الحريري خرج من الحُكم بثورةٍ شعبيّةٍ ويُحاول العودة إليه على ظهر مُبادرة فرنسيّة وبعد تفجير بيروت وإسقاط حُكومتين.. فهل ينجح في فرضِ شُروطه بِما فيها الشّرط المسكوت عنه؟

 

تكليف الرئيس ميشال عون للسيّد سعد الحريري بتشكيل الحُكومة اللبنانيّة الجديدة يُسجّل سابقة فريدة من نوعها ليس في لبنان، وإنّما في المِنطقة العربيّة برمّتها فهذه هي المرّة الأولى في تاريخ “الثّورات العربيّة” التي أطاحت إحداها برئيس وزراء بسبب تُهم الفساد المالي والاقتصادي والسياسي، ليعود إلى منصبه، وبعد عامٍ بالتّمام والكمال، ولكن هذه المرّة على ظهر مُبادرة فرنسيّة وضُغوط أمريكيّة، ومُفاوضات مفروضة مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي لترسيم الحُدود البحريّة اللبنانيّة مع فِلسطين المحتلّة تحت إشراف الأمم المتحدة، وبِما يُؤدّي إلى بدء عمليّات التّنقيب عن الغاز والنّفط.

بمعنى آخر جرى التّمهيد أو “الفرض” لهذه العودة للسيّد الحريري، بانفِجارٍ غامضٍ في ميناء بيروت في آب (أغسطس) الماضي أدّى إلى تدمير نِصف العاصمة ومقتل حواليّ ألفين من أهلها، وتشريد 300 ألف آخَرين، وفاتورة إعادة إعمار بحواليّ 15 مِليار دولار، وإشعال عدّة حرائق مُتعمّدة في جنوب لبنان، وإفشال، أو بالأحرى، إسقاط وزارتين لشخصيّتين مُستقلّتين، وافتِعال أزمة ماليّة أوصلت سِعر اللّيرة اللبنانيّة إلى أسعار خرافيّة غير مسبوقة أمام الدّولار تأرجحت بين خمسة آلاف وعشرة آلاف ليرة هُبوطًا.

يُجمِع المُحلّلون اللبنانيّون على أنّ التّكليف سهلٌ، ولكنّ التحدّي يَكمُن في التّشكيل، وفوز حُكومة السيّد الحريري الرّابعة بثقة برلمان تملك الأغلبيّة فيه كُتلتان مُضادّتان له، وهُما كُتلة المُقاومة “حزب الله”، وكُتلة التيّار الوطني الحر بزعامة السيّد جبران باسيل، العدوّ اللّدود للسيّد الحريري، ولم تُسمّيه أيّ من الكُتلتين، فلم يحصل السيّد الحريري إلا على 65 صوتًا في المُشاورات البرلمانيّة التي أجراها الرئيس عون من مجموعِ 128 نائبًا، وامتِناع 53 عن التّسمية، وهذه نسبة تأييد مُتدنّية وهشّة تجعل استِمرار الحُكومة الجديدة، ونجاحها بالتّالي في يَدِ تيّار المُعارضة المُفترضة.

أخطر ما ورد في المُؤتمر الصّحافي المُقتضب الذي عقده السيّد الحريري بعد تلقّيه كِتاب التّكليف، نُقطتان أساسيّتان: الأُولى وصفه لحُكومته بأنّها الفُرصة الوحيدة والأخيرة، والثّانية رغبته في تشكيل حُكومة من الاختصاصيين، وليس من الحزبيين، تكون مَهمّتها تلبية شُروط المُبادرة الفرنسيّة وتطبيقها كاملةً، وأبرزها مُكافحة الفساد، والإصلاحات الاقتصاديّة، والتّجاوب بالكامل مع شُروط صندوق النّقد الدولي المُجْحِفَة والظّالمة للحُصول على مُساعداتٍ ماليّةٍ.

أُسرة الحريري حكمت لبنان لأكثر من 15 عامًا، وتحكّمت بكُل أوضاعه الماليّة والاقتصاديّة، وأكبر صفقات الفساد تمّت في هذه الفترة، بِما في ذلك وصول الدّين العام إلى حواليّ مِئة مِليار دولار، فهل سيعترف السيّد الحريري بأخطائه، ووالده من قبله بالمسؤوليّة، ولو جُزئيًّا عن وصول البلاد إلى هذا الانهيار الذي تعيشه حاليًّا، لتكون الخطوة الأولى والأهم في مسيرته الإصلاحيّة الموعودة.

تِكرار السيّد الحريري لتهديداته بأنّه يُمثّل “سوبرمان” المُنقذ، بالنّسبة إلى لبنان، فإمّا أن تُطلِقوا يديّ وتقبلوا بكُل شُروطي، باعتبار حُكومتي الفُرصة الأخيرة والوحيدة، وإلا فإنّ طوَفان الانهِيار سيتضاعف وسيُسارع بإغراق البلاد في الفوضى والحرب الأهليّة.

تهديداتٌ استفزازيّةٌ خطيرةٌ، ربّما تُعطي نتائج عكسيّة تمامًا، خاصّةً أنّ الشّرط المسكوت عنه من قبل الحريري وداعميه الفرنسيين والأمريكان والسّعوديين وهو نَزعُ سِلاح “حزب الله”، سيتم طرحه لاحقًا، والمسألة مسألة تدرّج، وتقسيط، وتطبيق سياسة خُذ وطالب.. واللُه أعلم.

 

 

 

صحيفة  رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى