تسعة أسباب تمنع وقوع حرب جديدة في المنطقة

 

بعد كل تطور للأحداث في المنطقة والعالم، ومع ارتفاع نبرة الخطاب والتهديدات المتبادلة، ومع وصول الاحتقان إلى ذروته، نعود ونسأل السؤال ذاته: هل تتّجه منطقتنا نحو اندلاع حرب بين إيران ومحور المقاومة من جهة وأميركا وإسرائيل والسعودية من جهة أخرى؟ أم أن ما يجري تزخيم وضغط للجلوس إلى طاولة المفاوضات؟

صحيح أن الضجيج قوي، والأصوات مرتفعة، والكلام المتبادل قاسٍ بين الأطراف ويوحي ظاهره أنّ المعركة قاب قوسين أو أدنى، إلّا أنّه في المقابل لا يوجد استعدادات جديّة متبادلة على الأرض، وهناك معوّقات كثيرة يمكن أن تمنع وقوع الحرب أو تؤجّلها.

فلو قرأنا بدقّة مواقف الأطراف المعنيّة بهذه الحرب، وهي واشنطن وإسرائيل وحلفاؤهما، وروسيا والاتحاد الأوروبي، وإيران ومحور المقاومة، لوصلنا الى نتيجة أن هناك تسعة أسباب يؤكد كل واحد منها على حدة أن الحرب مستبعدة، وهذه الأسباب هي:

أولاً: إن الخطاب الأميركي لم يرد فيه ذكر للحرب، إلّا على لسان جون بولتون الذي يحشر إدارته بما لا تسعى إليه، وانحصر باقي الكلام حول تصفير الصادرات النفطية الإيرانية عبر منع الدول التي كانت قد سمحت لها واشنطن مؤقّتاً بالاستيراد من إيران، أما منع إيران بالقوة من تصدير نفطها، فلم ينطق به أيّ مسؤول أميركي حتى الآن، وما كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير الذي ألحّ على إجراء مفاوضات مع إيران إلا تأكيد لذلك.

ثانياً: إن أي حرب تشنّها واشنطن تحتاج إلى تهيئة داخلية، وهو أمر غير ملموس مطلقاً حتى الآن، ولا يوجد أجواء في البنتاغون أو الكونغرس فيها تحضيرات لحرب جدّية.

ثالثاً: لا يوجد أي مصلحة لواشنطن بشنّ حرب، ولا يوجد في خطط الرئيس الأميركي ترامب مشاريع حرب، وهو الذي كان واضحاً وصريحاً منذ حملته الانتخابية أنه لم يأتِ لشنّ حروب، بل لرفع مستوى الاقتصاد، وبالتالي إن مصلحته في إبقاء الخلاف مستعراً في المنطقة بين إيران ودول الخليج لابتزازها وسحب أموالها، وهو لا يحتاج إليها من أجل أن يصرفها على حروبها، بل لتقوية الاقتصاد الأميركي، وهو الأمر الذي يمارسه ترامب علناً في طريقته بحلب السعودية.

رابعاً: تعلم واشنطن وإسرائيل وحلفاؤهما في المنطقة أن أيّ حرب جديدة ستعيد الروح إلى العلاقة بين الشعب العربي ومحور المقاومة، وبالتالي سيضرب مشروع الفتنة الذي يعمل عليه محور الشر منذ عقدين والذي حقق نجاحات كبيرة لا يمكن أميركا وإسرائيل الاستغناء عنها.

خامساً: الموقع الروسي المستجدّ في المنطقة الذي تحيكه موسكو بعناية لتثبيت دورها المحوري، مستندة إلى تدخلها في إنقاذ سوريا ومن خلال العلاقات المتشعبة التي نسجتها مع الأطراف المتناقضة، ولا سيما مع العدو الإسرائيلي والتي تخفي خلفها الكثير، لا مصلحة فيها لروسيا باندلاع حروب، بل بزيادة دورها في نزع فتائل التفجير في المنطقة.

سادساً: إن الجو العام الأوروبي والأممي بعيد كل البعد عن التسويق للحرب أو تأييدها، عدا عن الإنجرار إليها، وهو جوّ غير منسجم مع مواقف الإدارة الأميركية الحالية، لا بل ومنزعج منها، وهو لن يدّخر جهداً لتعطيله، مع باقي أطراف الاتفاق النووي، أي محاولة أميركية لتمرير قرار عن مجلس الأمن يدعم الحرب، مع انحياز كل هذه الدول إلى موقف طهران من الاتفاق.

سابعاً: إن رئيس وزراء كيان العدو بنيامين نتنياهو، الذي اعتاد أن يأخذ ما يريد عبر التهويل على «حلفائه»، هو بالفعل ليس رجل حرب، ولم يخض حرباً رغم ترؤّسه حكومة العدوّ لأكثر من 13 عاماً، إنما دائماً ما يستعمل سياسة حافّة الهاوية للتهويل ولتحصيل ما يريد، وهو ليس مضطرّاً إلى المغامرة بمستقبل إسرائيل من خلال شنّ حرب غير محسوبة النتائج، ولا سيما مع التجارب الفاشلة التي يخوضها مع غزّة، فكيف سيخوضها مع حزب الله أو سوريا أو إيران؟

ثامناً: وحدة محور المقاومة وجاهزيته وتعدد جبهاته المقابلة للعدو. هذا أمر مهم جدّاً بالنسبة إلى أي حرب يمكن أن يخوضها العدو، وهو لم يستطع حتى الآن تقسيم المحور للانفراد بأطرافه واحداً واحداً كما كان يفعل بعد حرب 73، وهي من أهم معوّقات شن الحرب.

تاسعاً: إن الخطاب الإيراني العالي النبرة الذي تحدّث عن تهديده بإقفال مضيق هرمز، أتى ردّاً على احتمالية شن حرب على إيران أو منعها بالقوّة من تصدير نفطها، وليبرز مدى استعدادها وقدرتها على الصمود بوجه العقوبات الظالمة التي تفرضها الإدارة الأميركية، ولا يبدو حتى الآن وجود حاجة في إيران لشنّ حرب، ما دامت قادرة على التفلّت من العقوبات، وأقصى ما تريد أن تقوم به حكومة الرئيس حسن روحاني، استدراج الدول الأوروربية لحماية أقوى للاتفاق النووي من خلال التهديد بتعليق بعض التزاماتها به.

هذه الأسباب تؤكّد أن ما يجري هو وسائل ضغط للجلوس إلى طاولة مفاوضات تريدها واشنطن بإصرار دون شروط إيرانية، وترفضها طهران تحت الضغط، فإلى متى يستمر عضّ الأصابع؟

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى