إيران تنفّذ سيناريو الحرب

 

ما قامت به إيران، خلال الأسبوع الماضي، والذي يستمرّ اليوم، ليس مجرّد مناورة بل محاكاة لحرب كادت أن تقع، بتحريضٍ عربي ــــ صهيوني. أحداثٌ كانت ستنطلق من حادثة خارج الجمهورية الإسلامية، وستتطوّر إلى اشتباك وتبادل للضربات، لتجرّ طهران للرد ويبدأ مسلسل الألعاب النارية التي وعد بها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب.

اتخذت حاملات الطائرات والقطع البحرية الأميركية، خلال الأسبوعين الماضيين، وضعية التشكيل القتالي، فانسحبت عشرات الكيلومترات إلى خلف خط النار الافتراضي لنقطة الاشتباك مع القوات الإيرانية، أي إلى المدى الأكثر أمناً للتموضع القتالى. طائرات B-52 تزوّدت بالوقود بعد جولات في سماء الخليج وانسحبت لتعود لاحقاً للتحليق، أمّا الغوّاصة النووية، فانسحبت إلى ما خلف مضيق هرمز باتجاه بحر عمان، ومنها إلى المحيط الهندي.

هذا ابتعادٌ أميركي يُنذر بأنّ شيئاً ما سيحدث. فالعسكر، وبعكس ما هو شائع، يعتبر أنّ خروج القوات وابتعادها عن الحدود، ليس هروباً بل تموضُعاً قتالياً. ومن جهته، اجتمع العسكر في طهران، على أعلى المستويات منذ إعلان فوز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، ونسّقت الأركان المشتركة بين كل الأجنحة، كما تمّ وضع السيناريوات وتحديد الأهداف وتوزيع المهمات وتقسيم غرف العمليات. كلّ السيناريوات التي تمّ التدرّب عليها وخُطّط لها، من ضمنها أهداف حُدّدت بعد ضربة عين الأسد، خلال العام الماضي، أصبحت جاهزة والأهداف واضحة.

بعدها، قام قائد الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، ليلة رأس السنة الميلادية، بزيارة لجزيرة أبو موسى جنوب البلاد على الحدود مع الإمارات. زيارةٌ كانت بغاية السرية، وبمثابة دراسة مدى جاهزية القوات الإيرانية، إضافة إلى أنها هدفت إلى استشعار مدى حساسية القوات الأجنبية لأيّ انتشار إيراني. وقد تمّت بالتزامن مع إجراءات استثنائية، من ضمنها انتشار القطع البحرية الإيرانية في الخليج لتأمين الحماية لقائد الحرس الثوري، إضافة إلى التجهيز لعرض عسكري بحري للزوارق السريعة في تلك المنطقة.

هنا، رصدت واشنطن وتل أبيب هذا الانتشار، واستشعرتا تحرّكاً ما في الخليج، من دون أن تعرفا المسبّب الرئيسي لهذا التحرّك المفاجئ. أدّت مناورة قائد الحرس الثوري ــــ والذي أُعلن بعد ثلاثة أيام عن زيارته الجزيرة ــــ الدور المطلوب منها، فقد فهِم الجميع أنّ إيران تستعدّ لتحرّكٍ ما، أو هي جاهزة لتلقّف الضربة الأولى، سعياً لفتح النار على كامل المنطقة التي سيوجد فيها الجنود الأميركيون ومن يستضيفهم، إضافة إلى تلميحات عن دورٍ إسرائيلي قوي في تنسيق عملية اغتيال الشهيد قاسم سليماني، وضَعَ الكيان العبري في دائرة النار.

الرد الإيراني وسيناريو الضربات باتا جاهزين. وبناءً عليه، خاضت القوات المسلّحة الإيرانية، جيشاً وحرساً ثورياً، حرباً هجومية، وحاكت أهدافاً حقيقية تمّ ضربها بطائرات مسيّرة مفخّخة وصواريخ «كروز» مجنّحة.

القوات العسكرية في إيران لا تستخفّ بالقدرة النارية للقوات الأميركية، ولا بقدراتها العسكرية، ولكن يُحسب الحساب للفاتورة والثمن، وهو ما يمنع واشنطن من الانجرار إلى حرب مع إيران، رغم عدم إمكانية التكهّن بشيء من هذا القبيل مستقبلاً.

على الجانب الآخر، فإنّ هذه المناورة، التي يمكن وصفها بالعملية العسكرية الاستباقية، ستُحفر في وجدان المفاوِض النووي مع إيران. لذا، كما في العسكر، أيضاً في السياسة، هناك جاهزية تامّة لما سيأتي. هنا السلال متعدّدة، والملفّات في الظاهر متّصلة، ولكن في أروقة صناعة القرار يتمّ التعامل معها بشكل منفصل. الاستثناء في هذه الحالة، هو الملف النووي، فلا حاجة إلى مكتسبات إقليمية أو تنازلات في إدارة هذا الملف. إيران، اليوم، تمكّنت من قلب الصورة، وبالتالى باتت هي مَن تطالب بتنفيذ الخطوات الغربية لتقوم لاحقاً بالتراجع.

ومع الكم من التكهّنات بشأن آليات العمل في الملف النووي، تبرز نقطة أساسية ومهمّة، وهي العودة إلى ما حصل في عام 2012، عندما طلبت بريطانيا من الدول الخمس في السداسية الدولية، ضرورة تأجيل التفاوُض وبتّ أيّ تفاهمات، إلى حين الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الإيرانية. حينها، كان كبير المفاوضين النوويين، سعيد جليلي، من بين المرشحين للانتخابات، إضافة إلى المرشح الشيخ حسن روحاني. وبالتالي، توقّفت المفاوضات ستة أشهر، إلى حين ظهور نتائج الانتخابات، بفوز روحاني ووصول ما يُعرف بـ»التيار المعتدل».

استناداً إلى ما تقدّم، يُستبعد الخوض تفصيلياً في الملف النووي، مع معرفة واشنطن أنّ وصول شخصية محافظة إلى رئاسة الجمهورية سيعني ظهور توجّهات أكثر تشدّداً حيال مختلف الملفّات، وبالتالي ستعمل على الضغط على إيران لوضع كلّ الملفّات في سلّة واحدة، وهو ما ترفضه طهران.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى