لماذا يستمر الغزل التركيّ لمِصر رُغم إغلاق الرئيس السيسي أبواب المُصالحة مع الإخوان المسلمين نهائيًّا؟

 

تصَاعُد منسوب “الغزل” التركيّ لمِصر في الأيّام القليلة الماضية وسط أنباء عن نجاح اللّقاءات التي جرت بين وفدين استِخباريين من البلدين في التوصّل إلى “هدنةٍ” إعلاميّة، ربّما تُشَكّل خطوة مهمّة على صعيد إجراءات “كسب الثّقة”، والتّمهيد للقاءات دبلوماسيّة وسياسيّة على مُستوى أعلىأجهزة إعلام مُقرّبة من أنقرة كشفت قبل أيّام قليلة عن رصدها توجيه جِهات عُليا في مِصر تعليمات إلى وسائل إعلام مِصريّة بتخفيف حِدّة الهُجوم على الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان تجاوبًا مع توجيهاتٍ تركيّةٍ مُوازية مُماثلة، ومنع أيّ هُجوم على الرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي، وكان أثر هذه التّعليمات مَلموسًا من خِلال مُتابعة بعض قنوات المُعارضة المِصريّة في إسطنبول.

وما عزّز صحّة هذه التّسريبات ما ورَد في مُقابلة الدكتور إبراهيم قالن، مُستشار الرئيس أردوغان الأبرز، والنّاطق باسمه، لقناةٍ تلفزيونيّة محليّة وجّه فيها رسالةً غير مُباشرة إلى القِيادة المِصريّة تقول “مِصر دولة إقليميّة عُظمى، ومن الدّول الهامّة في المِنطقة والعالم العربي، وإذا أظهرت إرادة التحرّك بأجندةٍ إيجابيّةٍ في القضايا الإقليميّة الخِلافيّة فإنّ تركيا لا يُمكنها إلا الرّد بطريقةٍ إيجابيّة، وتُقدِم على خطواتٍ إيجابيّةٍ أيضًا”.

رسالة الدكتور كولن التي جاءت بعد تصريحاتٍ مُماثلة لزميله ياسين أقطاي، وامتِداح السيّد مولود جاويش أوغلو أواخِر الشّهر الماضي في “مُقابلة مُرتّبةٍ” احتِرام مِصر للمصالح التركيّة في شرق المتوسّط بقوله “مِصر لم تنتهك في أيّ وقتٍ الجُرف القارّي لتركيا في اتّفاقيّتها التي أبرمتها مع اليونان وقبرص بخصوص مناطق الصلاحية البحرية، وجاء الانتِهاك من اليونان وقبرص الروميّة”.

هذا الغزل التركي الذي لم يَجِد حتّى الآن تجاوبًا مُباشِرًا، وعلنيًّا، من قِبَل الجانب المِصري جاءَ بعد ثلاث تطوّرات أساسيّة:

الأوّل: إرسال مِصر سُفنًا حربيّةً للمُشاركة في مُناورات روسيّة في البحر الأسود في تزامنٍ مع تصاعد التوتّر في جنوب القوقاز، واشتِعال الحرب بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم “قرة باخ” المُتنازع عليه حيث تدعم تركيا الأولى وروسيا الثّانية.

الثاني: عودة الهُدوء إلى الصّراع اللّيبي بعد التّحذير المِصري بأنّ سرت والجفرة اللّيبيتين بمثابةِ “خطٍّ أحمر” سيُؤدّي خرقه إلى تهديدِ الأمن القوميّ المِصريّ في تحذيرٍ مُباشرٍ لتركيا التي كانت تَحشِد قوّاتها وحُلفاءها للهُجوم على المدينتين والتقدّم نحو الهِلال النّفطي اللّيبي في إقليمِ برقة.

الثالث: حُدوث انقسام في حكومة الوفاق الليبيّة التي يتزعّمها السيّد فايز السراج بالشّراكة مع حركة “الإخوان المسلمين” والجماعة الليبيّة المُقاتلة بزعامة السيّد عبد الحكيم بالحاج، وانخِراط السراج ونائبه في حواراتٍ مع مِصر والجِنرال خليفة حفتر، والسيّد عقيلة صالح، رئيس برلمان إقليم طبرق، وتَمخُّض حوارات بوزنيقة المغربيّة عن تفاهماتٍ مُهمّةٍ في “تجديد” اتّفاق الصخيرات، وتقاسم المناصب العُليا في التّسوية المُقترحة بين جماعات تُمثّل مُختلف ألوان الطّيف السّياسي اللّيبي، واتّفاق على نقل الجولة القادمة للحِوار إلى تونس.

الرئيس أردوغان الذي كان يتبنّى سياسة “حافّة الهاوية” في تعاطيه مع أزمات شرق المتوسّط، أدرك أنّ هذه السياسة أعطت نتائج عكسيّة، وبات يُركّز حاليًّا على إحياء القوميّة التركمانيّة بغِلافٍ عُثمانيّ، ابتداءً من أذربيجان الحلقة الأُولى في الحِزام التركي الذي يمتدّ حتّى إقليم الإيغور في غرب الصين.

أهميّة أذربيجان الغنيّة بالنّفط والغاز أنّها تنفي الطّابع الطّائفي في أحلام الرئيس أردوغان، لأنّها تُشَكّل كُتلة إسلاميّة شيعيّة جنبًا إلى جَنبٍ مع الكُتلة السنيّة التركمانيّة الأُخرى، وهذه ورقة مُهمّة في مُواجهة إيران الشيعيّة، ووجود حواليّ 25 مِليون من أصل أذري شيعي في شِمالها.

هذا الغزل التركي لمِصر يَعكِس مُراجعةً سياسيّةً مُهمّةً للرئيس أردوغان ومُساعديه، والعودة إلى الدبلوماسيّة النّشطة، ومُحاولة “تحييد” مِصر، خاصّةً بعد تصعيد التّحالف السّعودي الإماراتي حربه الاقتصاديّة ضدّ أنقرة، وإصدار حظر كامل على استِيراد البضائع التركيّة، والسّياحة إلى إسطنبول، في وقتٍ تُواجه فيه اللّيرة التركيّة، والاقتِصاد التركيّ بالتّالي، ضُغوطًا صعبةً للغاية، سواءً من الغرب حيثُ أوروبا، أو الشّرق أيّ سورية وإيران، ودول خليجيّة.

من الصّعب علينا التنبّؤ بحجم فُرص نجاح هذا الغزَل التركي لمِصر ومآلاته، لكن استمراره خاصّةً بعد أن أغلق الرئيس السيسي كُلّ أبواب المُصالحة مع حركة الإخوان المسلمين خصمه اللّدود، يَعكِس “براغماتيّة” تركيّة، واستِعدادًا لتقديم تنازلات جوهريّة “ربّما” تقود إلى نوعٍ من المُصالحة بين البلدين وعودة السّفراء.. واللُه أعلم.

 

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى