تركيا وصفقة الـ«أس 400»: أزمة بأكثر من وجه

 

بعد تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الأخيرة، التي قال فيها إن تربيته «لا تسمح له بأن يلحس بصاقه من جديد»، يبدو أن ملف الـ«أس 400» قد بات محسوماً. تركيا في انتظار وصول الصواريخ الروسية في النصف الأول من تموز/ يوليو المقبل، هذا بالطبع إن لم تقع أيّ مفاجأة قد تؤخّر هذا الموعد، إذ قال أردوغان، أول من أمس، إن «ملف الـ أس 400 قد أغلق» بالنسبة إليه، وإنه سيلتقي نظيره الأميركي دونالد ترامب في الـ28 من الشهر الجاري في اليابان خلال اجتماعات قمّة «العشرين»، حيث سيكون موجوداً أيضاً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وأكد أردوغان أنه سيبحث مع ترامب موضوع طائرات الـ«أف 35»، بعدما أوقفت وزارة الدفاع الأميركية الأسبوع الماضي تدريب الطيارين الأتراك على هذه الطائرات. ويتحدث البعض عن مشاكل تقنية في الـ«أف 35» قد تدفع بعض الدول إلى التخلي عن شرائها، فيما تستمر ضغوط اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة على إدارة ترامب لإلغاء صفقة الـ«أف 35» مع تركيا، باعتبار أن إسرائيل هي الجهة الوحيدة في المنطقة التي تملك هذه الطائرات، وقد تستهدفها صواريخ الـ«أس 400» المتطوّرة. ويستمر الرهان على موقف ترامب الذي لم يعلّق حتى الآن على تصريحات الرئيس التركي حول صفقة تعترض عليها واشنطن منذ البداية، وتهدّد بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا في حال نصب منظومة الدفاع الجوي الروسية على أراضيها.

على الرغم ممّا تقدّم، لا تزال الأسئلة تطرح في شأن العلاقات التركية الروسية وتأثيرها على الصفقة، لا سيما على خلفية القضية السورية وتطورات ملف إدلب. وفي مقال للصحافي التركي، فهيم طاشتكين، ينبّه الكاتب إلى استمرار الخلاف بين موسكو وأنقرة على وضع إدلب وباقي التفاصيل الأخرى المتعلّقة بالملف السوري. ويتساءل في مقال في موقع «دوفار» الإخباري: «كيف سيكون ردّ موسكو إذا فكّرت تركيا لاحقاً في استخدام صواريخ أس 400 ضدّ الطائرات السورية والروسية في سوريا في حال تدهور العلاقات… ماذا سيفعل بوتين إذا لم يتخلّ الرئيس أردوغان عن مخططاته ومشاريعه في سوريا؟ ثم ماذا ستفعل روسيا في حال تدهور علاقاتها مع تركيا بسبب سوريا؟». كلام طاشتكين، الذي اضطر إلى الهرب من تركيا إلى فرنسا بسبب مقالاته ضد سياسات أنقرة في سوريا، يعكس في الوقت نفسه حديث الأوساط السياسية والعسكرية والدبلوماسية التي لا تنفي قلقها من التطورات المحتملة في إدلب مع استمرار الدعم التركي للمجموعات المسلحة هناك. فقد أكدت أنقرة، على لسان وزيرَي الدفاع والخارجية، عزمها وإصرارها على الرد على «استفزازات الجيش السوري ضد نقاط المراقبة التركية في محيط إدلب»، وسط معلومات تتحدّث عن تعزيزات وحشود عسكرية تركية جديدة في المنطقة.

من جهته، يشير الصحافي التركي، أورهان بورصالي، إلى «تناقضات الرئيس أردوغان في مجمل سياساته في سوريا والمنطقة»، ويرى أن «أردوغان الذي يقول إنه يواجه أميركا في شرق الفرات بسبب دعمها الميليشيات الكردية المعادية لتركيا، ينسى أنه هو الذي تخلى عن سياساته السلمية في سوريا قبل 2011، وتحوّل إلى أداة عملية لتنفيذ المخططات والمشاريع الأميركية في سوريا». وكتب بورصالي في زاويته في صحيفة «جمهورييت»: «أردوغان الذي قال في بداية الأزمة إنه سيصلي قريباً في الجامع الأموي، كان يخطّط لأن يكون له حصّة ما في الخارطة السورية الجديدة، وهو ما دفعه إلى دعم كل المجموعات الجهادية التي أعلنت الحرب ضد الأسد». ويشير الكاتب إلى أن حكومة أردوغان «لا تزال ترى في الرئيس الأسد عدوّها الرئيس، وهو ما يفسّر تهرّبها من الالتزام بتعهداتها في إدلب حيث ساعدت النصرة على السيطرة على مناطق جديدة في إدلب وجوارها»، معتبراً أنها «غير صادقة في تحالفاتها مع روسيا وإيران». وتساءل: «ألا يرى أردوغان أنه بسبب الوجود الروسي في سوريا من المستحيل عليه أن يحقق أياً من أهدافه في سوريا عبر التعاون مع الجيش الحر الذي أسّسه شخصياً؟ ومن ثم ألا يرى أن سياساته في شرق الفرات ستنعكس قريباً بشكل خطير على الأمن القومي التركي؟».

أما الإعلام الموالي للرئيس أردوغان، فقد عاد إلى لهجته العدائية التقليدية ضد «نظام الأسد الظالم الذي يقتل شعبه يومياً في إدلب»، مستغلاً عمليات الجيش السوري ضد نقاط المراقبة التركية في المنطقة. وتتحدث وسائل الإعلام المذكورة عن إنذارات متتالية وجّهها أردوغان لبوتين حتى يتدخّل ويمنع الجيش السوري من أي عمل عسكري ضد الفصائل المسلحة في مناطق خفض التوتر في محيط إدلب، حيث سبق لوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أن انتقد «نقل النظام كل المسلحين من مختلف المجموعات والفصائل من جميع أنحاء سوريا إلى إدلب وجوارها وبكامل أسلحتهم».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى