الهجرة الاستيطانية اليهودية: الموجة الأولى وأبعادها (1882-1903)

 

تعتبر سنة 1882 نقطة تحول في تاريخ الحركة الصهيونية، والتي حركتها عملية اغتيال القيصر الروسي ألكسندر الثاني في آذار 1881، بمشاركة يهود.

(شوفاني، الياس. الموجز في تاريخ فلسطين السياسي (منذ فجر الترايخ حتى سنة 1949م)-ط.4. كانون الثاني 2003م. مؤسسة الدراسات الفلسطينية. ص: 319)

تبعتها أعمال عنف واضطهاد في روسيا حتى عام 1883، فدفعت موجة الاضطهاد يهود روسيا إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، وفلسطين، والاستيطان فيها.

تمثل هجرة اليهود عام 1882 بداية الصهيونية الحديثة، نظرا لفعاليتها وتنظيمها من قبل الزعماء الصهيوينيين الذين أسسوا جمعية لتشجيع الهجرة إلى فلسطين، وكانت أولى نتائجها قدوم أول قافلة من مهاجري روسيا اليهود، فأقاموا مستعمرة “ريشون ليتسون” في منطقة يهوذا، وعرفت هذه الجمعية باسم “أحباء صهيون”، أو “هواة صهيون”، وكان من أهداف الجمعية العمل على تأسيس مستعمرات زراعية في فلسطين لتكون اداة لامتلاكها برمتها، وانتشرت فروع الجمعية في روسيا، ورومانيا، وانجلترا، وحاولت صياغة أفكارها صياغة علمية، وإعطاءها صفة “القومية”. ثم عملت على إيجاد جمعيات طلابية في روسيا عرفت باسم “بيلو” و”الحالوتس”، وهو تعبير توراتي معناه: “طليعة القوة المسلحة لفتح الأرض”.

(حلاق، حسن علي. موقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية (1897-1909م). جامعة بيروت العربية- بيروت- 1398ه-1978 م. ص: 88).

وكان أعضاء الحركة من طلاب جامعة خاركوف الروسية.

وفي ربيع عام 1882م، تشكلت في روسيا أول حركة استيطانية صهيونية عرفت باسم “بيلو”، وهو اشتقاق من الأحرف الأولى “بيت يعقوب لخو فنلخا” أي “هيا يا بيت يعقوب لنمضي معا”.

وصل الفريق الطلائعي الطلابي إلى يافا صيف 1882م، ثم تبعته جماعات أخرى. وبذلك تكون “الهجرة الأولى” التي بدأت، أخذت اسم “بيلو” ثم غيرت الاسم إلى “أحباء صهيون” عام 1887م، في روسيا، وررومانيا، وبولونيا، وقام بتأسيس أول جمعية “لأحباء صهيون عام 1882م، الحاخام شموئيل موهيلغر

(1824 -1898م)، وما لبثت الجمعيات أن انتشرت في رومانيا، وألمانيا، وبريطانيا، والنمسا. وتتلخص أهداف الجمعيات بما يلي: 1- تحقيق استعمار فلسطين على يد اليهود. 2- نشر فكرة “القومية” بين اليهود وتعزيزها. 3- رفع شأن اللهجة العبرية باعتبارها لغة قومية. 4- رفع مستوى اليهود من جميع النواحي.

(م.س. الموجز في تاريخ فلسطين السياسي. ص: (320-321).

لعبت “جمعية أحباء صهيون” دورا بارزا في تنظيم الهجرة الأولى إلى فلسطين، وأسس المهاجرون اليهود في عام 1882م ثلاث مستعمرات، هي: 1- ريشون ليتسون ألولى في صهيون، في منطقة يهوذا، بالقرب من “عيون قارة” في السهل الاساحلي إلى الجنوب من يافا. 2- زخرون يعقوب، وعرفت باسم “زمارين” في سفوح جبل الكرمل الجنوبية الشرقية. 3- “روش بينا” أي “رأس الزاوية”، بالقرب من “الجاعونة” بين طبرية وصفد، بناها مستوطنون من رومانيا.

(م.س. الموجز في تاريخ فلسطين السياسي. ص: 321).

وفي عام 1883م، أقام المهاجرون اليهود مستعمرة “يسود همعلا” على شاطيء بحيرة الحولة، و”نيس زيوتا” أي “صهيون الجديدة” وجددوا الاستيطان في “بتاح تكفا”- ملبس. وفي عام 1884م، أقاموا مستعمرة “غديرا” أي “قطرة” في السهل الساحلي الجنوبي، وبعد توقف دام ست سنوات، عادت حركة الاستيطان لفترة قصيرة (1890-1891م). إذ تأسست مستعمرة “رحوفوت”- ديران- إلى الجنوب من يافا، وموتا ، بالقرب من القدس و”جديرا” أي “الخضيرة” بين يافا وحيفا عام 1894م، وفي عام 1896، أقيمت مستعمرة “بئيرطوفيا”، قسطينة، في الجنوب، و”رمتولا”، المطلة، في اقصى الشمال من فلسطين.

(م.ن. الموجز في تاريخ فلسطين السياسي. ص: 321، وموقف الدولة العثمانية من الحركة الصهيونية. ص: 89 هامش 3.

وبإقدام “هواة صهيون” أو “أحباء صهيون” على الخطوة الأولى بالهجرة والاستيطان، تتالت بعدها الهجرات، وانتعشت “هواة صهيون” بعد الفتور الذي اصابها، وشكلت لها لجنة مركزية بقيادة “ليو بنسكر”، وفتحت لها مكتبا لشراء الأراضي في يافا، وعادت الهجرة اليهودية تتدفق إلى فلسطين ما بين (1890-1891م) الأمر الذي دعا الدولة العثمانية إعادة النظر في قراراها تخفيف القيود على الهجرة اليهودية، وقد أدى احتجاج سكان فلسطين، وممثليهم في البرلمان العثماني دورا بالتأثير على الباب العالي لاتخاذ قرار العدول عن السماح بهجرة يهود روسيا إلى فلسطين.

( م.س. الموجز في تاريخ فلسطين السياسي. ص: ٣٢٣).

أما المستوطنات اليهودية خلال 1882- 1896م، فكانت ما يلي: ريشون ليتسيون (1882)، روش بينا (1882)، زخرون يعقوب (1882)، يسود همعلا على شاطيء بحيرة الحولة (1883)، نيس تسيونا (نس زيوتا 1883)، عقرون (1883)، غديرا (قطرة 1884)، رهفوت (ديران بين 1890-1891)، موتسا (1894)، حديرا (الخضيرة 1894)، يئير طوفيا (قسطينة 1896)، متولا (المطلة1896).

أبعاد الهجرة الأولى:

كانت المستعمرات التي أقامتها الهجرة الأولى ظاهرة جديدة في تاريخ فلسطين، وتاريخ العلاقات العربية-اليهودية. اعتاد الفلسطيني على وجود أقلية يهودية تعيش في المدن، وتعتمد في حياتها على التبرعات التي تجمع من يهود العالم. وتكلم أفراد الأقلية اليهودية التي عاشت في فلسطين اللغة العربية، واندمجوا في ثقافة السكان، وعاداتهم، وتقاليدهم، ولم تكن توجد بينهم وبين الفلسطينيين أية حساسية أو نفور، أما المستوطنون الجدد من يهود أوروبا الشرقية والغربية، فحملوا معهم أفكارا، وثقافة، وعادات غريبة عن سكان فلسطين مثل المستوطنين اليهود الألمان، والروس، وغيرهم.

يبالغ اليهود في أهمية دور الهجرة الأولى، ودور مستعمراتها الأولى، والصدامات العنيفة التي نشبت بين الفلاحين الفلسطينيين، والمستعمرين اليهود الجدد. أما الأثر الاقتصادي والسياسي للاستيطان اليهودي الذي قام به “هواة صهيون”، فكان ضعيفا بشكل عام، على عكس ما روجت له الدعاية والأدبيات الصهيونية.

(مناع، عادل. تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني (1700-1918م). مؤسسة الدراسات الفلسطينية- كانون الثاني 2003م. ص: 329).

نشبت خلافات داخلية بين “هواة صهيون” وجماعة “المتدينيين والعلمانيين”. وظهرت خلافات اخرى على خلفية الصعوبات الاقتصادية، وهددت هذه الخلافات بشلل حركة الاستيطان الصهيوني، ونجحت محاولة توحيد الصفوف عام ١٨٨٧م، وتم اختيار قيادة مشتركة، وحصلت “أحباء فلسطين” على اعتراف الحكومة الروسية بها، وصارت تعمل بين اليهود الروس بصورة علنية ورسمية.

(م.ن. تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني.. ص:29 )

أما الموقف العثماني من الهجرة اليهودية فقد كان سلبيا منذ البداية. فأعلنت الدولة العثمانية منذ اواخر 1881م انها تسمح لليهود بالهجرة إلى جميع أنحاء الامبراطورية العثمانية ما عددا فلسطين، شرط أن يصبح المهاجرون اليهود مواطنين عثمانيين مع احترام قوانين الدولة العثمانية، ويخضعون لها.

وعلى الرغم من تطبيق السياسية المعلنة رسميا، إلا أن الموقف لم يكن حازما ولا ناجعا طوال فترة السلطان عبد الحميد الثاني، وما بعده. ولكن الموقف المعارض للهجرة الصهيونية، واستيطان فلسطين، على ضعفه، شكل عقبة أمام المشروع الصهيوني حتى الحرب العالمية الأولى.

(م.ن. تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني.. ص: 231)

 

 

بلغ مجموع سكان المستعمرات في التقرير الذي قدم إلى مؤتمر “بال” على الشكل التالي:

عدد المستعمرات التسع في الجليل الشرقي بلغ 1562 مهاجرا يهوديا، ومجموع مساحة الأراضي 91100 دونم.

عدد المستعمرات الثماني في المنطقة الساحلية 2305 ماجرا يهوديا، وبلغت مساحة الأراضي 48130 دونم.

تشير هذه الأرقام بشكل واضح إلى الحجم الحقيقي لعملية الاستيطان التي نفذها “أحباء صهيون” خلال عقد ونصف من الزمان، (1882-1897) وعلى ضوء ذلك، كان تأثير المستوطنين الأوائل هامشيا، بالنسبة إلى غالبية سكان فلسطين الأصليين، الذين لم يشعروا بتهديد حقيقي لمصالحهم ومستقبلهم. وقد شكل سكان المستعمرات الزراعية وقتذاك أقل من 10% من الأقلية اليهودية في فلسطين، واتجه معظم اليهود الذين جاؤوا فلسطين إلى المدن: القدس، وطبرية، والخليل، وسكن اليهود في المدن الساحلية في: حيفا، ويافا، وعكا، وغيرها من المدن الفلسطينية.

(م.س. تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني. ص: 232).

توفي هرتزل في 3 تموز 1904م، وانتهت بذلك المرحلة الأولى من محاولات تنفيذ “المشروع الصهيوني” عن طريق الدبلوماسية من ناحية، والاستيطان العملي في أنحاء فلسطين من ناحية أخرى، والتي عرفت ب”الهجرة الأولى” التي قادها “أحباء صهيون”.

(م.ن. تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني. ص:236).

ولم تقم الصهيونية خلال زعامة هرتزل بأي نشاط استيطاني ملحوظ، وإنما ركزت جل اهتمام نشاطها على الساحة الدبلوماسية، وإقامة المؤسسات.

بلغ عدد المهاجرين اليهود 2% من مجموع سكان فلسطين في أوائل القرن التاسع عشر، وارتفعت إلى 5% 1881م، ثم إلى 10% مع نهاية حكم السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، أي نحو 60 ألف حيث وصل عدد سكان فلسطين مطلع القرن العشرين إلى أكثر من 600 ألف نسمة، وتعود نسبة الزيادة الديمغرافية لليهود، والتي كانت أعلى، بسبب الهجرة اليهودية الاستيطانية، إلى فلسطين.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى