مصريون ينقبون في كتب التاريخ بحثاً عن تفسير للفشل السياسي (أمينة خيري)

أمينة خيري

 

 

 

صحيفة الحياة اللندنية

 

 

آخر ما كنت أتوقعه أن أذهب طواعية إلى مكتبة وابحث عن كتب تاريخ لقراءتها بنهم وشغف وشوق، علني أصل إلى تفسير أو خيط ألتقطه لأبدأ فك ألغاز ما يحدث حولي». هذا ما قاله هشام مسعد (22 سنة) الذي كان يقف أمام قسم «التاريخ» في إحدى المكتبات المشهورة في حي مصر الجديدة في القاهرة. مسعد الذي يقول انه التحق بالقسم العلمي في المرحلة الثانوية هرباً من مذاكرة التاريخ الذي كان «يكرهه»، انقلبت حاله رأساً على عقب وباتت كتب التاريخ ملجأه للبحث عن إجابات لما يستعصي عليه فهمه من أحداث!
مسعد يبحث في كتب التاريخ عما كتب في شأن الصراع العربي – الإسرائيلي وأحلام الدولة الصهيونية وخطوات تحقيقها في ضوء كتابات لمؤرخين ومؤلفين، لا سيما من الغرب بحثاً عن قدر من الموضوعية وعدم الانحياز للجانب العربي، حسبما يقول. ويرجع مسعد هذا الميل الحديث للتنقيب في التاريخ إلى قناعته بأن مجريات الأمور في مصر والتي يظن البعض أنها غير مفهومة وغير منطقية، يمكن أن تفهم وتكتسب بعض المنطق لو تم النظر إليها في سياق أوسع وأكبر وأكثر ارتباطاً بالعالم، لا سيما الولايات المتحدة وإسرائيل.
وينشأ حوار بين مسعد وصديق له أثناء تصفحهما الكتب المعروضة يفهم من سياقه أن الصديق كان يميل منذ اندلاع ثورة يناير إلى أن ما يحدث نبع بالفعل من إرادة شعبية أعياها الفساد والقهر والظلم، لكن هذا لا ينفي أن أيدي وأدمغة خارجية لعبت دوراً ما لا يزال غير مفهوم الأبعاد. وقتها لم يكن مسعد مستعداً للاقتناع او حتى الاستماع لفكرة وجود عوامل تحفيزية خارجية في الثورة المصرية، لكن ما آلت إليه الأوضاع حالياً يجعله مستعداً اكثر لتقبل هذا الاحتمال.
خيار البحث في التاريخ بشراء الكتب ليس مطروحاً لدى كثيرين، لأسباب مادية تتعلق بأسعار الكتب من جهة، ولأسباب محدودية الاختيارات من جهة أخرى. لمياء مكرم (20 سنة) تقضي الكثير من الوقت أمام شاشة الكومبيوتر بحثاً عن كتابات وأفلام وثائقية تساعدها في فهم المشهد الدولي، ومنطقة الشرق الأوسط، ووضع مصر ودورها. تقول: «لست ممن يـشككون في أن ثورتنا كانت مصرية مئة في المئة، ولكن رياح الربيع العربي التي تهب حولنا وعلينا من كل صوب تستحق البحث والقراءة. ولأن إعلامنا للأسف إما موجه لحساب طرف ضد آخـر أو مـموه لـخدمة أهـداف بعينها، وجدت نفـسي أغوص في أفلام وثائقية، أغلبها غربي تم إنتاجه في ضوء ثورات الربيع العربي، يحوي بعضها سرداً والبعض الآخر تحليلاً».
وعلى رغم أنها تعي تماماً أن سم المؤامرات أو المعلومات المغلوطة قد يكون مدسوساً في عـسل الــسرد الإعـلامي والـتاريـخي الـشـيق، «لكن على الأقل مثل هذه الأفلام الوثائقية تعطيني نقطة بداية للبحث. فقد تستضيف محللاً سياسياً أو مؤرخاً أو باحثاً لديه مؤلفات وكتابات يمكنني بعد ذلك البحث عنها على الشبكة العنكبوتية وقراءتها وتكوين فكرة أوسع».
ولأن مصر تدين في ثورتها بالكثير للشبكة العنكبوتية التي كان لها فضل التجييش والتنظيم والتواصل، فإن التصاق الشباب بها هذه الآونة من شأنه أيضاً أن يفعل الكثير، ولو من باب المعرفة التي عاني الجميع من نقصها أو من أحادية مواردها طيلة عقود طويلة مضت. أحمد مصطفى (19 سنة) يؤكد أنه يمقت التاريخ الذي درسه طيلة سنوات المدرسة، لأنه عقيم ومكتوب بطريقة سخيفة وطاردة وعقيمة، لكنه اكتـشف من خلال «فايسبوك» أن التاريخ من أكثر المجالات تشويقاً وجذباً للاهتمام. يقول: «أصدقائي من مصر ودول عدة يحملون وصلات وإشارات عدة عن مقالات وأفلام من حول العالم تحوي الكثير من التاريخ والسياسة، وأجد نفسي منجذباً إلى الكثير منها، فأقرأ وأشاهد، وكلما زادت معرفتي أميل إلى البحث أكثر فأكثر».
البحث عن مفاتيح في التاريخ لفتح الأبواب المغلقة والمبهمة على الساحة السياسية في مصر هذه الآونة تحـول إلى ما يشـبه الظاهرة، لا سـيما بين الـشباب ممن لا ينتمون الى تيارات الإسلام السياسي أو من غير المتعاطفين معها.
يقول عبد الله زياد (26 سنة): «أقولها وبمنتهى الصراحة أن الميل الشبابي الحالي للبحث في التاريخ هو ميل ليبرالي بحت، أو فلنقل هو ميل من قبل الشباب الذين لا يؤمنون بخلط الدين بالسياسة. أولئك شعروا بأنهم خسروا بعد الثورة. فقد قاموا بثورة ومات منهم من مات، من أجل مصر جديدة مرتكزة الى الحرية والعدالة والكرامة، ففوجئوا بمصر جديدة مرتكزة الى الخلافة الإسلامية. وغالباً ما تجد من أخفقوا في معركة سياسية كهذه يهربون إلى التاريخ بحثاً عن تفسيرات ودروس مـستفادة. أما أبناء الإسلام السياسي من شباب الإخوان والسلفيين، فهم منشغلون بما حققوه من مكاسب، ولا يشعرون بالحاجة إلى البحث والتنقيب في التاريخ، على الأقل، ليس بعد».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى