إيران الرابحة الوحيدة: انسحاب أمريكا من المنطقة هو الكابوس الإسرائيليّ وترك واشنطن للأكراد رسالةً سيئةً وخطيرةً للكيان

 

هيمنت بشكلٍ تامٍّ المُعضلة الإيرانيّة على الأجندة السياسيّة والأمنيّة والإعلاميّة في كيان الاحتلال الإسرائيليّ، بعد قرار الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، سحب ما تبقّى من قوّاته في سوريّة، وعمليًا ترك منطقة الشرق الأوسط، بحسب المصادر السياسيّة الرفيعة وواسعة الاطلاع في تل أبيب، فريسةً سهلةً بأيدي اللاعبين الآخرين: روسيا والجمهورية الإسلاميّة ووكلائهما، مُعتبرةً في الوقت عينه أنّ الانسحاب الأمريكيّ لم يتّم التنسيق حوله بين واشنطن وتل أبيب قبل إخراجه إلى حيّز التنفيذ، وأنّ الأخيرة لم تكُن تعلم بذلك بتاتًا، بل علِمت كباقي الدول، على حدّ تعبيرها.

عُلاوةً على ذلك، شدّدّت المصادر الرفيعة في الكيان، على أنّه عمليًا وجّه ترامب سكينًا في ظهر الأكراد الذين عوّلوا على دعمه لهم، وتركهم في الساحة لوحدهم يُواجِهون مصيرهم المحتوم، طبقًا للمصادر في تل أبيب، التي أضافت قائلةً إنّ التصرّف الأمريكيّ أكّد لكلّ مَنْ في رأسه عينان على أنّ واشنطن غدت غير مهتمة بالشرق الأوسط بتاتًا، وهذا الأمر يصب في مصلحة أعداء إسرائيل، لافتةً إلى أنّ الرابحة الأولى من هذه الخطوة الإستراتيجيّة، هي إيران، التي سيُشجعها القرار الأمريكيّ على أنْ تكون أكثر جرأةً وبسالةً في تنفيذ العمليات العدوانيّة ضدّ دولٍ وأهدافٍ في المنطقة دون حسيبٍ أوْ رقيبٍ، وهذا ما دفع الجنرال في الاحتياط، عاموس غلعاد، رئيس الدائرة السياسيّة والأمنيّة في وزارة الأمن الإسرائيليّة سابقًا، إلى القول أمس في مُقابلةٍ مُقتضبةٍ مع القناة الـ13 في التلفزيون العبريّ إلى أنّ ما يُقلقه أكثر من الانسحاب الأمريكيّ من المنطقة هي الثغرات الواسعة في العلاقات الاستخباريّة بين واشنطن وتل أبيب، فيما قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة سابقًا، الجنرال في الاحتياط عاموس يدلين إنّ الخسائر التي ستلحق بالدولة العبريّة في حال هجومها على إيران لتدمير البرنامج النوويّ في الجمهوريّة الإسلاميّة يُمكِن تحملّها، مُقارنةً فيما إذا حصلت إيران على القنبلة النوويّة، على حدّ تعبيره، وفي إشارةٍ واضحةٍ للعودة إلى الخيار العسكريّ ضدّ طهران.

على صلةٍ بما سلف، قال البروفيسور إيال زيسر، نائب رئيس جامعة تل أبيب، وهو أحد المُستشرِقين الإسرائيليين المُهتّمين بالشأن السوريّ، قال في مقالٍ نشره بصحيفة (يسرائيل هايوم) العبريّة أنّ الحديث يدور عن أحداثٍ وقعت في الخليج العربيّ، بعيدًا عن حدود إسرائيل، مُضيفًا في الوقت ذاته أنّه ينبغي الافتراض بأنّ الإيرانيين على علم بأنّ إسرائيل، بخلاف السعودية أوْ حتى واشنطن، لم تدرج على مدّ الخدّ الثاني عندما تتعرض للضرب، ومع ذلك، أوضح البروفيسور زيسر، يجب أنْ تستوعب إسرائيل الدرس، فالتهديد الإيرانيّ لا يكمن في التقدّم نحو السلاح النوويّ فحسب، بل في خطواتٍ عسكريّةٍ عدوانيّةٍ، وهذه المرّة ليس على أيدي المبعوثين، بل مباشرةً من طهران، كما قال المُستشرِق الإسرائيليّ.

مُضافًا إلى ذلك، رأى المُستشرِق زيسر أنّ القصة الحقيقيّة خلف الهجوم المفاجئ الإيرانيّ تكمن في كونه مفاجئًا تمامًا، من الناحيتين السياسيّة والعسكريّة، ولم يخمنه أحد أوْ يتوقعه، لا السعوديون الذين كانوا هدف الهجوم، ولا حتى الولايات المتحدة، وعلى ما يبدو حلفاؤها أيضًا، في إشارةٍ واضحةٍ لكيان الاحتلال الإسرائيليّ.

وتابع قائلاً إنّه منذ أكثر من عقدٍ وإيران تعيش تحت رادار العالم كلّه، لها سجّل دولة عدوانيّة تُمارِس “الإرهاب” كي تُحقِق مصالحها في كلّ أرجاء الشرق الأوسط، بدءًا باليمن، عبر سوريّة ولبنان وحتى غزة، ومؤخرًا في العراق والخليج العربيّ، ومع ذلك، فإنّ الهجوم الإيرانيّ على منشآت النفط في السعودية جاء مفاجئًا تمامًا، ولم يستعد أحد مسبقًا لمنعه أوْ للرد عليه، طبقًا للبروفيسور زيسر.

وأردف زيسر قائلاً إنّ المفهوم الذي تبنّاه العالم بالنسبة إلى إيران كان أنّها لن تتجرّأ على العمل بهذا النحو، وذلك لعدة أسباب: أولاً، تحاول إيران أنْ تعمل بحذرٍ ودون أن ْتثير الانتباه الزائد في مشروعها النوويّ، وكذا للتخلص من العقوبات الأليمة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة، وبالتالي فإنّه لا مصلحة لها للانجرار إلى مواجهةٍ مُباشرةٍ وأليمةٍ مع الولايات المتحدة.

ثانيًا، بحسب المُستشرِق زيسر، فإنّ خطوات إيران تمّت دومًا في ظلّ الاستعانة بالمبعوثين، ولم تتّم بشكلٍ مُباشرٍ وبأيادٍ إيرانيّةٍ، وهذا يتجسّد في غزة ولبنان وسوريّة واليمن، وثالثًا، الخطوات الإيرانيّة حملت دائمًاً طابعًا تكتيكيًا لأعمالٍ إرهابيّةٍ محدودةٍ، ولكنّها ليست خطوةً عسكريّةً شاملةً، مثل إعلان الحرب، وقد تورِّط إيران في مواجهةٍ شاملةٍ، على حدّ تعبيره.

ووفقًا للقناة الـ13 في التلفزيون العبريّ فإنّ إسرائيل ترى في التطورّات الأخيرة إثباتًا على أنّها لا تستطيع الاعتماد أكثر على ترامب بشأن سورية، باستثناء الدعم السياسيّ للاعتداءات الإسرائيليّة، كما أكّدت مصادر رفيعة في تل أبيب، مُشيرةً في الوقت عينه إلى التزام رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، بالصمت المُطبق، وخصوصًا أنّه يقوم بالتعقيب بعد كلّ قرارٍ يتخذّه ترامب بالشرق الأوسط، وشدّدّت المصادر على أنّ نتنياهو اعتبر في السنوات الثلاثة الماضية الرئيس الأمريكيّ الحاليّ بأنّه الحليف الأوثق لإسرائيل، والآن، تابعت المصادر، تقوم الدولة العبريّة بدفع الثمن دون أنْ تستطيع أنْ تنتقِد، لتبقى وحيدةً أمام التهديد المتصاعِد في سوريّة، كما أكّدت المصادر بتل أبيب للتلفزيون العبريّ.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى