بين قوسينكتاب الموقع

نشر غسيل …

نشر غسيل … لأول مرة سأكتب مقالي بالعكس .. أي أن أضع العنوان ثم أكتب، عكس مقالاتي السابقة التي كنت فيها أكتب المقال ثم أضع عنوانا يناسبه .. والسبب أن نشر الغسيل أعجبني ، فهو ينطبق على أشياء كثيرة حولنا دون أن ننتبه لها .. وعلى رأسها
طريقتنا الاعتيادية والتلقائية في نشر الغسيل .. !!
ترى أحياناً طريقة النشر عبثية وفوضوية وغير مرتبة .. تثير عندك شعوراً بأن من نشر الغسيل شخص فوضوي غير منظم أو مستعجل ، أرعن وغير مهتم .. بالمقابل عندما ترى الثياب معلقة بطريقة مرتبة منظمة، فإنها تعطيك انطباعاً بأن من نشر
هذا الغسيل شخص مرتب، متقن في عمله، هادئ ومتزن، يبحث عن الكمال حتى في أدق التفاصيل ….
فمن غسيلهم تعرفونهم … !!!!
أما اليوم فلم نعد نعرف أحداً ….. فالكل بات ينشر غسيله .. وينشر غسيل غيره .. وينشرون غسيل بعضهم البعض.
مصطلحات لم تعد رمزية بالنسبة لي اليوم من حيث معناها المجازي، وأصبحنا نراها ونسمعها من أفواه الجميع على الجميع، وعلى الشاشات، والفضائيات، والمواقع الاجتماعية ..
فلا تلبث أن تسمع أن فلان نشر غسيل فلان، وبدأ بإهانته وكيل الشتائم له، وكشف أوراقه وفضح خصوصياته وأسراره .. لتجد فلاناً يرد عليه بطريقة أقذر .. لينشر الاثنان غسيل بعضهما ويبدأ المستور بالانكشاف، والفضائح بالظهور … !!!
ما دفعني إلى كتابة هذا المقال هو انتشار ظاهرة البرامج الحوارية القائمة على مبدأ نشر الغسيل .. وتحوير الهدف من نقاش فكرة، إلى شخصنة الحوار، وتحويله إلى مهاترات وسباب وشتائم .. يهدف من خلالها البرنامج إلى كسب الجمهور، وشده إلى المتابعة بأي ثمن كان، غير آبه بأسلوب التقديم والنقاش إن كان يجب أن يؤدي إلى تطوير منهج تفكير المواطن العربي.

من خلال تقديم نموذج راق ومحترم عن طريقة الحوار، ومهارات النقاش البناء، وتقريب وجهات النظر بين شخصين مختلفين بالرأي ..
أم الاكتفاء بكسب أكبر نسبة مشاهدة، من خلال إمتاع المشاهد وإدهاشه بمدى انحدار مستوى النقاش، ودغدغة فضوله في الحصول على معلومات شخصية عن كل ضيف في الحلقة وتقديم أساليب جديدة في السباب والإهانات والشتم،
فيضحك مشاهدنا ويستمتع ويتابع .. معتبراً ما يحدث فكاهة .. غير منتبه إلى المهزلة التي تهين عقله، وتقلل من احترامه..!!
وعليه ، فإذا لم يعد الاعلام إلى مكانه الصحيح في نشر الحقيقة والفكر والحوار البناء .. واحترام عقل المشاهد وتقديم مثال حي في النقاش الراقي .. سيبقى غسيلنا قذر ومجعلك.. وسيبقى منظر منشرنا فوضوياً وغير مرتب ولا منظم .. وعقلنا العربي يسعى للاستمتاع على حساب الفكر .. فالاعلام هو مقياس مدى تحرر الفكر، وتطور العقل ..
فليفق مخرجو البرامج الحوارية، وليعلموا أن ما يجري من متغيرات لن يرحمهم وستنظف هذه المتغيرات في طريقها كل مناشر الغسل … !!

09.10.2013

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى