرض والشعب السوريين. ولعل التنافر الإقليمي والدولي المستجد لا يُبشر حاليا بأي خير .

خمس نجوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى