بين قوسينكتاب الموقع

طائفة .. لا طائفية .. !!!

طائفة لا طائفية .. !!!  لا يمكننا إنكار أننا ما زلنا نرزح تحت جلابيب سطوة  الدين في مجتمعاتنا العربية .. والتي انعكست قيمه ومفاهيمه على عاداتنا وتقاليدنا ونظرتنا للأمور .. وتقييمنا لأنفسنا وللآخرين .. ليكون الدين هو المصدر الأساسي للتشريع أو أحد أهم مصادره .. ومنه يستقي المشرعون أحكامهم.
فالدين شئنا أم أبينا هو وثيقة أخلاقية جاءت على لسان رسل وأنبياء استمدوا شرعيتهم من الخالق، وألقوا على البشر قوانين وتشريعات بصيغة رسالة من الله .. والدين يحمل من القيم الأخلاقية والانسانية ما يجعله عقداً اجتماعياً قابلاً للتداول وتنظيم
العلاقات الاجتماعية بين الناس المتفقين على هذا الدين، وتنظيم علاقاتهم مع الأخرين المختلفين عنهم ..
ولكن مشكلتنا الأساسية هي طريقة التفسير والتطبيق ، وقولبة الفكرة أحياناً حسب مصالح شخصية بعيدة عن روحانية المعنى وعمقها وسموها الانساني، لتتحول إلى فوقية وأفضلية عندما تدخل ضمن دستور البلد، فيصبح من يتبع هذا الدين له الأحقية على غيره من المواطنين، ويضيع مفهوم المواطنة الحقيقية … فتحديد دين الرئيس أو حاشيته أو إجبار الآخر على دفع ضريبة مادية أو معنوية لمجرد أنه ليس من أتباع دين الدولة أو لا يتفق مع مبادئ هذا الدين .. شكل من أشكال الاقصاء وعدم المساواة ..!
واقع لا يجب إغفاله أو تجاوزه ، لأهمية تأثيره على مجريات الأحداث، ونمط التفكير والحياة، وحتى التأثير على مجرى الأموروالأحداث التي تحدد مستقبل هذه المنطقة بشكل عام .. !!
وهذا ما أثبتته مجريات الأحداث التاريخية التي كان الدين وتعدد طوائفه فيها هو المسيطر على الدولة، وهو العامل الرئيس للحروب والانشقاقات والجرائم، التي مارسها البعض باسم الدين أو الطائفة .. ولم تتحرر هذه البلدان وتنهض وتتطور إلا عندما تم فصل الدين عن الدولة ، ودخلت مفاهيم المواطنة والعدالة والمساواة على الجميع، بغض النظر عن ممارساتهم وحرياتهم الدينية ..
واليوم نتفاجأ أننا وفي القرن الواحد والعشرين، ما زالت الطائفية هي أحد أهم أسباب النزاعات والصراعات في العالم، واختلاف المعتقد الديني .. لن نختلف على قيم ومبادئ الدين وسموها .. ولكننا نختلف عندما تتحول الاختلافات العقائدية أو الشكلية في الأديان، أو طوائفه المتعددة، إلى خلافات جوهرية تلامس حياة الانسان ووجوده ، ليتحول الخطاب الديني من خطاب مثقل بالقيم والمبادئ والأخلاق، إلى خطاب أجوف أرعن حاقد، يهدف الى اللعب على وتر الاختلافات لتحويلها الى قضية عداء، ينسج عليها خطة محكومة لإعادة هيكلة المنطقة جغرافياً أو سكانياً أو توجيهها فكرياً .. ولخوض حروب مدمرة تحت مسميات الطائفة والدين.
فالطائفة هي شريحة أو مجموعة من الناس تتفق فيما بينها على عقد اجتماعي قائم على مفاهيم وقيم أخلاقية دينية .. وهي حرة بتفكيرها ومعتقداتها .. ولكن استغلال هذا الاختلاف الطبيعي لتحويله إلى خلاف وعداء وحقد على الآخر بتجييش الغرائزوالتحريض من منطلق الأحقية والأفضلية في الحياة، والدعوة لنشر كلمة الله الحق أو الدين الصح .. هنا تكمن الطائفية المقيتة التي ينساق اليها البعض، معتبرين أنفسهم الأفضل والأحسن .. وهذا شكل من أشكال العنصرية القائم على إقصاء الآخر وإلغائه لأنه لا يؤمن بما أومن .. فالطائفة تدخل ضمن مفهوم الحرية الشخصية  .. وجب احترامها.
ولكن الطائفية هي تحريض ممنهج يستغل الخلافات بين الطوائف لوأد نار الفتنة والحرب  .. وتأجيج الصراعات المذهبية والتي تسبب الكثير من المجازر والحروب الأهلية .. والمصيبة أن هذا الشكل من الاجرام يعتبره من ينفذ القتل أنه يقوم بعمل عظيم بقتل شخص مختلف عنه طائفياً أمام خالقه الذي سيقدر هذا العمل ويكافئه بالجنة والنعيم .. لأنه يبيد الكفار ويقاتلهم .. وعليه وجب الخروج من هذه المفاهيم الضيقة وتوصيف الحالة وتسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية دون مراوغات ..
فالطائفة موجودة علينا الاعتراف بها، وليتم الخروج من الطائفية علينا صهرها بمفاهيم وقيم وطنية جامعة وبدستور يقوم على مبدأ المواطنة والعدالة والمساواة .. عندها تتحول الطائفة الى مواطنة .. وتلغى الطائفية .. لتعلو لغة الحقوق والواجبات الوطنية.
فالمواطنة تبقى الحل الوحيد لوأد نار الطائفية التي بدأت اليوم تطفو على سطح المجتمعات العربية .. وتبقى طريقة التطبيق بيد أنظمة الحكومات العربية الجديدة والقادمة، لتحول طاقة التدمير الكارثية التي تشعلها الطائفية ، إلى طاقة بناء عظمى
تحققها المواطنة والحرية.

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى