بين دهشة السيمولوجيا والبولوفونية في “مينوراه”

 

لا يضع المؤلف العنوان اعتباطاً لأنه أول ما يواجه به المتلقي والإعلام والنقاد، وهو غالبا يعطي إنطباعاً أوليا عن النص، وهنا يشع ضوء “مينوراه” روح القدس التي تسري في بني إسرائيل.

إلا أنك تجد هيمنة العنوان مكسورة حيث لا يصلك أي ربط بين الرواية والعنوان إلا بعد أن تجتاز منتصفها تقريبا، ولكن تأتي حرفية الكاتبة إيمان الزيات من كونها تؤسس لفكرة بسيمولوجيا تصيب القارئ بدهشة عند معرفته العلاقة بين العنوان والأحداث، فيفتح فاه ويقول “كيف وصلت إلى هذا العنوان، وكيف صدرت لنا كل هذا الكره التاريخي للصهيونية والماسونية وأن الصهاينه وراء كل كوارث العالم وهم الصناع الحقيقيون للإرهاب، وكيف أسقطت إيمان وربطت بين فطيرة الدم والفكر الداعشي، فالماسونية والصهيونية هم صناع الدم”.

أحسنت الكاتبة المـُثقفة والمثقِفة لغيرها، الإختيار كما سيتضح من خلال الولوج لعالم إيمان الزيات المسحور ولغتها السرديه الخاصة التي تجعلك تلهث وراءها من صفحة 9 إلى صفحة 232 . أرهقتيني إيمان الزيات .

تتبع النقش وإقرأ

افتح الرقعة واقرأ

اضغط الزر واقرأ المهم أن تفكر كثيرأ بعد  أن تقرأ ……..

الرواية بها معلومات مؤكدة، وأكثرت الكاتبة من إدخال مصطلحات العلوم الإنسانية. وأعجبني جدا مشهد الموت في نهاية فصل من الفصول، وبداية الفصل الذي يليه بعنوان “الله حي”

وهذا بالفعل ما حدث بعدما قرأت “مينوراه” بكيت وصرخت في داخلي وتمزق قلبي وتردد في عقلي إلى متى؟ إلى متى نترك هؤلاء الصهاينه وكيف نتقبل الماسونية الفاجرة والبوهيمية وعباد  الشيطان يتحكمون في عالمنا النقي البرئ ويدنسونه ويتلون كل ما هو طاهر “اقتل الصالح من غير اليهود” (التلمود).

بهذه المفتتحات افتتحت الكاتبة فصول روايتها، وبإهداء رقيق في البداية إلى كل من علمائنا الأجلاء الذين قتلهم الغدر وهم علي أبواب فتوحاتهم العلمية المذهلة. نعم إيمان فهمتُ الإهداء بعدما انتهيت من الروايه  معك حق.

قصتان متوازيتان بطريقه فصل وفصل لا رابط بينهما نهائيا ولكنك تنتقل بينهم بسلاسة، وسرعة وعدم تداخل في الأحداث القصة الأولى تدور في أميركا حيث إنها المقصودة، ووضح الغلاف تمثال الحرية بشعلته المشهورة ولكنها مكسورة (سيمائيه واضحة) دلاله على أنه لا حرية في بلد شعارها الحرية، بلد يحركها اليهود ورأس المال كمل تقول الكاتبة في ختام رائعتها “هنا تنتهي رحلتي وتبدأ رحلتك الخاصة”، وتحث قراءها على الحرص وتعتذر عن بشاعه سطورها الحقيقية شجرة الغرقد لا تحمي إلا اليهود.

القصة الثانية تدور في مدينه الإسكندرية وبالتحديد حي بحري بكل تفاصيله السكندرية، بكل نبضات الحب الأول وخفقات قلب الفتيات وسوق العيد ومولد سيدي المرسي أبو العباس  وحضرات الأولياء والمراجيح، فتكون صورة فلكورية ناصعة واضحة لكل ما هو سكندري.

بدأت بأميركا وانتهت بمشهد الغروب في بحري في نهاية دراميه غاية في الروعة والألم لعالمة مصرية تحدت الصعاب ووصلت لإنتاج مصل لمرض عضال بعد أن أصيبت به نتيجة لرهان حاقد أميركي تحداها في علمها للتخلص منها. وبين استخدام تقنيه الفلاش باك للعالمة السكندرية تسرد  البطلة قصتها بأدق التفاصيل.

الإيقاع يسير دون ملل، دون ارتباك، محكم البدايات والنهايات برغم تعدد الشخوص والإنتقال ما بين أميركا والإسكندرية بسرعه ومهارة فائقة لم تكتفِ الكاتبة بالقصتين المتوازيتين، ولكنها خلقت لكل شخص من شخوص الرواية قصته  وخاصة أفراد المكتب الفيدرالي في التحقيقات، وقصة كل منهم وكذلك قصة الحب الرائعة بين آدم المسلم وجينفير زميلته في العمل.

تعدد بولوفوني في السرد والأماكن والأزمنة، حيث يحتار القارئ بين التعاطف وبين الرومانسية، وبين الحقد والحب والكره مشاعر متعددة ومشاهد متعددة ووصف دقيق موثق بالمستندات لأحداث تاريخية، وكذلك هوامش مساعدة للمعرفة، لكاتبة مثقفة في العلوم الإنسانية بدرجة الدكتوراه.

تناولت إيمان الزيات في روايتها  قضايا عديدة منها: ختان الإناث في جزء الطفلة صديقة مونيكا (نجلاء). الشذوذ والألم النفسي المصاحب له في قصة (الشامية) تأثير السوشيال ميديا  علي المراهقين (ألعاب تعذيب وأذية الذات) التدني في الزوق وأغاني المهرجانات. الزحمة والضوضاء، الفقر والعوز.

رصدت إيمان الزيات قضايا مصرية مهمة أثناء تجولها بعد غربة في شوارع الإسكندرية المتحولة، وكذلك رصدت ثقافات الغرب التي تدين الإسلام وتوصمه بالفكر الإرهابي المتطرف  ومحاربة كل ما هو عربي ومسلم.

الرواية أبهرتني حقا بتلقائية كاتبتها وتوغلها في عمق الأحداث، وكأنني أشاهد فيلما سينمائيا  يمر أمامي علي الشاشة، فبكيت ريبكا الطفلة الطاهرة التي عذبها اليهود وصنعوا من دمها فطيرة الدم المقدسة، وتعاطفت مع صديقتها ايرين التي لم تكتم سرا خوفا من عذاب الضمير، وأحببت آدم الشاب المصري الأميركي المسلم، وكرهت كل ماهو يهودي، نعم أنا أمقت اليهود  بكل ما أملك من قوة على الكره والبغض؛ شردوا الأنبياء وسرقوا وقتلوا واستحلوا الدماء واعتدوا  قاتلهم الله وانتقم منهم انتقام عزيز مقتدر.

كما اتضح الدراسة المتعمقة في علم التشريح الجنائي بأدق تفاصله، فقد اجتهدت الكاتبة إيمان الزيات في تعلم كل فنون التشريح واستنباط القرائن والدلائل. كما تعمقت في كل ما أحيط بحادث 11 سبتمبر/أيلول من تفاصيل، وأعتقد أنها درست هذه الحادثة دراسة مفصلة موثقة لأن الرواية بها معلومات مؤكدة، وأكثرت من إدخال مصطلحات العلوم الإنسانية. كما أعجبني جدا مشهد الموت في نهاية فصل من الفصول، وبداية الفصل الذي يليه بعنوان “الله حي”.

وجاء الختام ناعما بعودة آدم لموطنه الأصلي يصطحب حبيبته الأميركية وأمه الأميركية في لقطة انتماء لمصر، وأنها الملجأ (أدخلوها ان شاء الله آمنين لعنتْ إيمان الإرهاب الذي يظهر الوطن في حاجة قصوي للحماية كرضيع (ص 153) وصفته وصفا مؤلما. لقد أعجبتني الرواية من وجه نظر قارئة تعي وتفهم وتهتم بمقدرات هذا الوطن، ولكن لفت نظري في صورة الغلاف أنها لا تحمل أي بصمة سكندرية، بما يتفق مع روح الرواية.).

 

 

ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى