بين قوسينكتاب الموقع

بين السيارات …

بين السيارات … يتنقل زاحفاًعلى ركبتيه، لأن جسمه الضخم يعيق حركته فلا يستطيع المشي الا متثاقلاً لاهثاً .. يفضل البقاء جالساً على حافة الرصيف .. سانداً رأسه على شجرة مهترئة تنافسه بالعمر، وهو كما تدل خطوط الشيب في رأسه وتجاعيد العمر في وجهه قد تجاوز الثمانين من العمر … وطعنته السنين بندب وتغضنات حفرت وجهه بأخاديد سقتها دموع الوحدة والشقاء التي عاشها في حياته ..

أصبح وجوده بين السيارات، وعلى حافة الرصيف راسخاً وطبيعياً كرسوخ شجرة السنديان التي يتكي رأسه على جذعها. يمر الناس من أمامه وكأنه غير موجود، وأحياناً يرمقونه بنظرة شفقة أو نظرة ازدراء، وفي بعض الأحيان يلقون أمامه على الرصيف بضع ليرات لإزالة شعور الذنب والعذاب التي تدغدغ ضميرهم الانساني

ذات مرة، في إحدى الليالي، وأنا أسير في الشارع سمعت ضحكات وصراخ عال أمام شجرة السنديان لأرى مجموعة من الفتيان ممسكين ببخاخ ، وهم يرشون الرجل المسن ويصورونه ويضحكون عليه ، وهو يقاومهم وبضع قطرات من الدم تسيل

من أنفه ووجهه … كثيرون مروا .. وأكملوا طريقهم وكأن شيئاً لم يكن .. ولم أشعر إلا وقد هرب الفتيان بعد أن صرخت بهم أن يتوقفوا عن تصرفهم الوحشي .. وأنا أشعر بالخزي والعار والأسف ..
قصة بسيطة جداً وقد يسأل البعض هل تستحق كل هذه الكلمات والعناء ؟؟؟ خاصة في وضع انساني مزر تعاني منه سوريا ككل، وأقل ما يقال عنه أنه ساقط ….
فالانسانية استشهدت في سوريا بعد أن اغتالتها أيدي الاجرام والقتل وتجار الحروب وصناع الموت .. قصص وقصص تقشعر لها الأبدان، ويندى لها الجبين، ويدمع لها القلب، عما يحصل من حالات الموت جوعاً أو تعذيباً أو حقداً، وعن نسبة

المشردين واليتامى والفقراء ومفجوعي الحرب.. فما مغزى قصة بسيطة كهذه ؟؟؟

قد تكون قصتي بسيطة وحتى تافهة أمام قصص ما يحدث حالياً .. لكنها تمثل حقيقة اهمال الدولة واستهتار المجتمع الذي وصل إلى حالة من  التعود على المظاهر اللاإنسانية ، و التي تتحول تدريجياً إلى حالة طبيعية في حياتنا .. نتجنبها ونمر
أمامها ونتجاهلها دون أدنى شعور بالخجل أو الألم، وقد تصل في مرحلة متقدمة من رغبة البعض في إثارة هذه الحالات واستفزازها وإذلالها وتحقير مشاعرها، لجعلها ظاهرة للتسلية والترفيه على حساب انسانيتها … !! غاضين البصر عن أن هذه المظاهر تجرح إنسانيتنا وتؤذيها ليصبح القتل عادة والذل عادة والتحقير والسرقة والكذب والتجارة بدم الناس وأرزاقهم عادة ..

ويتدهور المجتمع شيئاً فشيئاً وتسقط القيم والأخلاق والإنسانية .. وتضيع حقوق الناس وكراماتهم في فوضى الرغبات والغرائز والمتع القائمة على إهانة الناس وإذلالهم ..
فلنعد للحظة إلى أنفسنا سائلين: هل ردود أفعالنا تجاه المظاهر اللانسانية التي نراها حولنا كاف بالتجاهل وغض البصر، والقاء اللوم على الدولة ، أم أنه علينا التعامل مع هذه المظاهر بنضج انساني أكبر تمكننا من احترام ذواتنا واحترام انسانيتنا
لنكون أهلاً لها ؟

سؤال برسم كل من يسعى لبناء إنسان .. يبني وطن …

15.01.2014

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى