الورقة السياسية لصفقة القرن

إذا كانت صفقة القرن الأميركية – الصهيونية، استراتيجية طويلة الأمد، ومسارات متشعّبة على كل الأصعدة، تشمل كل ما سبقها من مناخات وتحضيرات سياسية واقتصادية، تنطلق من تفكيك دول الشرق العربي وتفتيت مجتمعاتها إلى كانتونات طائفية وجهوية، وتحويلهم إلى جغرافيا بلا سيادة، وإلى سكان لا مواطنين، وتجميعهم في فيدراليات ومدن كوزومبوليتية بلا هوية، على غرار مشروع نيوم والمدن المشمولة بحرب الموانيء، فإن الورقة السياسية لهذه الصفقة تقوم على المُعطيات التالية:

1في إطار التمزيق والكنتنة لمُجمل الوضع العربي، تمزيق الحال الفلسطينية إلى مربعات وجزر متناثرة والسعي دائماً لمنع توحيد الفلسطينيين سواء في الداخل أو في المنافي.

ومن هذه المربّعات، حال في غزّة، وحال أو أكثر في الضفة الغربية (شرق فلسطين) وحالات متناثرة في الأردن والمنفى.

2التعاطي مع مُجمل الحالات الفلسطينية من منظورٍ أمني – إداري لا مكان للسياسة فيه ولا للأرض كقيمةٍ وطنية.

3التعامل مع غزّة (كإطار) فلسطيني ممكن بإشراف أمني مصري.

4ربط ما تبقّى من الضفة الغربية (شرق فلسطين) مع الأردن بعد تمزيق الطرفين إلى مربعات وجزر وأقاليم، وتجميعها في إطار فدرالي أو كونفدرالي شكلي، مرتبط بالعدو وفق مشروع البينلوكس الثلاثي كما طرحه شمعون بيريز (مركز إسرائيلي كامل السيادة ومحيط أردني – فلسطيني بلا سيادة).

5شطب كل ما يُعرّف بقضايا الحل النهائي (القدس، الغور الشمالي، اللاجئون) الأولى بوضعها تحت الاحتلال الصهيوني الكامل، باسم (تهويد القدس) والثاني، بوضع اليد عليه نهائياً وربطه بالحوض المائي في الجولان ومزارع شبعا.

أما موضوع اللاجئين فهو موضوع للتصفية النهائية بتقليص عددهم إلى نصف مليون خارج فلسطين ودفع تعويضات (نفطية) لهم، كما بتصفية وكالة الغوث الدولية (الأونوروا) رغم أن فكرة الوكالة نفسها عند تأسيسها، كانت فكرة مشبوهة، ذلك أن اللاجئين الفلسطينيين وحدهم من بين كل اللاجئين في العالم، الذين فقدوا أرضهم وطُرِدوا منها بالقوّة، لم يشملوا بنشاطات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي كان من أهدافها مساعدة اللاجئين على العودة إلى وطنهم، فيما كانت أهداف الوكالة مساعدة اللاجئين على التوطّن خارج وطنهم.

ويُشار هنا، إلى أن ما يبدو تحفّظاً رسمياً أردنياً إزاء هذا الملف، يختبر فقط في إلغاء معاهدة وادي عربة، الموقّعة في تشرين أول 1994 وخاصة المادة (8) تحت عنوان: اللاجئون والنازحون، إذ نصّت الفقرة (ج) من المادة المذكورة على ما يلي بالحرف الواحد: “تطبيق برامج الأمم المتحدة المتّفق عليها، وغيرها من البرامج الإقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين، بما في ذلك المساعدة على توطينهم”.

6أما الأخطر من كل ما سبق، فهو شطب فكرة الأرض-الوطن، سواء تعلّق ذلك بفلسطين أو بالأردن، فجميع القوى الصهيونية (ما يوصف منها بالتطرّف أو الاعتدال) تجمع على أن ما بين البحر والصحراء العراقية، هي أرض (إسرائيلية) صدف وأن عاش وتعيش عليها مجموعات من الأعراب، أردنيين وفلسطينيين، وتنطلق من ذلك للقول بأن ما يحكم العلاقة مع هؤلاء الأعراب (الأغيار – الغوييم) الذين خلقوا لخدمة (الشعب المختار) هو منطق الجغرافيا والسكان وليس الأرض والشعب والمواطنة، فهذا المنطق حسب الرواية الصهيونية، منطق خاص باليهود.

وبالتالي فإن أي تعبير سياسي اجتماعي يتّخذه هؤلاء الأعراب وأياً كان شكله وإسمه (دولة، سلطة، مملكة، كونفدرالية، فيدارلية) هو أمر شكلي ويتعلّق بالإدارة للسكان وليس بممارسة سلطة حقيقية على أرض وطنية لمواطنين.

7رغم كل ما سبق، فإن كل التصوّرات والمشاريع الأميركية الصهيونية وأداوتها الرجعية، ليست قدراً وهزيمة مُسبَقة الصنع، فقد برهنت الوقائع تلو الوقائع على حيوية الشعب الفلسطيني والقوى الكامنة في الأمّة، وقدرتها على خلط الأوراق وقلب الطاولة، على الخرائط والمشاريع وأقلام الاستخبارات التي تديرها ومن ذلك:

بعد هزيمة ونكبة 1948، ظنّ العدو أن احتلاله لفلسطين بات أمرًا واقعاً ومُسلّماً به، فجاءت ثورة يوليو الناصرية وحملت معها مُجمل حركة التحرّر في المنطقة والوطن العربي وربطت بينها وبين الصراع مع العدو الصهيوني.

وبعد هزيمة حزيران 1967 ظنّ موشيه ديان أن بإمكانه إعلان نهاية التاريخ مع جنازير الدبابات الصهيونية على ضفاف السويس، فانفجرت المقاومة الفلسطينية والعربية.

وبعد عدوان حزيران آخر عام 1982، ظنّ العدو الصهيوني أنه بتهديد بيروت وباتفاق 17 أيار قد وسعّ كامب ديفيد ليشمل لبنان، ولكن سرعان ما انفجرت المقاومة الوطنية التي تعمّقت بظهور حزب الله ومعارك التحرير 2000/2006.

وبعد أن أرادوا من احتلال عاصمة عربية أخرى، هي بغداد وتحطيم العراق وتمزيقه إلى كانتونات طائفية، ومن العدوان على سوريا وحشد كل القَتلَة والمرتزقة في العالم، اقتطاع أجزاء منهما (الأنبار وحوران) وضمهما إلى كونفدرالية الأقاليم المُبعثرة في الأردن والضفة الغربية في إطار مشروع هرتسليا (الأردن الكبير)، كان للمقاومة العراقية، ولسوريا، الجيش والشعب والقيادة، الكلمة الفاصلة، فسقط المشروع واستدار مهندسوه جنوباً إلى البحر الأحمر وما يُعرَف بوادي السلام ومشروع نيوم وكل ما يتعلق بصفقة القرن.

ومن المؤكّد أن القوى الحيّة في الأّمّة وقوى المقاومة والممانعة الصاعدة لن تسمح بأن تكون رهن هذه الصفقة التي تدعو جهاراً نهاراً إلى تحويل الشرق العربي وأهله إلى عبيد في خدمة الشعب المختار المزعوم.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى