تركيا تستنسخ سيناريو التدخل في ليبيا في القوقاز

 

اتهم أرايك هاروتيونيان رئيس قره باغ، أنقرة بإرسال مرتزقة إلى أذربيجان. وقال “لدينا معلومات تفيد بأنه تم إرسال مرتزقة من تركيا ودول أخرى جوا إلى أذربيجان. الجيش التركي في حالة استعداد في أذربيجان تحت ذريعة التدريبات العسكرية“.

وتأتي هذه الاتهامات بينما وجهت تركيا اليوم الأحد انتقادات حادة لأرمينيا بعد اشتباكات بينها وبين أذربيجان وقالت إن يريفان عقبة أمام السلام وتعهدت بمواصلة دعم باكو، في ردّ فعل ابتعد عن العرف الدبلوماسي على خلاف دعوات دولية للتهدئة وضبط النفس وحل الأزمة بالحوار.

وسبق لتركيا أن تعهدت بتقديم كل الدعم لأذربيجان في مواجهة أرمينيا في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات الدولية منادية بعدم التصعيد وبالتوقف فورا عن إطلاق النار، لكن أنقرة اختارت طريق تأجيج الصراع وإذكاء التوتر في منطقة القوقاز، وهو ما ينذر في المقابل بتدخل روسي إذا تطور التصعيد بين يريفان وباكو إلى حرب.

ولا تفوت أنقرة فرصة لمهاجمة أرمينيا على وقع عدائي تاريخي بين البلدين حيث تتهم الأخيرة تركيا بارتكاب ابادة جماعية بحق الأرمن إبان الحكم العثماني وهي الأحداث التي صنفتها عدة دول أوروبية كمجزرة تتحمل الدولة التركية مسؤوليتها.

ولتركيا سوابق في التدخلات في الصراعات الإقليمية والداخلية، فقد سبق أن تدخلت في سوريا بدعوى حماية أمنها القومي والقضاء على الخطر الذي يشكله الأكراد في شمال سوريا والتنظيمات الجهادية على أمنها.

وتدخلت كذلك في ليبيا نصرة لميليشيات متطرفة تدعم حكومة الوفاق الوطني الليبية في طرابلس في مواجهة هجوم يشنه الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لتطهير العاصمة من الإرهاب.

وألقت تركيا بثقلها العسكري في دعم الميليشيات في غرب ليبيا بأن أرسلت سرا وعلنا شحنات أسلحة ثقيلة وذخائر وطائرات مسيرة وجندت آلاف المرتزقة السوريين من فصائل متطرفة ودفعت بهم للساحة الليبية.

وقد يمنح التصعيد الأخير بين يرفيان وباكو، الرئيس التركي الباحث عن زعامة واهية للعالم الإسلامي، ذريعة لاستنساخ سيناريو التدخل في ليبيا في أذربيجان.

ويتحرك أردوغان في بعض المناطق المضطربة ضمن خطة توسيع النفوذ التركي وإيجاد موطئ قدم في تلك المناطق الاستراتيجية.

وأعلنت أرمينيا الأحكام العرفية والتعبئة العامة بعد الاشتباكات مع أذربيجان. وتبادلت الدولتان الاتهامات بشأن اندلاع الاشتباكات التي سقط فيها قتلى من الجانبين.

ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مواطني أرمينيا اليوم الأحد في بيان نشره على تويتر بعد حديث هاتفي مع رئيس أذربيجان إلهام علييف إلى التمسك بمستقبلهم في مواجهة “قيادة تجرهم إلى كارثة ومن يستخدمونها كدمى”، مؤكدا أن تضامن أنقرة مع باكو “سيستمر ويزيد”.

وقال “أرمينيا التي أضافت المزيد في سجل هجماتها على أذربيجان، أظهرت مجددا أنها أكبر تهديد للسلام في المنطقة”، مضيفا أن رد الفعل الدولي على الصراع لم يكن كافيا.

وتابع “ندعو أيضا العالم بأسره للوقوف مع أذربيجان في معركتها ضد الغزو والوحشية”.

ولم ترد أرمينيا بعد على الانتقادات التركية لكنها قالت إن قوات أذربيجان هي التي بادرت بإطلاق النار اليوم الأحد.

وأذربيجان وأرمينيا على خلاف منذ وقت طويل بسبب إقليم ناغورنو قرة باغ الذي تقطنه أغلبية من أبناء عرق الأرمن في أذربيجان وأعلن استقلاله عام 1991. وتم الاتفاق على وقف إطلاق النار عام 1994 ويتبادل الجانبان من حين لآخر الاتهامات بشن هجمات.

وتدعم تركيا أذربيجان ذات الأغلبية المسلمة. وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار اليوم الأحد “العقبة الكبرى أمام السلام والاستقرار في القوقاز هي الموقف العدائي من جانب أرمينيا وعليها أن تكف فورا عن هذه العدائية التي ستلقي بالمنطقة في النار”، مضيفا أن أنقرة ستدعم باكو “بكل ما لديها من موارد”.

وقال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركية إن أرمينيا انتهكت القوانين الدولية بشنها هجمات واتهمها بالتهور.

وأضاف “نعتقد أن هذا الصراع يمكن أن يحل عبر المفاوضات السلمية لكن الجانب الأرميني لا يظهر حتى الآن أي اهتمام سوى بمواصلة احتلال أجزاء من أذربيجان”.

وبدت باكو ويريفان على وشك الانخراط في حرب بعدما اندلعت مواجهات عنيفة الأحد بين الجيش الأذري والانفصاليين الأرمن في منطقة ناغورني قره باغ أدت إلى سقوط عسكريين ومدنيين من الجانبين، بينهم طفل على الأقل.

وزادت أسوأ اشتباكات منذ العام 2016 احتمال اندلاع حرب واسعة النطاق بين أذربيجان وأرمينيا اللتين انخرطتا على مدى عقود في نزاع للسيطرة على ناغورني قره باغ.

ومن شأن اندلاع مواجهة من هذا النوع بين البلدين الجارين في القوقاز واللذين كانا ضمن الاتحاد السوفييتي سابقا أن يدفع القوتان الإقليميتان روسيا وتركيا للتدخل.

ودعت كل من روسيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي إلى “وقف فوري لإطلاق النار”، فيما صلى البابا فرنسيس كي يسود السلام.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع في اذربيجان آرتسرون هوفهانيسيان إنّ قتالا عنيفا اندلع على طول جبهة ناغورني قره باغ بعد ظهر الأحد.

وأعلنت اذربيجان أنّ قواتها دخلت سبع قرى خاضعة لسيطرة الأرمن خلال المواجهات العنيفة، وهو ما نفته أرمينيا.

وفي خطاب متلّفز للأمة، تعهّد الرئيس الأذري إلهام علييف بالانتصار على القوات الأرمينية. وقال إن “قضيتنا عادلة وسننتصر”، مكررا اقتباسا شهيرا نقل عن خطاب الدكتاتور السوفييتي جوزيف ستالين في روسيا خلال الحرب العالمية الثانية.

وتابع علييف أنّ “الجيش الأذري يقاتل على أرضه. قره باغ أذربيجانية”، بينما أعلنت كل من أرمينيا ومنطقة ناغورني قره باغ الأحكام العرفية والتعبئة العامة.

وقال رئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان “استعدوا للدفاع عن أرضنا المقدّسة”، متهما أذربيجان بـ”إعلان الحرب” على شعبه.

وأفادت أرمينيا في وقت سابق الأحد أن قوات أذربيجان هاجمت مناطق مدنية في ناغورني قره باغ بما في ذلك عاصمة المنطقة ستيباناكرت، في عملية أسفرت عن مقتل امرأة وطفل.

بدورها، أعلنت وزارة الدفاع في اذربيجان أن القوات الأرمنية انتهكت وقف إطلاق النار وذكرت أنها أطلقت “عملية مضادة لكبح أنشطة القتال اوضمان سلامة السكان” باستخدام الدبابات والصواريخ المدفعية والطيران العسكري والطائرات المسيّرة.

وأكد المتحدث باسم الرئاسة الأذرية حكمت حاجييف في بيان “وجود تقارير عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين”. وقالت الخارجية الأذرية “لحقت أضرار جسيمة بالعديد من المنازل والبنية التحتية المدنية”.

بدوره، أشار المسؤول المحلي في قره باغ أرتاك بغلاريان إلى سقوط “ضحايا مدنيين” من سكان المنطقة.

وقال رئيس قره باغ أرايك هاروتيونيان خلال جلسة طارئة للبرلمان في ستيباناكرت (خانكندي بحسب تسميته الأذربيجانية) “أعلنت الأحكام العرفية” وتعبئة جميع الأفراد القادرين على الخدمة العسكرية والذين تبلغ أعمارهم أكثر من 18 عاما.

وانتزع الانفصاليون الأرمن قره باغ من باكو في حرب في التسعينات التي أودت بحياة 30 ألف شخص.

وجمّدت المحادثات لحل نزاع قره باغ الذي يعد بين أسوأ النزاعات الناجمة عن انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، منذ اتفاق لوقف إطلاق النار أبرم سنة 1994.

ورغم توقيع اتفاق 1994 وقيام وساطة روسية أميركية فرنسية تحت اسم “مجموعة مينسك”، لا تزال الاشتباكات المسلحة متواترة.

وذكرت موسكو أن وزير خارجيتها سيرغي لافروف تحدث مع نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو، مشددا على “ضرورة وقف إطلاق النار في أسرع وقت ممكن”.

وأفاد مصدر دبلوماسي تركي أنّ المسؤولين ناقشا “العدوان الأرميني”.

وقال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال إنّ “الأعمال العسكرية يجب أن تتوقف بشكل عاجل لمنع المزيد من التصعيد”. ودعا “لعودة فورية للمفاوضات دون شروط مسبّقة”.

وفي الفاتيكان، قال البابا فرانسيس للمصلين في ساحة القديس بطرس إنه يصلي من أجل السلام ودعا إلى “بوادر ملموسة من حسن النية والأخوة” من الأطراف المتحاربة.

وقال مراقبون سياسيون إن على القوى العالمية تكثيف المحادثات لوقف تطور النزاع.

وقالت اوليسيا فارتانيان من مجموعة الأزمات الدولية “نحن على بعد خطوة من حرب واسعة النطاق”، مضيفة أن “أحد الأسباب الرئيسية للتصعيد الحالي هو عدم وجود أي وساطة دولية استباقية بين الجانبين لأسابيع”.

وكتب ديمتري ترينين مدير مركز كارنيغي في موسكو على تويتر “الحرب تتواصل. حان الوقت لروسيا وفرنسا والولايات المتحدة بشكل فردي وجماعي لوقفها”.

واتهم رئيس قره باغ هاروتيونيان أنقرة بإرسال مرتزقة إلى أذربيجان. وقال “لدينا معلومات تفيد بأنه تم إرسال مرتزقة من تركيا ودول أخرى جوا إلى أذربيجان. الجيش التركي في حالة استعداد في أذربيجان تحت ذريعة التدريبات العسكرية”.

وأفادت رئاسة قره باغ بأن أذربيجان بدأت صباح الأحد قصف خط التماس بين الطرفين وأهدافا مدنية، بما في ذلك ستيباناكرت.

وأكدت وزارة الدفاع التابعة للانفصاليين أن قواتها أسقطت مروحيتين تابعتين للجيش الأذري وثلاث طائرات مسيرة. وهو ما نفته باكو.

ونفت وزارة الدفاع في باكو الأمر وقالت إن قواتها كانت ترد على هجوم من قبل أرمينيا.

وأشار حاجييف إلى أن القوات الأرمنية في قره باغ “انتهكت بشكل صارخ نظام وقف إطلاق النار وشنّت باستخدام أسلحة ذات العيار الثقيل وقاذفات ومدفعيات هجوما على مواقع لقوات أذربيجان المسلحة على طول خط التماس”.

وذكرت وزارة النقل في أذربيجان أنها فرضت “قيودا على الإنترنت” لمنع “الاستفزازات الأرمينية”. واتهم علييف أرمينيا الجمعة بتقويض محادثات السلام المرتبطة بقره باغ.

وفي يوليو/تموز، أدت مواجهات على الحدود بين البلدين إلى سقوط 17 جنديا على الأقل من الطرفين.

وهددت أذربيجان حينها بضرب محطة أرمينيا للطاقة الذرية في حال هاجمت يريفان منشآت إستراتيجية. ولقي نحو 110 أشخاص حتفهم في آخر مواجهات اندلعت في أبريل/نيسان 2016.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى