النيل هبة لإسرائيل

 

«أهلاً يا ريِّس، شرَّفت البلاد». قال عيزر وايزمان تلك الكلمات ضاحكاً، وهو يتوكّأ على عكاز، ويدلف بصعوبة إلى الصالون الفخم في الجناح المخصص للرئيس المصري. تهللت أسارير أنور السادات، وظهر البِشر على وجهه، وهو يسمع وزير الدفاع الإسرائيلي يخاطبه مستعملاً اللهجة المصرية في حديثه. أقبل السادات نحو وايزمان يقبّله، ويساعده على الجلوس على أريكة، وقال له ملاطفاً: «سلامتك، ألف سلامة! قالوا لي إنك عملت حادثة بالعربيّة. إن شا الله ما تشوفش وحش، يا عزْرَا». ابتسم وايزمان، وقال: «حادثة بسيطة، يا ريّس، ما تشيلش همّ». ضحك السادات، وسأل محدّثه: «إنت بتتكلم عربي كويّس، يا عزرا. تعلمتها فين؟». أجاب وايزمان: «في مصر، يا ريّس». ثم أردف شارحاً للسادات: «أنا – زمان، أيام الحرب ضد الألمان – اشتغلت، في اسكندرية، سوّاق لوري. وبعديها خدمت في قاعدة (الدخيلة). كنت، أياميها، طيّار في الجيش البريطاني». ثم ضحك وايزمان بصوت عال، وقال: «ومن وقتها، يا ريّس، أنا حبّيت المصريين، وتعلمت كلامهم» (1). شاركه السادات ضحكاته المجلجلة، وقد راقته ظرافة قائد الجيش الإسرائيلي، ولطافته. وأخذ وايزمان يروي للرئيس المصري طرائف عمّا حدث بين الإسرائيليين، بعد أن فوجئوا بأنّ السادات جادّ في المجيء إليهم بنفسه. فقال إنّ قادة الأمن في إسرائيل لم يصدّقوا البتة أنّ تلك الزيارة ستحدث حقاً، وبلغ الوسواس ببعضهم حدّاً جعلهم يتوهمون أنّ في الأمر مكيدة بلا شكّ. وكذلك فإنهم أمروا القناصة باعتلاء أسطح مطار« بن غوريون» وشرفاته، حتى إذا ما لاحت نذر شرّ من المصريين، كان الإسرائيليون مستعدّين له. وتوهّم أولئك أنّ طائرة السادات قد تكون محمّلة بجنود الكوماندوس، وأنهم قد يخرجون إلى قادة إسرائيل المصطفّين لاستقبال الرئيس المصري، فيصفّونهم على أرض المطار. وضحك السادات ملء شدقيه استظرافاً لـ«حدّوتة عزرا».

«انت يا ريّس حاجة تانية خالص… ده أنت زعيم عظيم»

أراد السادات بعد هذا الهزل أن يدخل في الجدّ، فقرّب رأسه نحو وايزمان كأنه سيكاشفه بأمر مهم، ثم قال له: «اسمع يا عزرا، أنا عاوزك تعاوني على بيغن. الراجل ده حابب يغرّقنا في الأوراق والدوسيهات. وأنا راجل دوغري، ومبحبش الملاوعة واللف والدوران. أنا عايز أعمل سلام مع إسرائيل، ونخلص بقى». ابتسم وايزمان قليلاً، وأطرق برأسه كأنه يفكر في الكلمات المناسبة التي يمكن أن يُسمعها للسادات، ثم قال ضاحكاً: «الفرق، يا ريّس، بينك وبين بيغن: إنّ مناحيم كان في الأصل محامي (2). فهو مربوط بالأوراق، والدفاتر، والتفاصيل. بس أنت، يا ريّس، موش بحاجة تشغل نفسك بالجزئيات. انت، يا ريّس، حاجة تانية خالص. انت زعيم عظيم، عندك الخيال، والشجاعة، والـvision. فالمفروض إنك تاخذ بيغن على قدّ عقله». بان السرور جليّاً على وجه الرئيس المصري، وتحمّس أكثر لعرض أفكاره على وايزمان. قال السادات: «أنا جايب معايَ مشروع اتفاقية عرضتها على جيمي كارتر، وعجبته. وأنا افتكر إن الاتفاقية دي هي اللي هتكون أساس للسلام بين مصر وإسرائيل». بدا على وايزمان اهتمام بما يعرضه السادات، فمضى الأخير يقول: «أنا رأيي، يقعد مصطفى خليل [الأمين العام للجنة التنفيذية لـ«الاتحاد الاشتراكي العربي»] مع إيغال يادين [نائب رئيس وزراء إسرائيل]، ويناقشوا مع بعض بنود اتفاقية السلام. ويخلّصوا الموضوع». واستغل وايزمان انشراح صدر السادات وحماسته، فطلب منه طلباً محدداًَ، وقال: «أنا أتمنى عليك، يا ريّس، إنك متجيبش خالص، في خطابك اللي هتقراه قدام الكنيست، سيرة الـPLO [منظمة التحرير الفلسطينية]». واستغرب السادات هذا الطلب. فأجابه وايزمان ضاحكاً: «عشان الناس دول منحوسين. وأنا بخاف إن جبت سيرتهم ممكن تنحس المبادرة بتاعتك». وضحك السادات ملء شدقيه، من جديد.

كان ذلك اللقاء الأول الذي دار بين الرئيس المصري أنور السادات ووزير الدفاع الإسرائيلي عيزر وايزمان، في الساعة التاسعة والنصف من صباح يوم الأحد 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1977، في الطابق الخامس من فندق «الملك داوُد»، في القدس، فاتحة ودّ ظاهر امتدّ بين الرجلين. ولا شك في أنّ ما دفع السادات إلى الاهتمام بهذا الوزير الإسرائيلي، كان نصيحة ساقها هنري كيسنجر له، ذات مرّة. فلقد زعم الأخير أن وايزمان رجل يملك تأثيراً كبيراً في عقل بيغن، وفي قلبه أيضاً، وأنّ في استمالته جدوى ونفع (3). إلا أنّ السادات بعد أن التقى وايزمان وجد فيه ظرفاً ولطفاً، لم يخطرا على باله. ولقد طابت للرئيس المصري، مثلاً، مخاطبة وزير حرب إسرائيل له بلقب «الريّس»، واستعذب مديحه وإشادته بحكمته، واستحلى دعابته و«خفة ظله». لكنّ أكثر ما أحبه السادات في شخصية وايزمان قدرته على الإنصات والاتفاق، وتفهّمه لتصوراته ورُؤاه. ولقد لاحظ المسؤولون الإسرائيليون والمصريون معاً انجذاب السادات البالغ إلى وايزمان. ويذكر موشي دايان في الصفحة الثامنة والثمانين من كتابه «الاختراق» أنّ «علاقته مع الرئيس المصري تحسنت كثيراً، لكنها لم تصل قطّ إلى مستوى علاقة السادات بعيزر وايزمان. ولقد كان السادات يصافحه بمودة عندما يراه، وأمّا إذا رأى وايزمان، فإنه يسارع إلى تقبيله ومعانقته». وأرجع مصطفى خليل [رئيس وزراء مصر الأسبق] تلك العلاقة بين رئيسه وزير حرب العدو، إلى «الكيمياء الشخصية» التي تفاعلت بين الرجلين، منذ موعدهما الأول (4).

«هشتكنا وبشتكنا يا ريّس… ده انت رئيس – والنّعمة – كويّس»

إلا أنّ أغرب ما جال في عقل السادات، توهمه بأنّ وايزمان يمكن أن يتأثر به، فيصير من «حمائم حكومة إسرائيل، بعدما كان من صقورها»! ولعلّ أحلام اليقظة أوحت إلى السادات أنه يستطيع أن يستولي على عيزر وايزمان، و«يضعه في جيبه» أيضاً (5)! ويروي وزير الخارجية المصري الأسبق محمد إبراهيم كامل في الفصل السادس والعشرين من كتابه «السلام الضائع في كامب ديفيد» (في الصفحات 331 إلى 336) خطة السادات لاستعمال وايزمان ضدّ بيغن، بعد أن أبدى الأخير تصلباً كبيراً، في المفاوضات. وفي ذلك الفصل من الكتاب المُعنون بـ«هيا بنا نسقط بيغن»، سرد وزير الخارجية المصري وقائع مراودة السادات لوايزمان كي يميل إلى صفه. ولقد وصل الأمر بالسادات إلى حد إغراء الرجل بأنه سيبني للإسرائيليين مجمّعاً دينياً، في جبل سيناء (الذي يعتقد المسلمون واليهود بأن الله كلّم موسى فيه)، لكي يقيموا فيه شعائرهم، جنباً إلى جنب مع بقية الموحّدين. ولم يكتفِ السادات بإهداء الجبل المقدس إلى وايزمان، بل أهدى إليه النيل أيضاً! ويروي عيزر وايزمان بنفسه في كتابه «المعركة من أجل السلام» (من الصفحة 313 إلى الصفحة 324) وقائع العرض الغريب الذي اقترحه رئيس مصر عليه، في ظهر يوم 13 تموز/ يوليو 1978، على شرفة فندق «شلوس فوشل»، في النمسا. لقد قال السادات لوايزمان: «اسمع يا عزرا. أنا عايز أشق تفريعة من النيل، تمشي من تحت كنال السويس للعريش، وتوصل لحد عندكم في النقب. بس بيغن عامل زي المحامي الصغيّر في الأرياف، بيساوم طول الوقت ع الأمور الهايفة. الراجل ده ما عندوش big visions، ومش فاهم قيمة اللي أقدر أنا أدّيه لإسرائيل». واستطرد السادات قائلاً، وهو يعرض نهر النيل كهدية شخصية: «فيه مليارات م الأمتار المكعبة من ميّة النيل، تنصبّ في البحر. وحتى بعد ما بنينا السد العالي، لسه برضه النيل يصب في البحر. فأنا قلت الميّة اللي تمشي للبحر، خليها تمشي لسيناء ولإسرائيل أحسن».

من سوء الحظ أنّ أحلام الرئيس المصري بالسلام، لم تكن سوى أضغاث أوهام! ولقد نُعِت السادات دائماً بأنه «خائن، وعميل، وجاسوس»… لكنّ الحقّ أنه كان رجلاً نصف متعلم. ولم يتهيّأ قَطّ لما ساقت له الأقدار والحظوظ من سلطة جامحة بلا قيود، فافتُتِنَ بها، شأنه في ذلك كشأن الآخرين. ثمّ إنه أعجبته نفسه، وما صار إليه أمره، فخالطته الأوهام والترهات حتى ذهبت ببعض ما كان فيه من تعقل قديم. ولا شك في أنّ السادات امتلك – كمعظم أهل الأرياف – مكراً غريزياً. ولقد استعمله الرجل بكفاءة أحياناً. وكانت لدى السادات قدرات على استقراء الأحوال، ومجاراة الظروف، ومراقبة التطورات، وتحيّن الفرص. وكان بإمكان تلك القدرات فيه أن تغطّي شيئاً من نقص كفاءته. كذلك إنّ المسؤوليات الجسام التي ألقيت على عاتقه كانت كفيلة بأن تنضجه، لولا أنّ عيوبه ونقائصه تغلّبت عليه.

«إذا أردت أن تأخذ، يا سيادة الرئيس، فما عليك إلّا أن تدفع»

لقد تلقى السادات أول صدمة كفيلة بأن توقظه من أضغاث أحلامه، عندما ردّ بيغن على خطابه الإنشائي الذي ألقاه في الكنيست، ممجّداً فيه السلام، ومديناً كل أشكال الحرب. وقف بيغن من بعده ليقول أمام أعضاء برلمان بلاده إنّ «أحداً لا يستطيع أن يأخذ شيئاً، في مقابل لا شيء». بعد ذلك أقيمت «على شرف الرئيس السادات» مأدبة عشاء. لكن حفل العشاء بدا أقرب ما يكون إلى مأتم للعزاء. كان جميع المدعوين واجمين، وحاول وايزمان أن يلقي بعض النكت ليخفف من كآبة الموقف، لكن السادات لم يضحك ملء شدقيه، في هذه المرة. وقال بيغن: «إنني أريد أن أسمع من الرئيس السادات تصوره للسلام بين مصر وإسرائيل». وقال السادات: «كنت أظن أنكم تعلمون ما جئت من أجله إلى هنا، وأنكم تعرفون آرائي في التسوية التي يجب أن تقوم بين العرب والإسرائيليين. وليس عندي ما أضيفه إلى تصريحاتي العلنية عن شروط السلام، وما قدمته من أوراق، بهذا الخصوص، إلى الرئيس كارتر، ووزير خارجيته فانس. موقفي الآن هو نفس موقفي من قبل. ومجيئي إليكم لا يؤثر بموقفي التفاوضي. ولم يكن الهدف من زيارتي لإسرائيل سوى كسر الحاجز النفسي بيننا وبينكم، وهو يمثل 70٪ من المشكلة القائمة بين شعوبنا». وحاول مصطفى خليل أن يتدخّل ليعضد موقف السادات، فقال: «ليس هدف الرئيس من هذه الزيارة عقد صلح منفرد مع إسرائيل، ولا حتى إجراء مفاوضات مباشرة منفردة معها». قطّب بيغن حاجبيه، وقال: «وعلام اجتماعنا هذا حينئذ؟! إذا كان هدفكم هو فقط كسر الحاجز النفسي، فلقد اقترحت قبل أشهر أن ننشئ خطّاً ساخناً بين مكتبي ومكتب الرئيس السادات». وتدخّل السادات ليفضّ هذا الاشتباك، فقال: «يا جماعة، لازم تفهموا إن الشكليات ما تهمنيش. أنا يهمني الموضوع. أنا مش عايز أغرق في الأوراق التفصيلية. أنا عايز أعمل اتفاق استراتيجي يليق بالمبادرة التاريخية اللي عملتها». وتدخّل دايان ليقول: «هناك مشاكل محددة مثل وضع الفلسطينيين، ووضع سيناء والجولان، ومياه الأردن… وكل هذه المشكلات يجب أن نتفاوض عليها». وردّ السادات: «انا مش عايز أغرق في التفاصيل. كل اللي يهمني دلوقتي أعرفه: انتم هتدوني إيه؟». واستغرب بيغن منطق السادات، فقال متعجباً: «اسمح لي أن أقول إنني لم أفهمك، يا سيادة الرئيس. ما معنى أنّ على إسرائيل أن تمنحكم؟! لا شيء في المفاوضات يشبه ما تريده منا. لا أحد يعطي، والآخر يأخذ. إذا أردتم أن تأخذوا، يجب أن تعطوا مقابلاً مجزياً لما ستحصلون عليه».

انفضّ الاجتماع، وانتهت تلك الزيارة التاريخية التي شبّهها الرئيس الأميركي جيمي كارتر برحلة مركبة «أبولو» إلى سطح القمر! ولقد كانت زيارة السادات لإسرائيل، برغم الهالات والأضواء والصخب الذي صاحبها، مخيّبة للرجاء. وكانت تلك نتيجة طبيعية، فلم يكن لخطوة ارتجالية، وفكرة عشوائية أن تنجح. إلا أن السادات الذي وعد شعبه علناً بأن يقدم استقالته إذا ما بدا أن مبادرته للسلام مع إسرائيل تفشل، لم يملك الشجاعة لكي ينفذ وعده. ولقد بقي السادات يكابر، ويزعم أن زيارته نجحت بالفعل. وساعده في ما أوهم نفسه به أنّ جموعاً غفيرة من الشعب المصري لاقته، حين عودته، بالتهليل والترحيب. ولعلها تخيّلت هي الأخرى أن رئيسها سيعود لها من أرض الأعداء، جالباً بشائر الخير والسلام، وحاملاً معه مفاتيح الرخاء!

الهوامش

1- الحقيقة أنّ عيزر وايزمان لم يحبّ المصريين قَطّ. ولقد كان، طوال خدمته العسكرية والسياسية المديدة، واحداً من صقور العدو. وربما زادت نقمة الرجل على المصريين، وكرهه لهم، بعد إصابة ابنه الأكبر شاوول، برصاصة جندي مصري، في حرب السويس عام 1956. ولقد أصبح شاوول وايزمان – منذ ذلك الحين- مشلولاً شللاً تاماً، وقابعاً، في منزل والده، مثل جثة.

2- رغم أنّ بيغن درس في شبابه الحقوق في جامعة وارسو، إلا أنه لم يشتغل في المحاماة قطّ. ولم يكن يوماً رجل قانون، بقدر ما كان إرهابيّاً. وبصرف النظر، إن كان السادات يستحق ما أسبغه عليه الوزير الإسرائيلي من الصفات، فإنّ لعبة التمجيد التي انتهجها وايزمان لم تكن، على الأرجح، مبادرة شخصيّة لدغدغة مشاعر الرئيس المصري، واكتساب مودّته. ولقد حاول موشي دايان، مثلاً، أن يمارس حيلة التصاغر والتواضع نفسها مع بطرس غالي. ويذكر الأخير أنه اقترح على دايان – وهما يستقلان السيارة من مطار «بن غوريون» إلى فندق «الملك داود» – أن يحدّدا معاً جدول الأعمال في محادثاتهما المزمعة. وردّ دايان بلطافة مزيّفة: «حِلمك عليّ يا دكتور بطرس. أنا مش أستاذ جامعة كبير قدّك. أنا يدوب فلاح صغير، وجندي!».

3- لم يكن دقيقاً ما نصح كيسنجر به الرئيس المصري. ولم تكن لوايزمان تلك «السطوة» على مناحم بيغن التي توهّمها السادات. وسريعاً ما بان الخلاف حادّاً بين الرجلين إلى حدّ جعل عيزر وايزمان يستقيل من حكومة بيغن، وينشق عن حزب «حيروت» الذي جمعهما، منذ الستينيات.

4- ذكر مصطفى خليل في الحلقة السابعة من برنامج «شاهد على العصر» الذي بثته قناة «الجزيرة» القطرية، في عام 2005، أنّ الانجذاب بين السادات ووايزمان حدث، منذ لقائهما الأول. وقد عبّر خليل عن ذلك، باستعمال المصطلح الإنكليزي Personal Chemistry.

5- أغلب الظنّ أنّ السادات لم يكن يفقه من هو وايزمان، هذا الذي ظنّ أنه «وضعه في جيبه»، وأنه سيُعينه على تحقيق السلام المنشود. كان وايزمان رئيسَ هيئة غرفة العمليات في الجيش الصهيوني، أيام حرب حزيران 1967. وكان هو «صقر الصقور» في المؤسسة العسكرية. ذهب عشية تلك الحرب، مع أحد عشر جنرالاً إلى مكتب رئيس الوزراء ليفي أشكول، ليطلبوا تشكيل حكومة وحدة وطنية تخوض الحرب فوراً ضد العرب. وبحسب التقرير الشامل الذي أنجزه المؤرخ مايكل بريشر عن صناعة القرار الإسرائيلي في حرب 67، كان وايزمان أولَ من صرخ في وجه رئيس حكومته قائلاً له: «إنّ سياسة اللاحرب التي تتبعها، ستجلب لنا الكوارث، وإنّ هذا رأي الجيش كلّه». وحاول أشكول أن يهدئ من سخط وايزمان وجموحه، فقال له: «دعني أشرح لك الموقف»، وقاطعه الجنرال وايزمان قائلاً بحدّة: «إنّ حقائق الموقف معروفة حتى في مقاهي شارع ديزنغوف. إسرائيل الآن تواجه أخطر أزماتها، لكنّ قيادتها موكلة إلى أضعف فريق عرفه تاريخها». وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يحتجّ على هذا الكلام المهين، فقاطعه وايزمان صائحاً في وجهه: «إنّ هناك عشرات الألوف من الجنود ينتظرون في الخنادق أن تصدر لهم الأمر بقتال العرب. لكنك لا تصدر هذا الأمر». وأكمل وايزمان صارخاً: «إنّ أقوى جيش يهودي، منذ أيام الملك داود، تحت تصرفك. وأنت لا تجرؤ على أن تصدر له الأمر لكي يحارب. أصدر الأوامر فوراً». وأراد أشكول أن يتكلم، فما كان من وايزمان إلّا أن خلع وساماً معلّقاً فوق صدر بزته العسكرية، ورماه على مكتب أشكول، وهو يهتف هائجاً: «لا يحق لي – ولا لغيري – أن نحتفظ بأيّ وسام، إذا كان العجز عن الفعل هو الردّ على الخطر».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى