نتنياهو في قفص الاتهام رسميّاً… متى السقوط؟

 

لعلّها من المرّات القليلة التي يتحوّل فيها قرار قضائي إلى حدث بمفاعيل سياسية، من شأنها التأثير في مجمل المنظومة الإسرائيلية. فما عجزت عن تحقيقه كلّ المناورات والائتلافات والتحالفات والخطط، من فوق الطاولة ومن تحتها، لإطاحة رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، قد تتكفل به ثلاث لوائح اتهام صدرت عن القضاء الإسرائيلي أمس، بتهم فساد ورشى بحقه. وعلى خلفية المتغير الجديد، يمكن القول إن أي مناورات قد يلجأ إليها نتنياهو لن تغير من حقيقة أن الاتهام سيفضي إلى إسقاطه، وسيكون المسمار الأخير في نعش حياته السياسية والشخصية.

إذاً، يتعذر على نتنياهو هذه المرة الإفلات من السقوط، بمعزل عما إذا كانت الضربة الأخيرة ستأتيه من داخل حزبه، أو عن طريق انتخابات ثالثة باتت أكثر ترجيحاً، أو عبر ضغط الرأي العام، فضلاً عن المسار القضائي نفسه. مع ذلك، يجب الالتفات إلى الآتي:
ــــ صحيح أنه ليس هناك حصانة تمنع القضاء من اتهام نتنياهو ومحاكمته، إلا أن الرجل يستطيع الاستفادة من صفته رئيساً للحكومة للامتناع عن التنحي بعد اتهامه، وكذلك بعد مباشرة محاكمته، طوال مدة المحاكمة، وإلى أن يصدر الحكم النهائي بحقه. وعليه، فلنتنياهو، بموجب القانون، أن يستمرّ في شغل منصبه بكامل صلاحياته إلى أن يصدر الحكم، الذي قد يتأخر كثيراً (ربما سنوات)، علماً بأن النصوص القانونية تمنع عن المتهم تولّي وزارات الصحة والرفاه والشتات والزراعة، من دون أن ينسحب ذلك على رئاسة الحكومة.
ــــ على رغم أن نتنياهو عضو «كنيست»، ويمكن أن يتمتع بموجب صفته تلك بحصانة خاصة، إلا أن هذه الحصانة تُمنَح وفقاً لطلبه، ويجب أن يصدر قرار بها بعد تداول لجنة «الكنيست» المعنية في شأنها، الأمر الذي يبدو متعذراً حالياً، لأن اللجنة المذكورة لم تتشكل أصلاً بفعل عدم تشكّل الحكومة، ما يعني انتظار الانتخابات المقبلة في حال تعذّر التشكيل أيضاً خلال الفترة القصيرة المقبلة، وهو الأكثر ترجيحاً. لكن حتى بعد الانتخابات الثالثة، تبدو إمكانية نيل الحصانة عبر الكنيست متعذرة من الآن؛ إذ لا يتوقع أن تغاير نتيجة التصويت الجديد نتيجتَي التصويتين السابقين.

على رغم كل ما تقدم من معطيات، يصعب الحسم في شأن تبعات توجيه الاتهام إلى نتنياهو، إذ إن هذه التبعات لا تتحدّد فقط وفقاً للمسار القضائي والنصوص القانونية، بل وفقاً لمروحة عوامل وردود فعل سياسية وإعلامية وجماهيرية، تقودها الأحزاب والنخب والإعلام والرأي العام، وأيضاً على أساس سيرورات داخل حزب «الليكود» نفسه، قد تصل إلى إجباره على التنحي، من دون الحاجة إلى مسار المحاكمة والإدانة. وبالفعل، بدأت محاكمة نتنياهو أمس سياسياً وإعلامياً وجماهيرياً فور إعلان لوائح الاتهام، إذ سارع منافسوه وخصومه، من كتل وأحزاب ونخب وصانعي رأي عام وشخصيات من داخل «الليكود»، إلى التصويب عليه ودعوته إلى الاستقالة و«تقديم مصلحة إسرائيل على مصلحته الشخصية». وتبيّن من مجمل المواقف تلك، أن منافسي نتنياهو، ومن بينهم رئيس حزب «العمل» عامير بيرتس، سيلتمسون أمام «المحكمة العليا» لإجبار الرجل على التنحّي، بدعوى أنه رئيس حكومة انتقالية وليس «رئيساً أصلياً» لحكومة تحوز ثقة «الكنيست». وفي حال قرّرت المحكمة تبنّي ما ورد في الالتماس، فستكون نهاية نتنياهو سريعة جداً. كذلك، بدأت أصوات من داخل «الليكود» تعلو مطالبةً إياه بالتنحي، وإن جاءت عبر تسريبات وأحاديث مصادر مسؤولة إلى الإعلام العبري (القناة 12). ووفق المصادر «الليكودية» هذه، فعلى نتنياهو «أن يفهم أن عهده انتهى، وحان وقت التغيير».
في المقابل، لا يبدو أن نتنياهو ينوي التراجع والانكفاء، بل هو قرّر المواجهة ورفض الاتهامات التي وضعها في خانة المؤامرة ضدّه وضدّ اليمين. وقال، في تعقيبه على صدور لوائح الاتهام، إنه لن يتنحى وسيستمر في قيادة إسرائيل، مضيفاً: «يتطلب منك أن تكون أعمى كي لا ترى أن شيئاً ما هنا يحدث مع الشرطة والنيابة العامة، ذلك أننا نشهد الليلة محاولة انقلاب ضد رئيس الحكومة، عبر التحريض والتشهير وتحقيقات منحازة». وفي مؤشر إلى استراتيجية الدفاع التي سيتبعها للتأثير في الرأي العام، اعتبر نتنياهو أن ما يحدث الآن «محاولة إسقاط رئيس حكومة يميني، وأنا لن أسمح للأكاذيب بالفوز، وسأواصل القيادة وفقاً للقانون». ورأى أن «هذا مسار قضائي ملوث يثير الشبهات والأسئلة الحادة، ويجب العمل على التحقيق مع المحققين، لأنهم لم يبحثوا عن الحقيقة، بل أرادوا إدانتي»، متابعاً أن «التحقيقات ضدي تقضي على ثقة الجمهور بمؤسسات فرض القانون».

لوائح الاتهام: الاحتيال وسوء الأمانة والرشوة

أعلن المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، توجيه الاتهام إلى بنيامين نتنياهو في ثلاثة ملفات من أصل أربعة، كانت مدار تحقيقات مكثفة في المدة الماضية، وألقت بظلالها على مجمل المؤسسة السياسية في إسرائيل، بل وامتدّت تأثيراتها إلى الشأنين الأمني والعسكري، والمواجهة التي تخوضها تل أبيب مع أعدائها في أكثر من ساحة في المنطقة. الملفات الثلاثة هي: القضية 1000 المتعلقة بتلقي هدايا وعطاءات تصل قيمتها إلى مئات الآلاف من الشواكل (الدولار يساوي 3.4 شيكل) من رجال أعمال، والتهمة في هذا الملف هي «الخداع وخيانة الأمانة». والملف 2000 الذي يتضمن اتهام نتنياهو بأنه عمل مع ناشر صحيفة «يديعوت أحرونوت»، نوني موزيس، على إضعاف صحيفة «يسرائيل هيوم»، مقابل تقديم تغطية متعاطفة معه، والتهمة هنا هي «الخداع وخيانة الأمانة». أما الملف 4000، فيشير إلى قيام رئيس الحكومة بإعطاء مزايا وتسهيلات مالية للمساهم المسيطر في شركة الاتصالات «بيزك»، شاؤول ألوفيتش، مقابل الحصول على تغطية إعلامية إيجابية في موقع «واللا» الذي يملكه. وعلى خلفية الملف الأخير، اتُهم نتنياهو بـ«تلقي الرشى والاحتيال وإساءة الأمانة».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى