بين قوسينكتاب الموقع

المكتوب ما منو مهروب … !!!

المكتوب  ما منو مهروب … كم كانت تستفزني كلمات جدتي – رحمها الله – عندما كانت تقول لي: يا ستي اللي مكتوب علينا بدنا نعيشو ..!!
وأنا كنت في فوعان الشباب .. تعتريني إرادة الحياة وتحدي الصعوبات .. أرسم مستقبلي بريشة سحرية، وأحلم كوني المرأة الخارقة التي تستطيع القيام بأي شيء لتحقيق هدفها .. وعندما كانت تصدمني كلمات جدتي كنت أواجهها بكل عناد .. (لا يا جدتي نحن نصنع مستقبلنا بأيدينا … لن نسمح لأحد أن يسلبنا أحلامنا .. ويقرر عنا طريقة حياتنا ..)
كانت تنظر إلي بفخر .. وتقول: أاي والله إذا بيطلع بإيدك ليش لأ .. نحنا يا ستي ما قدرنا … !
جدتي .. تلك المرأة الفلسطينية التي كان يلقبها البعض بالجبارة .. كونها عاشت الاغتراب والاحتراب وويلات التهجير من فقر وذل وجوع .. جاءت من عكا إلى طرابلس .. ومنها إلى سوريا خرجت على أساس أسبوع واحد وسترجع .. هي وجدي وعائلتها الصغيرة … لم يأخذوا معهم شيء إلا مفتاح البيت .. وهو كل ما بقي معهم إلى اليوم من فلسطين  التي بقوا 65 سنة يحلمون فيها بالعودة .. توفيت جدتي وجدي وأبي .. وما زال حلم العودة .. هو كل ورثناه عنهم .. ..
اليوم أعيش في سوريا أوجاعها .. حيث  .. تعلمت من أبي وجدتي معنى الوطن .. ومعنى أن يفقد الانسان وطن .. أنظر حولي لأرى الخراب والدمار .. لأعيش وجع الاغتراب وأنا في الوطن .. ليكون شعور العجز والألم هو كل ما يعتريني اليوم وأنا أشاهد كيف يدمر الانسان وطنه .. أصرخ بصمتي .. عدو الفلسطيني هو الاسرائيلي ، وهو من قتل وهجر واغتصب فلسطين .. ولكن من عدو السوري ..؟؟؟!!
هو السوري نفسه ..! تضيع كل المعاني وتخجل الانسانية عندما يتحول أخاك في الوطن الى عدو …
أشعر بالخزي والعار .. كيف ونحن في القرن الواحد والعشرين مازال  الانسان  يتحول الى آلة همجية للقتل والتخريب والدمار … وعلى مرأى ومسمع العالم كله وهو يتفرج  ويشجب ويندد …
ما زال مصير العربي خارج إرادته .. وما زال أداة بيد قوى غريبة تتحكم به وبحياته وبمصيره .. فمن فلسطين إلى سوريا اليوم نظرية المؤامرة والتآمر والإئتمار تفتك بأحلام الشباب العربي …. وما زالت القوى الغربية والامبريالية والظلامية تتحكم بمصيره ..
ليسبقني سؤال .. هل محكوم على العرب أن يبقوا تحت نظرية المؤامرة  التي تعيق تطورهم وتحبط كل طموحاتهم في الانطلاق والتطور .. كما لو أنهم أدوات صنعها الغرب، ليتحكم بمستقبل المنطقة كلها، وليبقى مسيطراً على خيراتها وثرواتها …. ؟؟!!
أم أن حكومات العرب هي من تتآمر على شعوبها لتستعبدها، وتنهب أحلامها وتسرق خيراتها .. ؟!
فحتى اسرائيل التي احتلت فلسطين بتآمر دولي هل كانت لتنجح لولا التواطئ العربي ..؟  وهل ثورات بلدان الربيع العربي كانت لتصيب شعبها بحالة من الاحباط لو لم يمتطيها تجار المناصب والكراسي والحروب والأزمات .. ؟؟!! وهل سوريا كانت لتتدمر وتتفت لو عرف النظام كيف يكسب شعبه وتنازل عن جزء من مكتسباته لمصلحة الشعب.. ؟!
فمنذ أن تاجر العرب بالقضية الفلسطينية وتسولوا مبالغ ومعونات باسم الشعب الفلسطيني .. وبكوا على الطفل الفلسطيني …  والفلسطيني ممنوع من دخول أي دولة عربية إلا بإجراءات مشددة ومهينة ومذلة .. وصلت الى حد دفع مبالغ مالية كبيرة  ليتمكن من العبور إلى دول تتاجر به وبقضيته .. وتمنعه من دخولها …!!!
واليوم تراهم يتاجرون بالقضية السورية ويشحدون معونات ومساعدات باسم الشعب السوري … ويعملون خفية وعلناً بكل السبل لتدمير سوريا .. والسوري  يرزح تحت وطأة  التهجير والنزوح والدمار .. ويموت في اليوم آلاف المرات..
إنهم  حكام العرب  .. هم نفسهم الذين يجتمعون ويعقدون القمم والمؤتمرات .. ويتاجرون بالقضايا الوطنية، وبالمواطن العربي ليجنوا المعونات ويبنوا الثروات ..
فهل فعلاً محكوم علينا أن نبقى نرزح تحت وطأة الذي كتبه علينا حكامنا .. أم أن إرادتنا بالخروج من جلابيبهم  ومن تحت عبائتهم المتعفنة بالفساد والتجارة  بالأوطان .. ستحررنا من عقدة الخنوع والانصياع مهما كان الثمن باهظاً .. لنخرج من نظرية المؤامرة والتآمر ونبدأ فعلاً بمرحلة البناء .. والكرامة .. والحرية.

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى