طمأنة الرياض وتل أبيب بعد الضربة الإيرانية: بومبيو في «مهمّة صعبة»

 

لم يتلاشَ التوتر تماماً فوق الخليج، وإن ابتعد شبح رد عسكري من واشنطن على إسقاط إيران الطائرة الأميركية، وهو ما كان ينذر بتدحرج الأمور نحو تصعيد أكبر وأشد خطراً. وفق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فإن إلغاءه الرد العسكري السريع ليس صحيحاً، إنما هو اتخذ، وفق توضيح لاحق، قراراً بتأجيل الرد خصوصاً من النوع الذي قدّمه البنتاغون ويتسبب في مقتل 150 إيرانياً. مع ذلك، بقاء نبرة ترامب على حالها، وتجاوزه حماسة الصقور في الإدارة، فضلاً عن توعّده بسلة عقوبات قاسية يعلنها اليوم، كل ذلك أظهر أن سيد البيت الأبيض ملتزمٌ «الحربَ الباردة» كخيار راجح لديه على التسخين العسكري.

ترامب أكد أمس أنه لا يسعى إلى الحرب، قائلاً: «أعتقد أنهم (الإيرانيين) يريدون التفاوض. أعتقد أنهم يريدون إبرام صفقة. والصفقة معي نووية… لن يكون بوسعهم امتلاك سلاح نووي. ولا أعتقد أنهم يحبذون الوضع الذي هم فيه حالياً. اقتصادهم متعثر تماماً». العودة إلى لازمة طلب التفاوض تحت الضغط عاد وكررها وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الذي قال إن بلاده جاهزة للتفاوض بلا شروط، وإذا كان الإيرانيون جاهزين للحوار، «فهم يعرفون بالضبط أين يجدوننا».

وسط هذا المشهد، يفرض استحقاق طمأنة الحلفاء نفسه على إدارة ترامب، وهو ما سيحمل بومبيو على عجل، إلى كل من الإمارات والسعودية، في زيارة لإجراء محادثات مع الجانبين، قال إن محورها «كيفية التأكد من أننا جميعاً متحالفون استراتيجياً»، وكيفية بناء تحالف عالمي «للتصدي لأكبر دولة راعية للإرهاب في العالم». وبينما كانت القوات اليمنية تجدد ضرب أهدافها في السعودية، وسط فشل لمنظومات الحماية الأميركية، من الصعب توقع مدى فعالية جولة بومبيو في تغيير الرسائل المكثفة الصادرة عن إسقاط الطائرة في مياه الخليج، وانعكاساته السلبية على الرياض.

أما في طهران، فلا يزال الوضع على حاله منذ إسقاط الطائرة، حيث منح الإنجاز العسكري تمسّكاً أكبر بالمواقف المتصلّبة تجاه سياسة «العصا والجزرة» الأميركية، رغم أن مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، دعا خلال زيارته إلى الأراضي المحتلة، وفي تصريحات مشابهة لمحاولة بومبيو طمأنة الحلفاء العرب، إلى «ألا تخطئ إيران أو أي جهة أخرى معادية باعتبار التعقّل وضبط النفس الأميركيين ضعفاً». لكن الثقة لدى أصحاب القرار في طهران ارتفعت، كما توحي تصريحات المسؤولين في مؤسستيها العسكرية والسياسية، إثر تمخّض التهويل الأميركي إلى عقوبات إضافية، قللت الخارجية الإيرانية أهميتها واعتبرتها «مجرّد دعاية»، كون مختلف أنواع العقوبات جُرّبت «ولم يعد هناك عقوبات أخرى متبقية».

الإيرانيون واصلوا أيضاً بعث رسائل «الردع»، وفي هذا الإطار، حذّر قائد مقرّ عمليات «خاتم الأنبياء» في الحرس الثوري، اللواء غلام علي رشيد، أثناء زيارة ميدانية إلى مركز القيادة والتحكم في أنظمة الرادار والمنظومات الصاروخية التابعة للقوة الجوفضائية، أنه «في حالة وقوع نزاع في المنطقة، فلن تتمكن أي دولة من إدارة نطاقه ووقته». وأكد رشيد أن بلاده لا تسعى إلى أي حرب «لكننا سندافع بقوة عن مصالح الشعب الإيراني الشريف في مواجهة أي تهديد واعتداء».

بالتشدد نفسه، تقابل طهران مسار المفاوضات مع الأوروبيين، على مسافة أيام من مهلتها التي منحتها للبقاء في التزاماتها الاتفاق النووي. لهذا الغرض، حطّ وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني، أندرو موريسون، في طهران، حيث لم يحظَ بلقاء وزير الخارجية جواد ظريف. لكنه اجتمع مع نائبه عباس عراقجي، وسمع من الأخير تمسكاً بقرار تقليص الالتزامات بالاتفاق، ولوماً شديد اللهجة، إذ قال: «الموقعون الأوروبيون على الاتفاق يفتقرون الإرادة لإنقاذ الاتفاق. قرارنا تقليص الالتزام بالاتفاق النووي قرار وطني ولا رجعة فيه ما لم تلب مطالبنا». هكذا، بدا من تصريحات المسؤولين الإيرانيين أن نتيجة جولة الوزير الأوروبي كانت فشلاً تاماً لمسعى أوروبا إلى إنقاذ الاتفاق، وهو ما لم يُخفه رئيس «المجلس الاستراتيجي للعلاقات الدولية»، كمال خرازي، الذي أعرب عن خيبة أمله عقب لقائه كوريسون، قائلاً إن المحادثات «تكرار لما طرح سابقاً».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى