المشروع الكردي والمشروع التركي: أيّهما أخطر على سوريا؟

المُراقِب للأوضاع في الشمال السوري، يُلفته مشروعان يُهدّدان وحدة اقليم الدولة السورية وسيادتها، وهما المشروع الكردي المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية، والمشروع التركي الذي يستخدم الذرائع المتعدّدة للتوغّل عسكرياً في الأراضي السورية، ومن المهم لفت النظر إلى أن كلاً من المشروعين، يعتمد على إسنادات تاريخية للقول بأحقيّة المشروع في قضْمِ الأراضي السورية لتنفيذ مشروعه فيها.

تضجّ منطقة الشمال والشرق السوري بأزمات التاريخ والجغرافيا، والتي غالباً ما تتحوّل إلى لعنات تتسبّب بالمزيد من الدمار والقتل واستجلاب التدخّل الخارجي والطمَع بالأراضي السورية تحت مُسمّيات عدّة.

المُراقِب للأوضاع في الشمال السوري، يُلفته مشروعان يُهدّدان وحدة اقليم الدولة السورية وسيادتها، وهما المشروع الكردي المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية، والمشروع التركي الذي يستخدم الذرائع المتعدّدة للتوغّل عسكرياً في الأراضي السورية، ومن المهم لفت النظر إلى أن كلاً من المشروعين، يعتمد على إسنادات تاريخية للقول بأحقيّة المشروع في قضْمِ الأراضي السورية لتنفيذ مشروعه فيها.

المشروع الأول أي المشروع الكردي الانفصالي، ويستند بشكل أساسي إلى دعمٍ عسكري من القوات الأميركية التي زادت قواعدها العسكرية إلى 20 قاعدة، بحسب ما أعلن الروس مؤخّراً. ويعلن الكرد أن لهم الحق في السيطرة على تلك المناطق باعتبارها جزءاً من كردستان التاريخية، وحيث أنهم منذ مئة عام فقط كانوا على وشك تحقيق حلم تأسيس الدولة، لولا تغيّر المُعادلات الدولية.

ومن المفيد ذكره هنا، ألا صحّة لهذه هذا الادّعاءات، فالأراضي السورية لم تكن يوماً جزءاً من كردستان التاريخية، فاتفاقية سيفر لعام 1920 ( وبحسب الخرائط المنشورة)، والتي يستند إليها الكرد باعتبارها أول وثيقة دولية تُثبت حقّهم في تقرير مصيرهم ضمن دولة مستقلّة، لا تضمّ لا من قريب ولا من بعيد أية منطقة سورية، وذلك يعود إلى أن النزوح الكردي إلى سوريا لم يتم إلا بعد المذابح التي تعرّضوا لها من “الحركة الكمالية” في تركيا بعد ثورتهم في العام 1925، ما يعني أن الظاهرة الكردية في سوريا لم تكن يوماً جزءاً من حركة قومية كردية تاريخية عُمرها مئات السنين.

أما المشروع الثاني فهو المشروع التركي التوسّعي، والذي يستند فيه الأتراك أيضاً إلى ادّعاءات تاريخية، حيث يُذكّر أردوغان بشكلٍ دائمٍ أنه لن يقبل باستمرار مفاعيل “معاهدة لوزان” 1923، والتي – بحسب زعمه- أخذت من تركيا جزءاً من أراضيها، ويُشير في هذا الصدد إلى أن “مساحة تركيا كانت في العام 1914، مليونيّ ونصف مليون كيلومتر مربع، بينما تراجعت في العام 1923 (بعد الاتفاقية)، إلى 780 ألف كيلومتر مربع”.

والجدير بالمُلاحظة هنا، أن أردوغان يُشير إلى “الميثاق الملّي” التركي، الذي تمّ توقيعه عام 1920 من قِبَل مجلس المبعوثين العثماني، والذي يضع خريطة تركيا، والتي تضمّ بالإضافة إلى الأراضي التركية الحالية، مناطق في أوروبا (بلغاريا واليونان)، وقبرص، بالإضافة إلى مناطق الشمال العراقي وتضمّ الموصل وكركوك والسليمانية، وتضمّ مناطق الشمال السوري بكاملها وصولاً إلى حلب ودير الزور. وبحسب تصريح أتاتورك عام 1920: “حدودُ أمّتِنا، من جنوبِ خليجِ الإسكندرونة، من أنطاكية، وجنوب جسر جرابلس ومحطّة سكّة الحديد، وجنوب حلب ثم تسير جنوباً مع نهر الفرات حتى تضمّ دير الزور، ثم تتجّه شرقاً لتضمّ الموصل، وكركوك والسليمانية”.

انطلاقًا مما سبق، ومن الجغرافيا التي يدّعي كل مشروع أحقّيته التاريخية فيها، يبدو أن المشروعين يُشكّلان خطراً كبيراً على الدولة السورية، وأيّ ادّعاء بأن هناك مشروعاً أقل خطورة من الآخر، أو أنه يمكن للسوريين التعايُش مع أحد المشروعين، فلا يعدو كونه وصفة لتقسيم سوريا، أو القبول باقتطاع أجزاء حيوية من أراضيها بالقوّة.

المُفيد بالنسبة إلى السوريين، أن المشروعين ينفيان بعضهما البعض، أي أن الجغرافيا المُتنازَع عليها هي جغرافيا واحدة، وهذا يعني حتميّة اصطدام المشروعين أو تراجُع أحدهما. وإذا أرادت الدولة السورية، بعد تأمين الداخل السوري أن تجري تقييماً للأخطار التي تتهدّدها في الشمال السوري، فيمكن الاستناد إلى التاريخ أيضاً، فالمعروف بأن الأميركيين لا يثبتون في أرضٍ تتشكّل فيها مقاومة محلية شعبية، ولا يُفرّطون بدماء جنودهم للاستقرار في أرضٍ لا تقبلهم، والتاريخ يشير أيضاً إلى أن التركي لا ينسحب من أرضٍ إلا بهزيمةٍ عسكريةٍ كُبرى، وهذا ما تؤكّده الشواهِد التاريخية للدولة العثمانية التي استمرّت باضطهاد العرب ومحاولات التتريك، ولم تنسحب بالرغم من كل المقاومة التي لقيتها، إلا بعد هزيمة الامبراطورية في الحرب العالمية الأولى.

الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى