الذكرى الأليمة لمذبحة حيفا 1948

كانت البداية مع عصابات الهجانة أثناء الانتداب البريطاني على أرض فلسطين حيث توالت هجرة اليهود إلى أرض المقدس، ومع قيام الثورة العربية في فلسطين عام 1920 تأكّد لليهود أن السلطة البريطانية وحدها غير قادرة على إكفال الحماية الكاملة للمستوطنين اليهود وممتلكاتهم وبقائهم على “أرض الميعاد”. واهتزّت ثقة الزعماء اليهود في قدرة منظمة هاشومير (منظمة صهيونية بريطانية لحماية اليهود)، ما اضطرهم لإنشاء جهاز عسكرى خاص بإسرائيل لحماية المهاجرين وممتلكاتهم، فقاموا في حزيران/يونيو 1921 بإنشاء منظمة جديدة تحلّ محل الهاشومير أطلقوا عليها إسم منظمة (الهاجاناه) وهي ذات تجهيزات وقدرات أعلى من الهاشومير.

الواقع أن الهجانة تعني بالعبرية الدفاع، وكانت تُنادي بحرية إسرائيل وكانت توصف بأنها تكتل عسكري إرهابي وبلغت من قدراتها ومهامها ما جعلها حجر الأساس للجيش الإسرائيلي الحالي. كانت في بداية أعوامها التسعة الأولى قادرة على حفظ الأمن والأمان للشعب الصهيوني الجديد، وكانت تُدار من قِبَل إدارة مدنية يتزعّمها يسرائيل جاليلي، وما إن اشتعلت في عام 1929 الثورة العربية والتي خلّفت حوالى 130 قتيلاً صهيونياً حتى انضمّ إلى المنظمة الآلاف من الشباب الصهيوني المتطرّف وشرعوا في استيراد السلاح من الخارج وإنشاء الورَش لصناعة القنابل اليدوية والمعدّات العسكرية الخفيفة وتحوّلت إلى جيش نظامي فعلي بعد أن كانت مجرّد ميليشيات ذات تدريب بدائي.

جاءت المواجهة مع الثوّار الفلسطينيين في عام 1936 بلغ عدد مقاتلي الهجانة حوالى 10000 مقاتل بالإضافة إلى 40000 من قوات الاحتياط الإسرائيلي، وخلال ثورة 1936 أقدمت عصابة الهجانة على حماية المصالح البريطانية في فلسطين وقمع الثوار الفلسطينيين، ذلك على الرغم من عدم اعتراف القيادة البريطانية بالهجانة إلا أن الجيش البريطاني أبدى تعاوناً كبيراً فى أمور القتال والتأمين.

جاء هنا تعاون بريطانيا والهجانة.. حيث كان الجفاء في السنوات الأولى من الحرب العالمية الثانية خشيت بريطانيا من توغّل قوات المحور في الشمال الأفريقى ما دعاها إلى التماس التعاون مع عصابة الهجانة، ولكن هزيمة رومل في معركة العلمين 1942 جعلت البريطانيين يتراجعون خطوة إلى الوراء بخصوص التعاون مع تلك العصابة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت الهجانة بحملة مناهضة لدولة بريطانيا، فقامت بإطلاق سراح اليهود المهاجرين بالقوة بعد أن احتجزتهم القوات البريطانية في معسكر عتليت، وقامت بنسف سكك الحديد بالمتفجرات، ونظّمت حملة هجمات تخريبية استهدفت مواقع الرادار ومراكز الشرطة البريطانية في فلسطين المحتلة، بالإضافة إلى ذلك استمرار منظمة الهجانة بتنظيم الهجرات اليهودية غير المشروعة إلى فلسطين، وكذا قامت بمذابح ضد المدنيين الفلسطينيين بغرض إجلائهم من المدن والقرى الفلسطينية لتقام المستوطنات على أنقاضها.

في 22 نيسان/أبريل عام 1948 هاجم المستوطنون الصهاينة مدينة حيفا في فلسطين في منتصف الليل واحتلّوها وقتلوا عدداً كبيراً من أهلها، فهرع العرب الفلسطينيون العُزل الباقون للهرب عن طريق مرفأ المدينة فتبعهم اليهود وأطلقوا عليهم النيران، وكانت حصيلة هذه المذبحة أكثر من 150 قتيلاً و40 جريحاً.

كانت معركة حيفا التي أسمتها القوات اليهودية عملية بيعور حميتس (التطهير في الفصح) عملية للهاجانة، وكان الهدف من العملية هو الاستيلاء على الأحياء العربية في حيفا وكان حدثاً هاماً في المراحل الأخيرة من حرب التطهير العرقي في فلسطين، ما أدّى إلى الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948. كانت مدينة حيفا، على ساحل البحر الأبيض المتوسّط عند الحافة الشمالية الغربية من سهل شارون، موقعاً استراتيجياً في فلسطين. وفي عام 1948، كانت حيفا مدينة مختلطة، مقسّمة بين اليهود الفلسطينيين، والعرب الفلسطينيين، ومنذ مطلع عام 1948 بدأت النسبة العربية للسكان تتضاءل.

كان النصف العربي الفلسطيني من حيفا بعيداً عن المراكز العربية الفلسطينية الرئيسية الأخرى، وقد قطعت القرى اليهودية الفلسطينية الاتصال على طول الطرق المؤدية إلى حيفا. وقد أغلقت الأعمال التجارية وحلقات العمل من دون احتمال استمرار العمل في المناطق اليهودية. وكانت البطالة منتشرة وتصاعدت تكلفه الغذاء. واستعداداً للإجلاء الكامل لجميع القوات البريطانية من الانتداب، بدأ البريطانيون إخلاء القوات عن طريق ميناء حيفا في مطلع نيسان/أبريل. وقد أنشئت قوّة شرطة متطوّعة للتحضير لتسليم لجنة فلسطين التابعة للأمم المتحدة بوصفها حكومة فلسطين المؤقتة.

في 17 آذار/مارس 1948 لقيَ محمّد بن حمد الحنيطي، قائد القوات العربية في البلدة، مصرعه في كمين نُصب لقافلة تجلب 15 طناً من الأسلحة والمتفجرات. وقد جعلت وفاته أتباعه مُحبطين. طبقاً لجون كيمش كانت الهاجانة تمتلك مخبراً رفيع المستوى وكانت قادرة على اعتراض تسع من إحدى عشرة قافلة إلى حيفا. الحامية العربية للمناطق العربية الفلسطينية من المدينة كان يقودها النقيب أمين عز الدين الذي عيّن من قِبَل اللجنة العسكرية لجيش الإنقاذ العربي في 27 آذار/مارس في دمشق، خلال الشهر المقبل استنزفت قوّته الأصلية التي تبلغ 450 بسبب الفرار حتى لم تعد قوّة مقاتلة.

بات الطريق مفتوحاً نحو حيفا ويافا.. جز آرئيل شارون على أسنانه في اجتماعه المغلق مع شريكي العصابة إسحق رابين ورحبعان زئيفى.. يدور داخل الغرفة بزيّ الهجانة على مدار ساعات حتى اجتمع الرأي أن بقاء المدينتين بيد العرب كارثة للمشروع الصهيوني.. أُلقي الخطاب على عشرة آلاف مقاتل صهيوني هم قوام الهجانة وقتها.. فتأهّب الجمع المُنتشي بانتصاراته في أرجاء فلسطين العربية صوب حيفا.. وبالفعل، في نكبة عام 1948، وتحديداً يوم 22 نيسان/ أبريل ذبحت عصابات الصهاينة مئات المواطنين العرب في مشهد أشبه بالمذابح المرّوعة في السينما، وطُرِد وهُجِّر غالبيّة سكان حيفا العرب منها، فاستحالوا لاجئين حيث لم يسمح إلا للقليل منهم بالعودة إلى مدينتهم، في حين صادرت عصابات الهجانة البيوت العربية التي هجرت من أهلها.

اعتبرت القيادات الصهيونية السياسية والعسكرية أن بقاء مدينتيّ يافا وحيفا بيد العرب كارثة كبرى للمشروع الصهيوني، لذا فإن تصفية هاتين المدينتين هي في حد ذاتها مساهمة كبيرة في نجاح هذا المشروع، وبالتالي يؤدّي إلى إضعاف أية محاولة فلسطينية لإعادة بناء المدينة من جديد، وبمعنى آخر فإن تصفية حيفا ويافا هي في حد ذاتها تصفية للحياة المدينية الفلسطينية، وتحويل الفلسطينيين في هاتين المدينتين والقرى المحيطة بهما إلى لاجئين ومشرّدين بعيدين عن مراكز القرار وصنعه وتأثيره.

لقد رعت بلدية حيفا برئاسة شبتاي ليفي ونائبه أبا حوشي – وهو من قياديّي الهجانة وصاحب علاقة مع العرب في المدينة وخارجها- بهدم مئات البيوت والمباني العربية في معظم الأحياء العربية التي استولت عليها عصابة رابين وشارون وذلك من منطلق منع عودة الحيفاويين إلى مدينتهم، كما تم أيضاً هدم الحسبة بكاملها وهي المنطقة التي كانت الملجأ الأمين لأهالي حيفا العرب. كانت الحسبة قريبة من بوابة الميناء، لذا فمع القصف زحفت الجموع الغفيرة من الحسبة باتجاه الميناء، واعتبر اليهود طرد الفلسطينيين فرصة ذهبية لتحويل حيفا من مدينة عربية إلى مدينة يهودية شكلاً ومضموناً، وأصدر بن غوريون أوامره بعدم هدم الأماكن المقدّسة لإظهار احترام اليهود لها، بالإضافة إلى كل ذلك، فلم يتم بناء أي حيّ عربي جديد في حيفا منذ 1948، في حين تمّ بناء المئات من الأحياء اليهودية.

الواقع أنه قبل المذبحة بشهور، وفي نهاية 1947، كانت مذبحة مصفى حيفا هي مذبحة حدثت في 30 كانون الأول/ ديسمبر 1947 ، حيث قامت مجموعة من عصابة الإرجون التي تصنّف على أنها إرهابية بإلقاء قنبلتين يدويّتين على تجمّع من العمال الفلسطينيين في حيفا راح ضحية هذه المذبحة 6 وجرح 42.

وكرد فعل على هذا العمل قام العمّال الفلسطينيون بدخول المجمع ومهاجمة العمال اليهود بالأدوات والقطع المعدنية حيث تم قتل 39 يهودياً وجرح 49. مصادر مختلفة بما فيها الوكالة اليهودية نفسها أكدت أن عمالًا فلسطينيين ساعدوا زملاءهم اليهود على الاختباء أو الفرار.

مذبحة بلدة الشيخ زادت العلاقات السيّئة أصلاً بين الفلسطينيين واليهود في المدينة سوءاً. مجموعة الهاجانة الإرهابية اليهودية أعقبت ذلك بهجمات على قرية حواس الفلسطينية وتنفيذ مذبحة بلدة الشيخ حيث كان يعيش بعض من عمال المصفاة الفلسطينيين. كانت الأوامر مع المهاجمين هي “قتل أكبر عدد من الرجال”. حيث أطلقوا النار ونسفوا المنازل قبل أن يقتادوا الرجال ويطلقوا النار عليهم. وفي بعض الحالات قتلت النساء والأطفال أيضاً. تقديرات الهاجاناه لعدد من قتلوهم من الفلسطينيين تراوحت بين 21 و70 في حين قُتِل عنصران من مليشيات الهاجانة.

فيما جاء تحوّل الهاجانة لجيش الدفاع الإسرائيلي في 28 أيار/مايو 1948، عندما أعلنت الحكومة الإسرائيلية المؤقتة عن إنشاء جيش لإسرائيل يُسمّى جيش الدفاع الإسرائيلى، ويتولّى مهمة الهجانة في الدفاع عن المواطنين وتولّى مهمة فرض الأمن والأمان، ومنعت الحكومة المؤقتة أية تشكيلات أخرى بخلاف القوّة الإسرائيلية ما أدّى إلى حدوث خلافات بين الأرجونز والهجانة انتهى الأمر بإلقاء الأرجونز السلاح وتأسيسهم لحزب “حيروت”.

الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى