معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: تعرّف على المُصلح السياسي الإسلامي الذي أصبح رئيس مصر إريك تراغر

إريك تراغر

عندما قامت "لجنة الانتخابات الرئاسية" في مصر بحرمان المرشح الرئاسي لـ جماعة «الإخوان المسلمين» خيرت الشاطر من خوض الانتخابات الرئاسية المصرية، تملكت «الجماعة» حالة من الغضب إلا أنها لم تُفاجأ. ويحظر القانون المصري على المدانين في قضايا جنائية الترشح لمنصب الرئيس، ورغم أن إدانة الشاطر في عام 2007 بسبب انتمائه إلى "منظمة غير شرعية" – وتحديداً جماعة «الإخوان» – كانت مُسيّسة بشكل كبير، إلا أنه على الرغم من ذلك كانت «الجماعة» تعلم أنها قد تخسر ترشح الشاطر. ومن ثم قامت في اللحظة الأخيرة بتسمية مرشح احتياطي: النائب البرلماني السابق محمد مرسي الذي حل الآن محل الشاطر باعتباره المرشح الرئاسي عن «الإخوان المسلمين».
إن ظهور مرسي المفاجئ باعتباره حامل لواء جماعة «الإخوان» يمثل تغيراً هائلاً في دوره داخل المنظمة. فعلى مدار الكثير من العقد الماضي، كان مرسي لاعباً خلف الكواليس، حيث لعب دورين رئيسيين كانا يمثلان أهمية حيوية للأمن الخارجي والانضباط الداخلي لـ «الجماعة».
 
أولاً، على مدار السنوات الأربع الأخيرة من عهد حسني مبارك، كان مرسي نقطة الاتصال الرئيسية لجهاز أمن الدولة داخل جماعة «الإخوان». وكان جهاز أمن الدولة هو الأداة الأمنية القمعية الداخلية التي راقب نظام مبارك من خلالها جماعات المعارضة وتسلل إليها، وتفاوض مرسي مع جهاز أمن الدولة لضمان مشاركة «الجماعة» في الجهود السياسية المختلفة، مثل الانتخابات البرلمانية. وقد أخبرني نائب المرشد الأعلى محمد حبيب أثناء مقابلة أجريته معه في آذار/ مارس 2011 أن "محمد مرسي تربطه علاقات جيدة جداً بالأمن. فجهاز أمن الدولة يحب نقطة اتصال تحظى بثقة مختلف [أعضاء] «الإخوان»، وقد دفعه إلى ذلك (كبارة قادة «الجماعة»)". والواقع أن قادة «الإخوان» كانوا يثقون بمرسي لأنهم اعتبروه متشدداً من الناحية الأيديولوجية، ومن ثم كان من غير المحتمل أن يتنازل كثيراً للنظام أثناء المفاوضات. كما كان قادة «الجماعة» يؤمنون بأن خبرة مرسي السياسية الطويلة، بما في ذلك عضويته في القسم السياسي لـ «الجماعة» منذ عام 1992 وقيادته للتكتل البرلماني لـ «الإخوان» بين عامي 2000 إلى 2005، قد جعلت منه مفاوضاً متمرساً وفاعلاً.
والمثير للاهتمام أن مرسي ورث هذا الدور من خيرت الشاطر، الرجل الذي حل مرسي محله مؤخراً كمرشح رئاسي لـ «الإخوان». فقبل الانتخابات البرلمانية في عام 2005، كان مرسي يساعد الشاطر في التفاوض مع النظام بشأن عدد من المرشحين الذين كانت «الجماعة» ستخوض بهم الانتخابات. وعندما حصل «الإخوان» على 88 مقعداً من بين إجمالي 454 مقعداً في البرلمان – بما في ذلك غالبية المقاعد التي تنافسوا عليها – غضب النظام وساد اعتقاد بأن محاكمة الشاطر اللاحقة كانت تمثل جزئياً عقاباً له على إخفاقه في تقليل عدد مرشحي «الجماعة» بشكل كافٍ. وعقب إدانة الشاطر، أصبح مرسي نقطة الاتصال الوحيدة بين «الإخوان» وجهاز أمن الدولة.
 إن رغبة مرسي خلال السنوات اللاحقة في التفاوض مع نظام مبارك الذي كان يقمع «الجماعة» بوحشية على مدار عقود لهي دليل على التدرج السياسي للمنظمة أثناء ذلك الوقت. وقد أخبرني مُرسي أثناء مقابلة في آب/ أغسطس 2010 بقوله "إن برنامجنا هو برنامج طويل الأجل وليس قصير الأجل. لو دفعنا الأمور بقوة، فلا أعتقد أن هذا سيؤدي إلى وضع مستقر فعلياً". وفي الواقع أن الهدف الرئيسي للمنظمة في ظل حكم مبارك كان البقاء – ولهذا قامت «الجماعة» في كثير من الأحيان بتنسيق أنشطتها مع النظام – ورفضت عادة الانضمام إلى الحركات الاحتجاجية المختلفة التي ظهرت أثناء سنوات اضمحلال حكم مبارك. وقد أخبرني مرسي بلغته الإنجليزية المتكلفة "لم نشارك مطلقاً في بعض الحركات العشوائية من قبل". ومن ثم رفضت «الجماعة» في البداية المشاركة في مظاهرات كانون الثاني/ يناير الحاشدة في عام 2011 والتي أطاحت في النهاية بمبارك. ورغم اعتقاله مع بلوغ الثورة ذروتها، شارك مرسي في المفاوضات التي جرت في أوائل شباط/ فبراير مع نائب الرئيس آنذاك عمر سليمان، والتي كانت تهدف إلى إنهاء الاحتجاجات لكنها لم تنجح في ذلك.

وقد كان الدور الثاني لمرسي داخل قيادة «الإخوان» بنفس القدر من الأهمية من أجل سلامة «الجماعة». فقد كان بحسب كلمات العضو السابق في «الإخوان» الشاب عبد المنعم المحمود "رمزاً للمتطرفين داخل «الجماعة»" – فهو لم يكن فقط يدفع «الإخوان» إلى تبني أجندة أكثر تطرفاً، لكنه كان يؤيد كذلك استبعاد القادة الذين يختلفون معه.
وفي هذا الإطار، قاد مرسي جهود «الجماعة» في عام 2007 لصياغة برنامج سياسي تضمن شروطاً قيّدت منصب الرئاسة المصرية على الرجال المسلمين وأسست مجلس من علماء الدين الإسلامي لتقديم المشورة إلى البرلمان حول التشريعات المتطابقة مع الشريعة. وعندما اعترض مدونو «الإخوان» من الشباب على هذه الشروط، قام مرسي بتوبيخهم. وبعدها بعامين، قاد مرسي الجهود الرامية لطرد محمد حبيب وعبد المنعم أبو الفتوح من «مكتب الإرشاد»، بعد أن أعرب كلا القائدين في «الجماعة» عن اختلافه مع البرنامج السياسي. وفي مقابلة أجريتها عام 2011 أخبرني محمد البلتاجي بأن "حبيب قد ترك «مكتب الإرشاد» بسبب وضع غير طبيعي. فالأعضاء الذين يترشحون في الانتخابات الداخلية …اختاروا بعض الناس الذين هم مقربين من بعضهم البعض، لضمان الوحدة بغض النظر عن الكفاءة…وكان ذلك لصالح التناغم داخل «مكتب الإرشاد»".
 
ومنذ طرد مبارك من السلطة في شباط/ فبراير في العام الماضي، واصل مرسي لعب هذين الدورين بصفته رئيس "حزب الحرية والعدالة"، الذي أسسته «الجماعة» في نيسان/ أبريل 2011. والواقع أن مرسي ظل بصفة أساسية الوسيط الرئيسي لـ «الإخوان» مع النظام. فقد تفاوض مع "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" حول عدد من الأمور المختلفة، بما في ذلك صيغة وتوقيت الانتخابات البرلمانية، إلى جانب إنهاء حلقات من الاحتجاجات الجماهيرية المتجددة.
كما استغل نفوذه المستمر داخل «الجماعة» لضمان التزام الأعضاء العاديين في «الإخوان» بـ "حزب الحرية والعدالة" دون غيره. وفي هذا الإطار، عندما اعترض قادة «الجماعة» من الشباب على تأسيس "حزب الحرية والعدالة" وبدأوا في تكوين حزبهم الشبابي الخاص، طالبهم مرسي بالتراجع. وقد أخبرني القائد الشبابي في جماعة «الإخوان» إسلام لطفي بعد فترة وجيزة من الثورة في العام الماضي "هناك أشخاص يعتقدون أنهم حراس المعبد، وهو واحد منهم. فهو يهتم كثيراً بالنظام، أكثر من الأفراد". وفي حزيران/ يونيو 2011، أسس لطفي وزملاؤه "حزب التيار المصري"، ومن ثم تعرض بعدها للطرد من «الجماعة». وعلى نحو مماثل، عندما أعلن أبو الفتوح – الذي طرده مرسي من مكتب الإرشاد» في عام 2009 – ترشحه للانتخابات الرئاسية ضد رغبات «الإخوان»، تم طرده هو وأنصاره.
وبغض النظر عن أدائه في الرئاسة، إلا أنه من المرجح أن يظل مرسي أحد ركائز السياسات المصرية لسنوات قادمة. كما أن قيادته لـ "حزب الحرية والعدالة" – الذي يحظى بالأغلبية في البرلمان – سوف تمكنه من مواصلة توجيه المسار السياسي لجماعة «الإخوان» باتجاه أقصى اليمين الديني المتطرف. إن التزامه بالنظام الداخلي لـ «الجماعة» سوف يُحد من ضغط الأعضاء الأصغر سناً باتجاه تبني حل وسط مع الفصائل السياسية الأخرى. كما أن علاقته طويلة الأمد مع سلطات الأمن المصرية سوف تجعله من الشخصيات الأكثر أهمية لإبعاد الضغط السياسي عن الجيش المصري.
إلا أن ظهور مرسي باعتباره حامل لواء «الجماعة» يجب النظر إليه على أنه مؤشر لأسلوب عمل المنظمة. فهي لديها ديكتاتورية داخلية وغير متسامحة أيديولوجياً – وربما يكون الأكثر أهمية من ذلك – أنها على استعداد لاتباع منهج التدرج السياسي فقط عندما يتم الضغط عليها من قبل السلطات الأكثر قوة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى