ثمانية وثلاثون عامًا على عملية صور.. 76 جنديًا قُتِلوا.. إسرائيل الرسميّة ما زالت تُلملِم جراحها وترفض كشف المستور عن أسوأ وأخطر عمليّةٍ بتاريخها..مسؤولون كبار يكشِفون الخبايا وإخفاء الحقيقة

 

ما زالت عملية صور التي وقعت في الـ11 من الشهر الجاري 1982 في المدينة الساحليّة اللبنانيّة حاضِرةً وبقوّةٍ في عقول وقلوب الإسرائيليين، شعبًا وقيادةً، كما يقول المُحلّل للشؤون الأمنيّة، رونين بيرغمان اليوم الثلاثاء في صحيفة (يديعوت أحرونوت). 76 جنديًا إسرائيليًا بالإضافة إلى عناصر من جهاز (الشاباك) قُتِلوا في العمليّة التي هزّت دولة الاحتلال، وما زالت تُثير مشاعر الغضب لهول الإصابة، حتى أنّه تمّ الاتفاق بتل أبيب على تسميتها بـ”كارثة” صور.

الصحيفة الإسرائيليّة نقلت عن مسؤولٍ كبيرٍ سابقٍ في جهاز الشاباك قوله: “بعد 38 عامًا ما زال القلب مكسورًا.. عرفنا في الجهاز الحقيقة، ولكننّا بموجب التقليد المعمول فيه التزمنا الصمت.. اليوم أقول إنّ غزو لبنان في العام 1982 كان نتيجةً لحربٍ غيرُ مُبرّرّةٍ، التي اتسّمت بإهمالٍ جسيمٍ، حيثُ عملت الكثير من القوى المؤثّرة على تزوير الأحداث وإخفاءها عن العائلات وعن الجمهور في إسرائيل”. وطبقًا للشهادات التي جمعتها الصحيفة فإنّه كان بمقدور جيش الاحتلال والمُخابرات الإسرائيليّة منع العملية الثانية في صور، التي وقعت بعد سنةٍ من العملية الأولى، ولكنّ الاحتلال لم يستخلِص العبر والنتائج.

بالإضافة إلى ذلك، شدّدّ المُحلّل بيرغمان، المُقرّب كثيرًا لأجهزة المُخابرات الإسرائيليّة، على أنّ شهادات المسؤولين العسكريين والأمنيين التي جمعها، لكونهم كانوا في مناصبهم وليس فقط شهود عيان، تؤكّد أنّ الجميع كانوا على علمٍ بحقيقة ما جرى، ولكنّهم آثروا السكوت، ونقل عن مسؤولٍ أمنيّ سابقٍ ورفيعٍ، طلب عدم الكشف عن اسمه، نقل عنه قوله: “منذ سنواتٍ عديدةٍ وأنا أؤمن بأنّ التفجير الكبير نتج عن سيارّةٍ مُفخخةٍ، وبأنّ الحديث لا يجري عن “عطلٍ”.. وأيضًا في هذه العملية سيطر التوجّه القاضي بالتستّر على الحقيقة”.

من ناحيته قال أفنير أزولاي قائد بعثة الموساد في لبنان، خلال حرب لبنان 1982 قال للصحيفة العبريّة إنّه كان واضِحًا لجهاز الاستخبارات الخارجيّة أنّ الحديث يدور عن عمليّةٍ عسكريّةٍ ضدّ القوّات الإسرائيليّة في لبنان، وأنّ عملية صور كانت بدايةً لسلسة عملياتٍ فدائيّةٍ ضدّ الوجود الإسرائيليّ في بلاد الأرز، على حدّ قوله.

عُلاوةً على ما ذُكِر أعلاه، قال الجنرال احتياط عيدو شيفاح، الذي تبوأ مناصب رفيعة في سلاح البحريّة الإسرائيليّة إنّه من المؤسف جدًا أنّه بعد 38 عامًا على العملية ما زالت منظومة التستّر وإخفاء الحقيقة هي المُسيطرة، لافِتًا في الوقت عينه إلى أنّه آن الأوان لكشف المستور والمجاهرة بالحقيقة، رغم مرارتها، وفق توصيفه.

جديرٌ بالذكر أنّه بعد غزو لبنان في حزيران (يونيو) 1982 أنشأ جيش الاحتلال الإسرائيليّ مواقع قيادة لإدارة المدن التي احتلها. وفي الـ11 من شهر تشرين الأوّل (نوفمبر) 1982 أصابت سيارة من طراز (بيجو) محملة بالمتفجرات المبنى المكون من سبعة طوابق الذي يستخدمه الجيش الإسرائيلي لحكم صور. وقد أدّى الانفجار لـ”محو” المبنى وقتل 76 جنديًا إسرائيليًا ورجال شرطة من حرس الحدود ووكلاء الشاباك.

وقالت الحكومة الإسرائيليّة بعد الانفجار مباشرةً ومازالت تصر حتى يومنا هذا إنّ الانفجار كان حادث ناجم عن انفجار اسطوانات الغاز، وهو الأمر الذي يتعارض مع شهود العيان الثلاثة الذين شاهدوا سرعة دخول السيارة المفخخة للمبنى وتحديد أجزاء السيارة في أنقاض المبنى ووجود تقرير الشاباك الذي يصف استعدادات حزب الله للتفجير.

يُشار إلى أنّ التحقيق الذي نشرته (يديعوت أحرونوت)، والذي شمل شهاداتٍ كثيرة من أهالي القتلى والجرحى، ومن مسؤولين عسكريين وأمنيين، كانوا في مناصبهم خلال العملية، يدخل في إطار الجهود الشعبيّة في دولة الاحتلال لإلزام الحكومة الإسرائيليّة على الاعتراف بالحقيقة والتأكيد على أنّ الزعم بأنّ أسوأ عمليةٍ في تاريخ الدولة العبريّة كانت مُدبرّةً ومخططًا لها، وليس عملية ناتِجة عن “عطل” تقنيٍّ كما تزعم تل أبيب الرسميّة حتى هذا اليوم، الذي “تُحيي” فيه ذكرى العملية.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنّ اسم منفذ العملية بقي مجهولاً، كذلك الجهة التي نفذت العملية، حتى 19 أيار (مايو) 1985 عندما أقامت “المقاومة الإسلامية” احتفالاً بذكرى شهدائها في بلدة دير قانون النهر، كشفت فيه النقاب عن هوية منفذ العملية الأولى ضدّ قوات الاحتلال، وذلك خلال كلمة ألقاها يومها عضو شورى حزب الله، السيّد حسن نصر الله. وقد اعتمدت “المقاومة الإسلامية” ذكرى عملية الفدائيّ أحمد قصير مناسبةً سنويةً للاحتفال تحت عنوان “يوم شهيد حزب الله”، كما رفعت مكان العملية في منطقة “جلّ البحر” لافتة حديدية أرّخت للعملية.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى