لماذا جَرَى استِبعادُ سورية وإيران والعَرب عُمومًا مِن قِمّة إسطنبول الرُّباعيّة؟

لا نَعرِف كيف ستُؤدِّي قمّة إسطنبول الرُّباعيّة التي انعَقدت يوم السَّبت الماضي بمُشارَكة زُعَماء روسيا وفرنسا وتركيا والمستشارة الألمانية ميركل بتَحقيقِ حَلٍّ سِياسيٍّ للأزَمَة السوريّة، وتَخفيفِ الاحتقان المُتزايِد، وتَهيِئَة المَناخ المُلائِم لعَودة اللاجئين، وتَشكيلِ لجنةٍ لوَضعِ الدستور قبل نِهايَة العام، دُونَ مُشارَكة طَرَفين أساسيّين، وهُما سورية الدَّولةُ المَعنيّة أوّلًا، وإيران، الشَّريكُ الرئيسيّ في منظومة آستانة التي لَعِبت دورًا كبيرًا في تَهيِئة الأرضيّة لتَحقيقِ الإنجازات العَسكريّة الحاليّة على الأرض، إلى جانِب استبعادِ عرب منظومة المَجموعة الدوليّة المُصغَّرة التي تَضُم سَبعَ دُوَلٍ مِن بَينِها ثلاثُ دُولٍ عربيّةٍ، هِي مِصر والأُردن والسعوديّة.

صَحيح أنّ البَيان الخِتاميّ أكَّد على وِحدَة الأراضِي السوريّة، ودَعمِ الحَل السياسيّ، والتأكيدِ على حتميّة القَضاء على كافّة التَّنظيمات والجَماعات الإرهابيّة مِثل “الدولة الإسلاميّة” (داعش) و”هيئة تحرير الشام” (النصرة)، ورَفضِ الأجندات الانفصاليّة، ولكن كُل هذا الطَّرح، يتَضمَّن تَناقُضًا رَئيسيًّا يتمثَّل في النَّص على وَقفِ إطلاقِ نارٍ دائِمٍ في إدلب، دُونَ تَقديمِ أيِّ تَوضيحاتٍ؟

فالتَّنظيمان المَذكوران رَفَضا إلقاءَ السِّلاح، والالتزام بالاتِّفاق الروسيّ التركيّ بإقامَةٍ مِنطَقةٍ عازِلةٍ بعُمُق 20 كيلومِترًا، وتسليم المُعدّات الثَّقيلة، فهَل هذا يَعنِي إبقاء الوَضع على حالِه في المدينة التي تَضُم أربعَة ملايين مُواطِن، وأكثَر مِن مِئَةِ ألفِ مُسلَّح؟ أم أنّ هَذهِ الفَقَرة في البَيان الخِتاميّ تَعنِي ضُوءًا أخضَرًا لتَصفِيَتها؟ ومَن سيَقوم بهَذهِ المُهِمَّة ومَتى؟

النُّقطَة الأُخرَى تتعلَّق بتَشكيلِ اللجنةِ الدستوريّة قبل نِهايَة هذا العام التي سَيكون مِن أبرز مَهامِها وَضعُ دُستورٍ سُوريٍّ جَديدٍ، يكون الأرضيّة للإصلاحات الدستوريّة، وإجراءِ الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة عامَ 2022 كحَدٍّ أقصَى.

 ***

رُبّما هَذهِ هِي المَرّة الأُولى في التَّاريخ التي يَتِم فيها وَضعُ دُستورٍ لدَولةٍ ذات سِيادة ومُنتَصِر جيشها على الأرض مِثل سورية، ولهذا لم نُفاجَأ عِندما أعلَنَ المَبعوثُ الدوليّ المُستقيل ستيفان دي ميستورا أنّ السيّد وليد المعلم، نائِب رئيس الوزراء ووزير الخارجيّة السوري، رفض تشكيل هَذهِ اللجنة من الأساس، وقال بعد زيارة خاطِفَة لدِمشق، أي المبعوث دي ميستورا، أنّ السيد المعلم أكّد له أنّ مسألة تشكيل اللَّجنة الدستوريّة أمْرٌ سِياديٌّ لبِلادِه، ورفض في الوقتِ نَفسِه أيَّ دَورٍ للأُمم المتحدة في تَشكيلِ، أو تحديد، أسماء أعضاء القائِمة الثالثة في اللَّجنة الدُّستوريّة المَذكورة.

ديمتري بيسكوف النَّاطِق باسم الكرملين، قال أنّ موسكو ستُطلِع دِمشق على نتائِج القِمّة الرباعيّة في إسطنبول، دون أن يُوضِح كيف سيَتِم ذلك، هل مِن خِلال إرسال مَبعوثٍ روسيٍّ إلى العاصِمة السوريّة، رُبّما يَكون وزير الخارجيّة سيرغي لافروف، أم مِن خِلال دعوة السيد المعلم شيخ الدِّبلوماسيّة السوريّة إلى العاصِمةِ الروسيّة؟

رَفضُ الحُكومة السوريّة، وريبَتها تُجاه اللَّجنة الدستوريّة هَذهِ أمران مُبرَّران، خاصَّةً أنّ مِسودَّة الدُّستور التي وزّعها وفد روسي قبل أكثَر مِن عامٍ على الوفود المُشارِكة في إحدَى جَلَسات مُؤتَمر آستانة تَحدَّثت عن تقسيم سورية إلى وِلاياتٍ فيدراليّةٍ على أُسسٍ طائفيّةٍ وعِرقيّة، وتَهميشِ دور السُّلطة المركزيّة، وإعطاء صَلاحيّاتٍ مُطلَقةٍ للبَرلمانات الإقليميّة، وتَقليصِ القُدرات العَسكريّة لهَذهِ السُّلطة.

قصف الطائرات التركيّة لمَواقِع قُوّات سورية الديمقراطيّة ذات الغالبيّة الكرديّة شَرق الفُرات قبل يومين، في تَزامُنٍ مع تَحرُّكٍ مُفاجِئٍ لقُوّات “الدولة الإسلاميّة” “داعش” نَجَحَ في استعادَة الكَثير مِن المناطق التي سيطرت عليها هَذهِ القُوّات، يُوحِي بوجود “تفاهمات” سِرِّيَّة بين روسيا وتركيا، لا نَعلَم ما إذا كانت السُّلطات السوريّة في دِمشق على اطِّلاعٍ على تَفاصيلِها، لأنّ إعطاء الأولويّة لشَرق الفُرات مُجدَّدًا، يَعنِي بقاء اتِّفاق إطلاق النَّار في إدلب على حالِه، وتَحويلِه إلى اتِّفاقٍ شِبه دائِم، أو هكذا يَعتقِد الكَثير مِن المُراقِبين.

***

شَرقُ الفُرات، حيث تُوجَد احتياطات النِّفط والغاز، أرضٌ سوريّةٌ، يَجِب أن تعود إلى سِيادَة الدَّولة مِثل باقِي المُدن والمَناطِق الأُخرَى، مُضافًا إلى ذَلِك أنّ عَوائِد هَذهِ الثَّروات تَظَل أساسيّةً لتَمويلِ عمليّة الإعمار، أو جُزءٍ رَئيسيٍّ مِنها على الأقَل، وتخفيف الأعباء الماليّة عَن الحُكومة والشَّعب السوريّ مَعًا، في ظِل الإحجام الأمريكيّ والحُلَفاء العَرب المُؤتَمِرين بأمْرِه، إلا وِفْقَ شُروطٍ تَعجيزيّةٍ.

قِمّةٌ رُباعيّةٌ لا تُشارِك فيها الحُكومة السوريّة المُعتَرف بِها دَوليًّا، لا يُمكِن أن تُحَقِّق أي نجاح على صَعيد إعادَة الأمن والاستقرار إلى سورية وشَعبِها، ولجنة دستوريّة لا تتشكَّل بمُوافَقة هَذهِ الحُكومة مِن الصَّعب أن تُحَقِّق الإصلاحات المَطلوبة، أو هكذا نَعتقِد، ولا نَمْلُك إلا انتظار مَوقِف القِيادة السوريّة تُجاهَها، وما يُمكِن أن يَحمِله المبعوث الروسيّ إلى دِمَشق مِن تَوضيحاتٍ.. وليسَ أمامَنا في الوَقتِ الرَّاهِن أيَّ خَيارٍ آخَر.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى