ترامب لإردوغان: تفضّل أدخل ولكن!

 

قبل ساعات من المدّة التي أعلنها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لدخول القوات التركية شرق الفرات أراد أن يتحدّث لآخر مرة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو يعرف أنه من دون الموافقة الأميركية لا يمكن للجيش التركي القيام بمثل هذه العملية في منطقة يُرفرِف فيها العَلم الأميركي.

وكان ردّ ترامب واضحاً: تفضّل أدخل ولكن!

هذا الوضوح لم يكن وارداً في بيان الرئاسة التركية بل جاء في بيان البيت الأبيض بمزيدٍ من التفاصيل المهمّة. فقد أبلغ ترامب الرئيس إردوغان عدم اعتراضه على دخول الجيش التركي شرق الفرات، وقال له “أنا لا أعترض ولكن لن أساعدك هناك، وعلى تركيا أن تكون مسؤولة عن وجود داعش في المنطقة”.

تهديد جديد مُبطّن من ترامب الذي لم يتحدَّث عن الموقف المُحتَمل لقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية في حال دخول القوات التركية شرق الفرات وانتشارها في المنطقة الآمِنة بعمق 30 كم وعرض 480 كم، ويعيش فيها حوالى مليون من العرب والكرد.

ترامب الذي رفض اللقاء بإردوغان نهاية الشهر الماضي خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة قال “إنه سيلتقي إردوغان في واشنطن الشهر القادم”، ولكن من دون تحديد اليوم، ما سيعني احتمالات تأجيل أو إلغاء اللقاء وفق التطوّرات اللاحِقة في حال توغّل القوات التركية شرق الفرات.

وقد بدأ الحديث مُبكراً عن السيناريوهات الأميركية التي قد يكون ترامب وضعها لتوريط تركيا شرق الفرات من أجل المزيد من التعقيد في المنطقة، ليضرب بذلك العديد من العصافير بحجرٍ إردوغان وجيشه “الإنكشاري العثماني”:

1- دخول الجيش التركي إلى المنطقة بموافقة أميركية سيعني عدم خروجه منها، ليعرقل ذلك الحل في سوريا.

2- إقامة المنطقة الآمِنة سيعني اعترافاً تركياً بالكيانات الانفصالية جنوب هذه المنطقة.

3- التنسيق والتعاون التركي-الأميركي شرق الفرات سيدعم موقف إردوغان غرب الفرات وبشكلٍ خاص في إدلب حيث التوتّر مع روسيا وإيران.

4- اللقاء المُحتَمل بين ترامب وإردوغان سيكون حاسماً بالنسبة للطرفين، فإما أن يتفقا على مُجمل القضايا المُعلّقة وشرق الفرات جزء بسيط منه، أو أن تركيا ستجد نفسها في مستنقعٍ خطير جداً طالما أن قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الكردية مدعومة من أميركا ودول أطلسية أخرى. كما أن السعودية والإمارات ومصر لن تفوّت هذه الفرصة لإزعاج إردوغان وجيشه شرق الفرات وعبر العشائر العربية، هذا إذا تجاهلنا ورقة التهديد الأميركية المُبطّنة أي عناصر داعش وعائلاتهم المُحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية وعددهم ليس أقل من 70 ألف والبعض منهم أتراك.

كل هذه المُعطيات بتفاصيلها المُعقّدة تضع إردوغان أمام قرارات لن يكون سهلاً عليه أن يتّخذها بعد بيان البيت الأبيض الذي يحمل في طيّاته تهديدات أميركية ذكيّة. فدخول الجيش التركي ومعه الآلاف من مُسلّحي المُعارضة السورية لن يكون صعباً، ولكن بقاءه هناك لن يكون سهلاً أبداً في حال فشل لقاء إردوغان بترامب الشهر القادم. فالجميع يعرف أن ترامب لا ولن يقبل “بالغَرام التركي” مع روسيا ويعتبره “خيانة” لعلاقات التحالف الاستراتيجي بين بلاده وبين تركيا، التي دخلت في علاقات “استراتيجية” جديدة مع عدوّه اللدود فلاديمير بوتين.

ويراقب ترامب كل هذه التطوّرات من دون أيّ موقف مُعلَن طالما أنه يتوقّع لإردوغان أن يُعالج أزمة إدلب خلال الأيام القليلة القادمة.

وقد يُفكّر بوتين بدعم إردوغان شرق الفرات، وإذا اعتقد بأن توغّل الجيش التركي شرق الفرات سيضع تركيا أمام مواجهات ساخِنة مع الأميركيين، وهو ما سيُساعد الدولة السورية للقيام بشيء ما في المنطقة عبر علاقاتها الموجودة هناك مع العشائر العربية وأطراف كردية وطنية ترفض “الإنصياغ للتعليمات والأوامر الأميركية”،

وفي جميع الحالات ومهما كان قرار إردوغان خلال الأيام القليلة القادمة فقد بات واضحاً أنه في وضعٍ لا يُحسَد عليه أبداً بعد تهديداته المُتتالية للأميركيين ومَن معهم شرق الفرات. فإما أن يدخل المنطقة قريباً مع بدء انسحاب القوات الأميركية ويتورّط فيها في جميع الحالات، أو يتراجع عن كل مغامراته فوراً.

هذا هو التحدّي الأكبر بالنسبة لإردوغان ويعرف الجميع أنه لا ولن يقبل المُصالحة مع الرئيس السوري بشار الأسد حتى لا يُقال عنه إنه هُزِمَ في سوريا.

كما أنه لا ولن يتخلّى عن نهجه العقائدي في سوريا والمنطقة ليعني ذلك المزيد من التعقيد شرق الفرات وغربه، طالما أن إردوغان هو إردوغان الحالي وترامب يريد أن يستفيد منه أو يورّطه بالمزيد في سوريا والعراق ولاحقاً في إيران!

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى