نوافذ

بين الحب والسياسة

خاص

 عمان ــ الأردن

بين الحب والسياسة..  ثمة روايات لا أرغب في الانتهاء من قراءتها، تتوحد معها بعد أن تشدك، هذه القاعدة تنطبق على رواية الدكتور وليد سيف المعنونة: ملتقى البحرين، والرواية من القطع الصغير يمكن الانتهاء منها في ليلة واحدة، عدد صفحاتها ما يقارب 200 صفحة.

كانت قمر الجارية محور الرواية ختمتها باستعادة ذاتها كسلمى الفتاة الحرة، التي صارت زوجة السلطان.

تبدأ الحكاية من سوق النخاسة والجواري، فتاة آية في الجمال، ذكية، تملك معرفة ولغة وبلاغة وصوت جميل، تلفت نظر الجميع.

يعود السلطان من أحد حروبه، منتصرا، تبحث  زوجة السلطان له جارية للتسرية عنه، بعد طول تعب وشقاء، يقع الخيار على قمر !

يدخل السلطان مكدر المزاج، وتدخل الجارية مع عقلها معركة الانتقام، للسيطرة، تحاول كسر حالته المزاجية، بما تملك من مواهب، لكنها تفشل، تستخدم أسلوباً مضاداً، تثير عقليته، يُعجب بها، و يجاريها في حوارها.

الحوار، قمة في البلاغة وغير متوقع، لم أجده من قبل في رواية عربية معاصرة، حواراً بلغة فصيحة وبليغة.

تدخل الجارية في مساحات العزلة التي يحيط السلطان بها ذاته، من الفراغ العاطفي إلى البحث عن الحب، ومن شخصية الديكتاتور الطاغية الذي تخلى عن حلمه بعد انقلابه على السلطان لتحقيق العدل والمساواة، إلى القلب الذي يستعيد نبضه.

تستكشف الجارية قمر ، المحرمات في عقله، تثير الأسئلة، أسئلة الحياة والسلطة، الحرية والعدل، والمساواة، والنساء، والحب، والفراق، والاشتياق والبُعد.

تخرج منتصرة وحليفة لعقله وقلبه، تنتقل من كونها جارية لتصير حبيبة، أحبها كما لم يفعل من قبل، وأحبته كما لم تفعل من قبل.

قمر بالأصل اسمها سلمى، اقتيدت كجارية بعدما قتل جنود السلطان أبويها أمام ناظريها، كبرت على فكرة الانتقام وكبرت معه، لتتفق مع حبيبها المعلم على الثورة ضد السلطان، تعاهدا على ذلك.

يستكبر السلطان على نفسه الاعتراف بحب جارية، لكنها شعرت به، يبتعد عنها، تشتعل النيران في قلبيهما، ما جعلها تنتظر اللحظة، وتعد الأيام .

يلعب السلطان كرة الصولجان، يظهر مواهبه أمام العامة، يقع عن حصانه، ويصاب، تركض قمر، تفرق الجمع، تبدأ بإسعافه، وتنجح في ذلك.

في هذه الأثناء، يزداد إعجابه بها، يدخلان معاً في حوارات عميقة بين الفلسفة والعشق، ومن باب تبادل الأدوار، تغيب قمر، يفتقدها، كانت مريضة فيصير حبيبها طبيبها، إذ يعلن لها ما يجول في قلبه.

أما قلبها، فكان مقسوماً بين ثنائية الحب والعهد، حب السلطان وعهد المعلم، فالمال الذي يغرقها به السلطان هو المال الذي يُوجه للمعلم لقيادة الثورة ضد حبيبها، وأبو طفلها، ولي العهد القادم .

تصاب زوجة السلطان بداء الغيرة، تحاول التخلص من الجارية، لكنها تلقى تهديدا مباشرا من السلطان رفقة التابعين لها.

تشتعل الثورة بقيادة المعلم، حبيب قمر الأول الذي عاهدته، لكنها تدافع عن المعلم، تقول للسلطان إن أسبابها تعود إلى ظلم حاشية السلطان، ما يراه، ليس حركة شطار وعصابات، بل عدم عدالة وظلم وقهر و وجع.

تدخل قمر والسلطان في أحاديث السياسة والعدل والقوة والسلطة، ينشق الكثير من الناس ويتبعون المعلم في الجبال، يفشل السلطان في اغتياله، لكن دون جدوى.

يقتل المعلم على يد أتباعه بعد انشقاقهم عليه، إذ رفض أن يصالح العدو ضد وطنه، حتى وإن كان من يقود الثورة السلطان الذي ينزل غضب انتقامه على من قتله شديداً، فقد كان المعلم خصماً قويا للسلطان، لكن الأخير يرى الخصومة بعين الرجولة والفروسية والشرف.

هنا تكون ذروة الرواية  إذ تبدأ حركة مضادة ضد السلطان، بعدما استعاد حلمه القديم بالعدل والمساواة، استعاد أموال الخاصة والمسؤولين والأثرياء، ردها إلى بيت المال، خفف عن الناس واستبدال القضاة والحجاب وقادة الجيش بآخرين أكثر عدلاً وقربًا من الناس.

الحركة التصحيحية لقيت ترحيبا من العامة، عملت على إطفاء نيران الغضب، بعدما أخذ بنصيحة سلمى الحرة، زوجته.

يركض قائد الجند، مُعلما أن انقلاب في القصر يقوده الحاجب ومجموعة من المسؤولين والشخصيات ضد السلطان بعد عزلهم والسيطرة على أموالهم.

يلبس السلطان ملابس القتال ويبدأ يدافع عن مملكته وسلطانه، قبل هذا يُهرب ابنه يحيى و حبيبته سلمى، من سرداب أمن، وتترك النهاية مفتوحة يشكلها القارىء كما يشاء .

الرواية إسقاط جميل واقعي، بعض الحكم مشكلته تتأتى من داخله لا من أطرافه، ممن يحيط به، من أقرب الناس إليه لا أبعدهم عنه، ممن يعتبرون خاصة الخاصة لا من العامة.

شكرا وليد سيف.

ــــــــــــــــــــــ

خالد عياصرة كاتب وصحفي أردني كتب في الصحافة العربية ورئس تحرير موقع ألكتروني ـ يحل ضيفا على موقع بوابة الشرق الأوسط الجديدة في هذا المقال عن رواية وليد سيف (ملتقى البحرين ) .

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى