بايدن يتجاوز ترامب في سوريا

 

استناداً إلى عناصر المواجهة ستبقى الساحة السورية المكان المفضل للإدارة الأميركية لإسقاط التهديدات الآتية من إيران وروسيا الصين، فمنطقة الجزيرة السورية تعتبر منصة استراتيجية مطلة على الداخل السوري وعلى الساحتين التركية والعراقية.

بعد مضي أربع سنوات على رئاسة دونالد ترامب، استطاعت الدولة العميقة في الولايات المتحدة الإمساك بكامل مفاصل السياستين الخارجية والداخلية، وقد ورثت داخلاً أميركياً منقسماً على نفسه عمودياً، وبتجربة فاضحة للسياسات الديمقراطية المتبعة بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من المخاطر العالية لإمكانية استمرار هذا الإنقسام وانفجاره بأشكال مختلفة، فإن الإدارة الجديدة لم تتعارض مع سياسات ترامب التي اتخذها تجاه خصومها الأساسيين ممن تعتبرهم تهديداً لمكانتها العالمية ودوام هيمنتها على مقدرات العالم ومساراته السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبالأخص روسيا والصين وإيران التي تعتبر تهديداً لها عبر تحالف الدول الثلاث غير المعلن مع بعضها البعض.

كانت الإشارات الأولية حول طبيعة السياسات التي ستتبعها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الدول الثلاث واضحة، خاصةً بعد إعلان الترشيحات الأساسية لمساعدي جو بايدن، في وزارة الدفاع والاستخبارات، ومديرة المخابرات على وجه الخصوص.

وتم تأكيد الإشارات بعد خروج ترامب وتنصيب بايدن والإعلان عن أسماء الإدارة الجديدة التي غلب عليها سمتان أساسيتان هما، الأصول اليهودية لأعضائها أو الزواج من يهود، فكانت الإدارة الأولى التي تضم أكبر عدد منهم، والسمة الثانية هي العداء الواضح والصارخ لروسيا بالدرجة الأولى وللصين بطبيعة الحال.

لا يختلف وضع إيران بالنسبة للإدارة الجديدة عن السابقة، وذلك رغم التصريحات الناعمة للعودة إلى الاتفاق النووي، في محاولة لإعادة احتواء إيران وضبط مساراتها بما يخرجها عن سياق تحالفها مع الصين وروسيا وإيقاف تهديداتها الوجودية للكيان الإسرائيلي.

فالإدارة الأميركية تدرك أن الموقع الجيوسياسي للهضبة الإيرانية يشكل المرتكز الأساس لنجاح المشروع “الأوراسي” لموسكو ومشروع “طريق واحد حزام واحد” لبكين، كما تدرك أن طهران تتحرك في مواجهة الأميركيين غير المباشرة في أفغانستان والعراق سوريا ولبنان وفلسطين واليمن، وقد ورثت إدارة بايدن مجموعة من أوراق الضغط من سابقتها تتيح لها هامشاً أوسع في التعاطي مع الملف الإيراني واستمرار العقوبات الشديدة والحصار عليها.

استناداً إلى عناصر المواجهة الثلاث ستبقى الساحة السورية المكان المفضل لهذه الإدارة لإسقاط التهديدات الثلاث، فتعزيز تواجدها في منطقة الجزيرة السورية التي تعتبر منصة استراتيجية مطلة على الداخل السوري من جهة وعلى الساحتين التركية والعراقية، يشكل تهديداً للممر البري لمشروع بكين الذي سيمر من شمال غرب إيران وجنوب شرق تركيا، وعصىً غليظة في مواجهة الانفلات التركي من عقال الاستراتيجية الأميركية بالاعتماد على دعم القوى العسكرية الكردية من دون الوصول إلى الاعتراف بكيانية سياسية خاصة بهم كإدارة ذاتية أو فيدرالية.

ولا تخرج محاولات توحيد القوى الكردية المتنافرة عن هذا الإطار، امتداداً للعمل على توحيد شمال العراق وسوريا لتصبح هذه العصى فعالة في الضغط على إيران أيضاً، بالإضافة للعمل على إعادة تركيب قوى المعارضة في الخارج لتصبح منطقة الجزيرة مقراً لها بالتنسيق مع مجلس سوريا الديمقراطية.

لا يختلف الوضع في منطقة التنف عن الشمال السوري، فهي تحولت لأهم قاعدة عسكرية استخباراتية في منطقة الشرق الأوسط، وتتيح دعم التنظيمات المسلحة في البادية السورية لاستهداف الجيش السوري والقوى العسكرية الحليفة التي تدعمها طهران بالتنسيق مع دمشق، بالإضافة إلى توسيع عملها باتجاه الأراضي العراقية لقطع الطريق البري الذي يصل بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت وبالتالي إلى إسلام آباد وبكين.

وما عودة داعش للعمل في سوريا والعراق بعد إطلاق عدد كبير من قياداته ومسلحيه من سجن أبو الهول في الحسكة إلا تأكيداً على العودة إلى مرحلة أوباما بدعم المجموعات الإسلامية التكفيرية بشكل أكبر.

لا تخرج منطقة إدلب بدورها عن سياق عمل الاستراتيجية الأميركية، وما كان للإدارة التركية أن تتخذ القرار باحتلال إدلب بمعزل عن موافقة البنتاغون، وذلك بهدف حماية المجموعات المسلحة العابرة للدول واستخدامها كقوى مزعزعة للأمن الروسي والصيني والإيراني، بالإضافة إلى استخدامها كورقة ضغط في ظهر الجيش السوري وحلفائه في حال حصول حرب كبرى مع “إسرائيل”، لتتحول إدلب إلى صمام أمان لأمن “إسرائيل” وتهديداً للأمن السوري والروسي والصيني والإيراني. وستستمر الإدارة الأميركية بحمايتها كما عبر سابقاً ممثل الإدارة السابقة في إدارة الملف السوري بأن “إدلب ستبقى قلعة للمعارضة السورية”، والعمل على إعادة ترتيب قوى المعارضة الإسلامية بأشكال وأسماء جديدة.

ومن المرجح أن تتراجع هذه الإدارة عن الاتفاق الذي تم بينها وبين موسكو وتل أبيب في منطقة الجنوب السوري المتاخمة للجولان المحتل، وأن تعود إلى تفعيل غرفة الموك بالتنسيق مع الإمارات العربية المتحدة التي مازالت تعمل على خطين أساسين، أولاً التقرب من دمشق ومحاولة استمالتها بالوعود الاقتصادية، وثانياً الاستمرار بدعم المجموعات المسلحة التي يقودها أحمد العبدو الذي يتلقى دعماً إماراتياً إسرائيلياً مزدوجاً.

يترافق كل ذلك مع استمرار العقوبات الاقتصادية الشديدة على السوريين بما يخلخل العلاقة مع القيادة السورية في ظل فساد الحرب المستشري، واستنزاف إيران وروسيا المتعبتين بالحصار والعقوبات.

ليس أمام دمشق من خيارات كثيرة في مواجهة تصاعد التهديدات العسكرية والأمنية والاقتصادية سوى إعادة النظر بإدارة الملف الداخلي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، والعمل على الانتقال للتعاون الاقتصادي المفتوح بين سوريا والعراق وإيران وروسيا، والعمل من أجل إدخال الصين اقتصادياً، الأمر الذي يتطلب بيئة اقتصادية وقانونية مختلفة، فهل سنرى ذلك خلال هذا العام؟

بعد مضي أربع سنوات على رئاسة دونالد ترامب، استطاعت الدولة العميقة في الولايات المتحدة الإمساك بكامل مفاصل السياستين الخارجية والداخلية، وقد ورثت داخلاً أميركياً منقسماً على نفسه عمودياً، وبتجربة فاضحة للسياسات الديمقراطية المتبعة بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من المخاطر العالية لإمكانية استمرار هذا الإنقسام وانفجاره بأشكال مختلفة، فإن الإدارة الجديدة لم تتعارض مع سياسات ترامب التي اتخذها تجاه خصومها الأساسيين ممن تعتبرهم تهديداً لمكانتها العالمية ودوام هيمنتها على مقدرات العالم ومساراته السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبالأخص روسيا والصين وإيران التي تعتبر تهديداً لها عبر تحالف الدول الثلاث غير المعلن مع بعضها البعض.

كانت الإشارات الأولية حول طبيعة السياسات التي ستتبعها الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الدول الثلاث واضحة، خاصةً بعد إعلان الترشيحات الأساسية لمساعدي جو بايدن، في وزارة الدفاع والاستخبارات، ومديرة المخابرات على وجه الخصوص.

وتم تأكيد الإشارات بعد خروج ترامب وتنصيب بايدن والإعلان عن أسماء الإدارة الجديدة التي غلب عليها سمتان أساسيتان هما، الأصول اليهودية لأعضائها أو الزواج من يهود، فكانت الإدارة الأولى التي تضم أكبر عدد منهم، والسمة الثانية هي العداء الواضح والصارخ لروسيا بالدرجة الأولى وللصين بطبيعة الحال.

لا يختلف وضع إيران بالنسبة للإدارة الجديدة عن السابقة، وذلك رغم التصريحات الناعمة للعودة إلى الاتفاق النووي، في محاولة لإعادة احتواء إيران وضبط مساراتها بما يخرجها عن سياق تحالفها مع الصين وروسيا وإيقاف تهديداتها الوجودية للكيان الإسرائيلي.

فالإدارة الأميركية تدرك أن الموقع الجيوسياسي للهضبة الإيرانية يشكل المرتكز الأساس لنجاح المشروع “الأوراسي” لموسكو ومشروع “طريق واحد حزام واحد” لبكين، كما تدرك أن طهران تتحرك في مواجهة الأميركيين غير المباشرة في أفغانستان والعراق سوريا ولبنان وفلسطين واليمن، وقد ورثت إدارة بايدن مجموعة من أوراق الضغط من سابقتها تتيح لها هامشاً أوسع في التعاطي مع الملف الإيراني واستمرار العقوبات الشديدة والحصار عليها.

استناداً إلى عناصر المواجهة الثلاث ستبقى الساحة السورية المكان المفضل لهذه الإدارة لإسقاط التهديدات الثلاث، فتعزيز تواجدها في منطقة الجزيرة السورية التي تعتبر منصة استراتيجية مطلة على الداخل السوري من جهة وعلى الساحتين التركية والعراقية، يشكل تهديداً للممر البري لمشروع بكين الذي سيمر من شمال غرب إيران وجنوب شرق تركيا، وعصىً غليظة في مواجهة الانفلات التركي من عقال الاستراتيجية الأميركية بالاعتماد على دعم القوى العسكرية الكردية من دون الوصول إلى الاعتراف بكيانية سياسية خاصة بهم كإدارة ذاتية أو فيدرالية.

ولا تخرج محاولات توحيد القوى الكردية المتنافرة عن هذا الإطار، امتداداً للعمل على توحيد شمال العراق وسوريا لتصبح هذه العصى فعالة في الضغط على إيران أيضاً، بالإضافة للعمل على إعادة تركيب قوى المعارضة في الخارج لتصبح منطقة الجزيرة مقراً لها بالتنسيق مع مجلس سوريا الديمقراطية.

لا يختلف الوضع في منطقة التنف عن الشمال السوري، فهي تحولت لأهم قاعدة عسكرية استخباراتية في منطقة الشرق الأوسط، وتتيح دعم التنظيمات المسلحة في البادية السورية لاستهداف الجيش السوري والقوى العسكرية الحليفة التي تدعمها طهران بالتنسيق مع دمشق، بالإضافة إلى توسيع عملها باتجاه الأراضي العراقية لقطع الطريق البري الذي يصل بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت وبالتالي إلى إسلام آباد وبكين.

وما عودة داعش للعمل في سوريا والعراق بعد إطلاق عدد كبير من قياداته ومسلحيه من سجن أبو الهول في الحسكة إلا تأكيداً على العودة إلى مرحلة أوباما بدعم المجموعات الإسلامية التكفيرية بشكل أكبر.

لا تخرج منطقة إدلب بدورها عن سياق عمل الاستراتيجية الأميركية، وما كان للإدارة التركية أن تتخذ القرار باحتلال إدلب بمعزل عن موافقة البنتاغون، وذلك بهدف حماية المجموعات المسلحة العابرة للدول واستخدامها كقوى مزعزعة للأمن الروسي والصيني والإيراني، بالإضافة إلى استخدامها كورقة ضغط في ظهر الجيش السوري وحلفائه في حال حصول حرب كبرى مع “إسرائيل”، لتتحول إدلب إلى صمام أمان لأمن “إسرائيل” وتهديداً للأمن السوري والروسي والصيني والإيراني. وستستمر الإدارة الأميركية بحمايتها كما عبر سابقاً ممثل الإدارة السابقة في إدارة الملف السوري بأن “إدلب ستبقى قلعة للمعارضة السورية”، والعمل على إعادة ترتيب قوى المعارضة الإسلامية بأشكال وأسماء جديدة.

ومن المرجح أن تتراجع هذه الإدارة عن الاتفاق الذي تم بينها وبين موسكو وتل أبيب في منطقة الجنوب السوري المتاخمة للجولان المحتل، وأن تعود إلى تفعيل غرفة الموك بالتنسيق مع الإمارات العربية المتحدة التي مازالت تعمل على خطين أساسين، أولاً التقرب من دمشق ومحاولة استمالتها بالوعود الاقتصادية، وثانياً الاستمرار بدعم المجموعات المسلحة التي يقودها أحمد العبدو الذي يتلقى دعماً إماراتياً إسرائيلياً مزدوجاً.

يترافق كل ذلك مع استمرار العقوبات الاقتصادية الشديدة على السوريين بما يخلخل العلاقة مع القيادة السورية في ظل فساد الحرب المستشري، واستنزاف إيران وروسيا المتعبتين بالحصار والعقوبات.

ليس أمام دمشق من خيارات كثيرة في مواجهة تصاعد التهديدات العسكرية والأمنية والاقتصادية سوى إعادة النظر بإدارة الملف الداخلي سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، والعمل على الانتقال للتعاون الاقتصادي المفتوح بين سوريا والعراق وإيران وروسيا، والعمل من أجل إدخال الصين اقتصادياً، الأمر الذي يتطلب بيئة اقتصادية وقانونية مختلفة، فهل سنرى ذلك خلال هذا العام؟

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى