عودة إلى «جدول الأعمال» السوريّ

رغم الـ«صفر نتائج» الذي أدت إليه الضربات الغربية، إلّا أن عدوان فجر السبت يضع اللاعبين على الساحة السورية أمام محطة كاشفة لما ستؤول إليه التداعيات. وأهم النتائج على هذا الصعيد، عودة دمشق إلى تحريك مسار عملها العسكري، كما هو على جدول أعمالها، بدعم روسي قوي ومتجدد… فيما يدخل عمل ستيفان دي ميستورا وخلفه مسار جنيف في موت سريري، في ظلّ استعصاء الحوار الهادف مع واشنطن وحلفائها.

لم تتناسب محصّلة عدوان التحالف الأميركي فجر أول من أمس، مع تعهّد الرئيس دونالد ترامب، بجعل دمشق وحلفائها يدفعون «ثمناً كبيراً». إذ بقيت أهداف عسكرية وسيادية «حساسة» جرى الحديث عن خطط لاستهدافها خارج خطط العدوان، فيما نجت أُخرى بفضل تدخّل الدفاعات الجوية الفعال. هذا الواقع انعكس خلال اليومين الماضيين بوضوح على المشهد السوري، وكانت الترجمة الأدق له إعلان تحرير مدينة دوما (كامل الغوطة الشرقية) وبدء التحشيد أو الاشتباكات على جبهات عدة بينها مخيم اليرموك ومحيطه، وجيب ريف حمص الشمالي. وهو ما يمكن إيجازه بالقول إن ما حدث لم يغيّر الخطط الميدانية للجيش وحلفائه في شيء. جملة التصريحات التي رافقت وتلت العدوان ظهّرت أهمية الحدث كنقطة مفصليّة في تطوّر مسار «التسوية السورية»؛ وبينما أجمعت دول الحلف الغربي على ضرورة استثمار «الضربة العادلة والقانونية» في مسار جنيف، للحصول على تنازلات من موسكو وطهران ودمشق، بدا المحور المقابل يضع في حساباته العكس. وكان أشدُّ المحبطين مما حدث هم في المعسكر المعارض، ممن كانوا يعقدون آمالاً على «ضربة تغيّر موازين القوى»، وتُوقف مسلسل النكسات.

قبل الضربة بوقت قصير، أكد الرئيس بشار الأسد وضيفه المستشار الأعلى لقائد الثورة الإسلامية في إيران، علي أكبر ولايتي، أن التحركات الأميركية «محاولة لتغيير مجرى الأحداث». وهو تصوّر يراعي مسبقاً طبيعة التحالف الغربي. ولذلك خص الضيف الإيراني بالذكر نقطتين رئيسيتين على أنهما الخط المستقبلي، هما: تحرير إدلب وطرد الأميركيين. هذا الحديث يشير إلى أن ما أعلنته المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي، أمس، بشأن بقاء قوات بلادها في سوريا حتى تحقيق «عدد من الأهداف»، حاضر في حسابات دمشق وحلفائها مسبقاً. وبينما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أنه أقنع نظيره الأميركي بضرورة إبقاء قواته في سوريا، غاب عن الأهداف الأميركية، التي حصرتها هيلي بمنع استخدام الأسلحة الكيميائية وهزيمة «داعش» ومراقبة أنشطة إيران، ما حاولت واشنطن وباريس ولندن تسويقه على أنه بوصلتها في سوريا، وهو دعم مسار جنيف.

يتّسق هذا الغياب مع واقع الحال، إذ يعرف زعماء عواصم العدوان الثلاث أن محاولة جرّ دمشق ومن معها إلى تقديم تنازلات على طاولة التفاوض لن يأتي عبر التصعيد العسكري. وكان وصف الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، لهذه النقطة دقيقاً، حينما أشار أمس، إلى أن العدوان سينعكس سلباً على مسار المحادثات في جنيف. وبرغم أن السعي الأميركي لهدم ما تم بناؤه عبر مسارات التفاوض العديدة ليس أمراً مستجداً، فإن هذا التحرك العسكري يهدد بعودة الأوراق الديبلوماسية إلى الأدراج لمصلحة تصعيد واضح في الميدان. وستكون تبعات ذلك واضحة على مسار جنيف، بما قد يحوّل نشاط المبعوث الأممي ستفيان دي ميستورا، إلى عمل استشاري من دون فعالية.

أجواء التصعيد المرتقب الذي قد يشعل جبهات ساكنة رسمتها تصريحات واضحة من عدة جهات، كان أبرزها تصريح ولايتي بأن «الحرب تحسم على الأرض وليس في الجو»، في موازاة تأكيد الرئيس الإيراني حسن روحاني، خلال اتصال مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ضرورة «دفع المعتدين والمنتهكين للقوانين الدولية ثمن أعمالهم». وبعدما ذهبت روسيا إلى الحديث عن ضرورة دراسة تسليم سوريا منظومة «S300» للدفاع الجوي، أعلنت واشنطن توجهها لفرض مزيد من العقوبات على الجانب الروسي، ربطاً بالملف الكيميائي السوري. جاء ذلك وسط إعلان الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي»، ينس ستولتنبرغ، دعم جميع أعضاء الحلف للتحرك العسكري الثلاثي. وترافقت كل تلك الأجواء مع إعادة واشنطن وباريس ولندن طرح مشروع قرار جديد في مجلس الأمن يتضمن إنشاء آلية تحقيق جديدة حول استخدام الأسلحة الكيميائية، ويدعو إلى بدء «محادثات سلام» برعاية الأمم المتحدة. وهو ما يبدو استفزازاً جديداً لموسكو التي صوتت ضد مشروع مماثل قبل العدوان، وأكدت أنها لن تسمح بتمرير المشروع من دون مراعاة التعديلات التي سبق واقترحتها في المجلس. وفي سياق الحشد الغربي في وجه موسكو، قال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في مقابلة أجرتها معه صحيفة «لو جورنال دو ديمانش»، «نأمل الآن أن تدرك روسيا أنه بعد الرد العسكري… علينا ضم جهودنا للدفع في اتجاه عملية سياسية»، مضيفاً أن «من يعرقل هذه العملية اليوم هو بشار الأسد. وعلى روسيا أن تضغط عليه». ولفت لودريان إلى أن «مصير إدلب يجب أن يُحسم في إطار عملية سياسية تتضمن نزع أسلحة الميليشيات».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى