عام أمام ترامب.. حسابات صعبة

 

خلال أسبوع واحد، تردّ المقاومة اللبنانية على الاعتداء الإسرائيلي في ضاحية بيروت الجنوبية واستهداف شابين لها في سوريا بصورةٍ واضحةٍ وجريئةٍ داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتتبع ذلك بردٍ آخر يحمل دلالات عديدة بإسقاط طائرة مُسيَّرة إسرائيلية في سماء بلدة راميا الجنوبية. وتُعلن إيران خفض التزاماتها بالنسبة إلى الدول الموقّعة على الاتفاق النووي، واستخدام أجهزة طرد مركزي جديدة. ويُقيل الرئيس الأميركي دونالد ترامب مُستشاره للأمن القومي جون بولتون، وهو المُتحمِّس دوماً لخيار الحرب، خصوصاً على إيران. أحداث مُنفصلة لكنها من دون شك تحمل معانٍ أكثر دلالة إذا ما جُمِعَت معاً.

على الجانب اللبناني، شهد الأسبوعان الأخيران تصاعداً حاداً في نبرة قيادة حزب الله تجاه العدو الإسرائيلي، تمثّل بتأكيد السيّد حسن نصرالله أن “جميع الخطوط الحمر سقطت” أمام أيّ اعتداء تتعرَّض له المقاومة أو المدن والمناطق اللبنانية، وتشديده في الوقت نفسه على أن المقاومة جزء من محور أكثر اتّساعاً مركزه إيران، وبالتالي فإن أيّ اعتداء على إيران سيكون مناسبةً لأن تُساهم المقاومة في ردعه، وصولاً إلى تأكيده في خطاب العاشر من شهر محرم أن أية حرب تستهدف إنهاء محور المقاومة ستكون نتيجتها نهاية “إسرائيل”.

وعلى الجانب الإيراني، يمكن اعتبار تصعيد إيران من خلال خفض التزاماتها بالاتفاق النووي خطوةً في مسار تعبير الجمهورية الإسلامية عن معاملة الغرب من الندّ إلى الندّ، وعن استياءٍ من الجانب الأوروبي تحديداً لتلكئه عن تنفيذ تعهّداته بخصوص الآلية المالية وضمان تصدير النفط الإيراني، وبالتالي ضغط إيراني مقابل للضغوط التي تتعرّض لها طهران، تستخدم فيها قدرات علمية إيرانية بحتة بدلاً من التهديدات العسكرية التي شهدتها الأسابيع الماضية.

أما على الجانب الأميركي من الحدث، فإن الخلافات الكبيرة التي تشهدها إدارة ترامب حول خيارات السياسة الخارجية تحديداً صعدت إلى السطح، وكانت آخر تعبيراتها إزاحة بولتون. وبذلك تعبير عن سأم ترامب من العقول الحامية التي لم تتوقّف عن المُزايدة عليه في اقتراح استخدام الخيار العسكري ضد إيران وكوريا الشمالية وغيرهما.

ويمكن القول إن خطوة الرئيس الأميركي جاءت لتجميع أوراق اللعب بيده وحده، تحضيراً للمرحلة المقبلة من المواجهة، والتي تتكشّف في الأفق عن صعوباتٍ ليست بالسهلة فرضها محور المقاومة من خلال الرد بجرأة موصوفة، إن على مستوى الخطوة الإيرانية الأخيرة أعلاه، أو على مستوى ردّ المقاومة اللبنانية الصريح والمُعلَن عنه مُسبقاً، والمؤكَّد عليه مراراً. ليجد ترامب نفسه أمام واقع جديد تتراكم مُحدَّداته لترسم توازناً في الخطوات، الخطوة بالخطوة، والضغط بالضغط، عماده المُراهنة على قدرة الصمود والإحساس بالأحقيّة في الموقف.

وتبعاً لهذه المُعطيات، تسير المنطقة وفق حساباتٍ موقوتة بدقّة. سنة واحدة أمام الرئيس الأميركي في الحُكم، عليه خلالها أن يُحقِّق إنجازات في السياسة الخارجية تساعده على تقريشها انتخابياً. لكن ملفاتها مُرشّحة لتشكّل مزيداً من الثقل على أكتاف حملته الانتخابية أكثر مما هي مُرشّحة لتشكّل رافِعة لهذه الحملة. فبخصوص كوريا الشمالية تسير الأحداث في دوائر تعود إلى مركزها، ومعركته التجارية مع الصين لا تبدو رابحةً مع إصرار الصين على الرد على العقوبات بالعقوبات، واستغلالها لأوراق قوّتها في الاقتصاد الأميركي نفسه، فيما “ماتت” محاولات الحوار مع طالبان بحسب تعبير ترامب نفسه. لكن الأهم الآن بالنسبة إليه هو ملف إيران والشرق الأوسط الذي لا يبدو أن الوقت والمُعطيات الميدانية ستساعده على تحقيق إنجاز ولو صوَري.

لقد لعبت إيران منذ إعلان ترامب استراتيجية “الضغوط القصوى” عليها قبل أشهر على قواعد استراتيجية القفزة إلى الأمام ووضع العدو أمام الحسابات النهائية. فحضَّرت أوراق قوَّتها واستخدمت اليسير منها في كل موضع، على المستويين الكمّي والنوعي، وكل حدث منها بمقدار مُزان بدقّة الصاغة الاستراتيجيين. فيما تتعاطى طهران بنفسٍ مختلف مع الأوروبيين، فهي تُبدي إيجابيةً تامة حيال المُبادرات التي تُطرَح، لكنها في الوقت نفسه تضع المُبادِر أمام مسؤولياته.

وعليه، يبدو أن ترامب أمام مُعضلة التعاطي مع محور المقاومة من دون أفكار بولتون المُتهوِّرة، وفي الوقت نفسه من دون امتلاكه استراتيجية بديلة لمواجهة جهوزية واضحة لدى هذا المحور فيما لو تدحرجت الأمور إلى الأسوأ.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى